خلال أيام قليلة مضت، شهد الأردنيون ولادة أول مجلس نواب حزبي في تاريخ المملكة، تلاه بعد أيام استقالة الحكومة تبعها تكليف ملكيّ سامٍ لجعفر حسّان لقيادة المرحلة المقبلة.ولم يكن حسّان، اسما متداولا لتولي منصب رئيس الوزراء المكلّف في الأردن، نظرا لأنه كان قبل التكليف، يشغل منصب رئيس مكتب الملك عبد الله الثاني. إلا أن رئيس الوزراء المكلّف، وبحكم عمله، يعتبر أكثر السياسيين اطلاعا على مجريات العملية السياسية والاقتصادية في الأردن، لقربه من الملك. وجاء كتاب التكليف السامي الذي تم من خلاله العهدة الملكية لجعفر حسّان، لتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة، مليئا بالتوجيهات التي على رئيس الوزراء تحويلها إلى حقيقة. وقال الملك في تكليفه لحسّان إنه للقيام بالواجبات فإن ذلك "يتطلب فريقا وزاريا طموحا ومؤمنا برؤية التحديث، وعلى قدر من الكفاءة والمسؤولية الوطنية والجرأة والمثابرة في اتخاذ القرارات وإيجاد الحلول التي تخدم المواطنين لتجاوز العقبات، فالحكومة تتحمل مسؤوليات عظيمة وثقيلة هي مساءلة عنها، ويجب أن تكون مهام الوزراء واضحة ومحددة بأهداف سنوية قابلة للقياس، تخضع للمتابعة والتقييم المستمرين وفق رؤية التحديث الشاملة، لا يعيقها تردد أو توجهها مصالح، سوى مصلحة الوطن، ولا ينقصها عزم أو جهد أو إرادة في تنفيذها، ويلمس المواطن آثارها الإيجابية". تحدّيات أمام الحكومة وفي هذا السياق، يعتقد نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، الدكتور جواد العناني أن الحكومة المقبلة سوف تجد صعوبة واضحة في اتساع المهام التي طُلب منها أن تبدأ في إنجازها خصوصا وأن بعضها يشتمل تفاصيل لم يعدها الأردنيون في كتب التكليف السامي السابقة. وأضاف العناني في تصريح لمنصة "المشهد" أن قائمة المطالبات التي على الحكومة أن تنفذها، طويلة، وفيها تفاصيل لمشروعات كبرى مثل مشروع المدينة الجديدة ومشروع ناقل البحرين ومشروع تحسين النقل والسياحة وغيرها. وأكد أن هذه المشاريع تتطلب إعداد برامج ودراسات قد لا تستطيع الحكومة أو تتمكن من إنفاذها أو البدء بها قبل إنفاذ الدراسات. ولفت العناني إلى أن جدلا رافق مشروع المدينة الجديدة، خصوصا في ظل تساؤلات حول ما تأثير ذلك على "اقتصادية عمّان" و"هل موقعها مناسب إلى جانب العاصمة أم من الأفضل أن تكون في الجنوب بالقرب من الموارد الطبيعية؟". وتحدّث العناني عن صعوبة تشكيل الحكومة الجديدة، حيث سيضطر رئيس الوزراء المكلّف إلى التشاور مع الكتل البرلمانية المختلفة بناء على التكليف السامي. وأضاف أن هذا قد يفتح بوابات كثيرة حول الرغبة بالمشاركة في الحكومة أم لا وهل هناك أسماء محددة، وإن كانوا سيتقيدون بالفصل بين النيابة والوزارة والأمور الكثيرة. ويجب أن تحدّد الحكومة موقفها من كل هذه التساؤلات، وأن تضع بالمقابل الأطر التي تتعامل فيها في اختيار الفريق الوزاري، والتي حدّدها الملك والمرتكزة على الكفاءة والأهلية. وتوقّع العناني أن يكون تشكيل الحكومة المقبلة أصعب من سابقاتها، وأن تشكّل سابقة في تاريخ الحكومات. وشدّد على أن إدارة النتائج في الحكومة أصبحت عملية ضرورية جداً، حيث لم يعد هناك وقت ليضيع. عجز اقتصادي وصلت نسبة الدين العام في الأردن إلى 115% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مقلقة تزيد من الضغوط على الموازنة العامة للدولة. ومن هنا، أوضح العناني أنه يجب التعامل مع محددين اثنين، الأول هو أن عجز الموازنة والدين العام كبيران. وتساءل "هل تستطيع الحكومة أن تتوسع في الإنفاق الاستثماري والمشاركة في مزيد من المشاريع دون أن تتكبد مزيدا من الإنفاق وهل هذا المال متوفّر أم لا؟".وفي النقطة الثانية، قال العناني إنها تختص بقضية إصلاح الكثير من الشركات المتعثرة في الأردن، مبينا أن هنالك نحو 40% من الشركات المدرجة في سوق عمّان المالي متعثّرة وبحاجة للإصلاح، وأسهمها تُباع بأقل بكثير من قيمتها الاسمية. وتوقّع العناني أن المرحلة المقبلة تتطلب جهودا من مختلف الأطراف ذات العلاقة، بدءا من الفريق الوزاري وصولا إلى مجلس الأعيان ومجلس النواب ومؤسسات المجتمع المدني. اختبار للحكومة والبرلمان من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الدكتور بدر الماضي، أن كتاب التكليف السامي جاء شاملاً مشخّصاً للحالة الأردنية واحتياجاتها من قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية مما سيشكل اختبارا حقيقيا ليس للحكومة فقط وإنما للبرلمان الجديد من حيث الجدية والاهتمام في عكس ما جاء في كتاب التكليف على سياسات وإجراءات حقيقية يلمسها المواطن الأردني. وأضاف الماضي في حديثه لمنصة "المشهد" أن هناك رهانا كبيرا على الخلفية الاقتصادية والخبرة السياسية التي يملكها الرئيس المكلّف في التقاط الرسالة الملكية وفي تنفيذ الأجندة الوطنية التي عبّر عنها العاهل الأردني، وهذا أيضا يمكن من خلال الفريق الوزاري الذي سيختاره رئيس الوزراء. وتابع "على الحكومة الجديدة أن تبحث في حلول حقيقية فيما يخص العملية التنموية الشاملة بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية"، مبينا أنه "لم يعد الانتظار ممكنا من دون استنباط حلول إبداعية خصوصا في المجال الاقتصادي بأبعاده المهمة الزراعية والصناعية والتجارية". ولدى الحكومة بحسب الماضي، تحديات لا تقل عن التحدي الاقتصادي خصوصا فيما يتعلق بمسألة النقل التي باتت تقلق الأردنيين يضاف لها مسألة الطاقة والمياه وتحديات الناقل الوطني. وأشار إلى أن الكلّ يعلم أن مجلس النواب مهمته الأساسية هي الرقابة والتشريع، "لكن أيضاً نأمل أن يقوم هذا المجلس بدور أكبر ويصبح شريكاً في اقتراح الحلول من خلال الطاقات التي يملكها الأعضاء الجدد في المجلس". تشاركية في القرارات شدد الماضي على أنه من المفترض أن الحكومة ستتعرض إلى رقابة صارمة في أدائها من قبل الكتل الفائزة في الانتخابات الأخيرة وخصوصا من الأحزاب التي "أخذت على عاتقها أنها تمثل الوجع الأردني والحاجة الأردنية لتغير الواقع الذي لم يعد مقبولاً عند الشريحة الأوسع من الشعب". واعتبر أنه يرى أن العلاقة بين المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة يجب أن تسلك المسلك التشاركي لا التناقضي في القضايا الوطنية الحساسة، والمهمة من أجل إنجاح التجربة الديمقراطية الأردنية، وإعمال الفكر في تطوير سياسات تنموية حقيقية للنهوض بالدولة الأردنية.(المشهد - عمّان)