يتزايد الاهتمام الإقليميّ والدوليّ بشكل وطبيعة العلاقة بين أنقرة وحركة "حماس"، مع تصاعد وتيرة التصريحات من الجانب القطريّ المستاء من الضغوط الأميركية - الإسرائيلية على الدوحة، نتيجة فشل المفاوضات بين تل أبيب و"حماس" من جهة، وتشدد الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان في مواقفه ضد الحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى.اتّسم الموقف التركيّ من الحرب الإسرائيلية على غزّة، بالتذبذب في إشارة إلى تخبّط سياسيّ بدأ مع إعلان أنقرة تنديدها بقتل المدنيّين في اليوم الأول من هجوم 7 أكتوبر الماضي، بالتزامن مع مطالبة شخصيات قيادية من الحركة بمغادرة تركيا، وصولًا إلى إنشاء سياسة داخلية قائمة على مهاجمة الحكومة الإسرائيلية ورئيسها اليوم.علاج مسلّحي "حماس" في تركيا "زلّة لسان" أثار الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان الجدل مجددًا في تصريح خلال المؤتمر الصحفيّ المشترك مع رئيس الوزراء اليونانيّ كيرياكوس ميتشوتاكيس، حينما عبّر عن رفضه تسميّة ضيفه "حماس" منظمة إرهابية، قائلًا "لا نعتبر "حماس" منظمة إرهابيّة، أكثر من 1000 من أفرادها يتلقّون العلاج في مستشفيات في أنحاء بلادنا". تصريح إردوغان الأخير جاء بعد أيام من وصفه لرئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتانياهو "بإثارة غيرة هتلر بأساليب الإبادة الجماعية التي يُمارسها". لكنّ اللافت في تصريح إردوغان الأخير حول إيواء مقاتلي "حماس"، هو توقيته الذي جاء بعد ساعات من نشر صحيفة "تايمز" تقريرًا حول خطة "حماس" لإنشاء قاعدة سريّة في تركيا وخلايا مسلّحة في أماكن أخرى، لتنسيق الهجمات ضد أهداف إسرائيلية في البلدان المجاورة، والدول الأعضاء في الناتو، وفقًا لوثيقة مطبوعة بعنوان "تأسيس قاعدة في تركيا"، استولى عليها الجيش الإسرائيليّ في منزل حمزة أبو شنب، مساعد زعيم "حماس" في غزّة يحيى السنوار. وبعد تصريح إردوغان المثير للجدل، سارع مسؤول تركيّ لنفي ما جاء على لسان الرئيس التركيّ لـ"رويترز"، موضّحًا أنّ إردوغان كان يقصد الفلسطينيّين في غزّة التي تديرها "حماس" بشكل عام، وليس أفراد "حماس". وعلى الرغم من عدم صدور تعليق رسميّ من قبل السلطات التركية حول تقرير "التايمز"، إلا أنّ المحلّلين الأتراك يستبعدون بالمطلق إمكانية سماح أنقرة لمثل هذه الخطوة، وسط اعتقادهم بأنّ الوثيقة، في حال صحّتها، لا تعدو كونها أكثر من اقتراح من قبل أحد المسؤولين العسكريّين، في خضم الحصار المفروض على غزّة، وحالة التشتت في المشهد "الحمساوي" منذ بداية الحرب.يقول الصحفيّ التركيّ حسن سيفري في تصريحات إلى منصّة "المشهد"، إنّ "احتمالية فتح معسكرات أو قواعد عسكرية لـ"حماس" في تركيا معدومة، يجب ألّا ننسى أننا نتحدّث عن دولة أطلسية، بل القوة العسكرية الثانية في الحلف، وتحتضن أكبر قاعدة عسكرية للحلف في المنطقة وأكبر قاعدة رادار أيضًا". ويشرح سيفري:لا الدولة التركية ولا حكومة العدالة والتنمية، يمكن أن تتحرك خارج الخط العام للناتو، وعلينا أن نتذكر أنّ أحد مهام الناتو، هو حماية أمن إسرائيل في المنطقة، وحتى وإن لم تكن إسرائيل دولة أطلسية، إلا أنها عضو في مجلس الحلف لغير الأعضاء، وقد اكتسبت عضويّتها بعد عام 2010 بموافقة أنقرة، التي كانت في خصومة مع تل أبيب بسبب حادثة سفينة مرمرة الزرقاء.تركيا الدولة الإسلامية والإقليمية الأولى التي اعترفت بإسرائيل بعد تأسيسها مباشرة، وهذه السياسة متجذّرة في الدولة التركية بغضّ النظر عن ماهية الحكومات المتعاقبة.الدعم التركيّ لـ"حماس" لن يتجاوز الناحية الخطابية وبعض المساعدات اللوجستية، ويستحيل أن تنخرط أنقرة في أيّ شكل من أشكال الدعم العسكريّ للحركة.لعب تركيا دور الوسيط تزامنا، أحيت التقارير التي تحدّثت عن ضغط أميركي - إسرائيلي على قطر لطرد قادة "حماس" من البلاد، سيناريوهات تحوّل تركيا إلى وجهة جديدة لـ"حماس"، الأمر الذي ترحب به تركيا كونه يفتح المجال أمامها للعب أدوار سياسية طموحة على المستويَين الإقليميّ والعالمي، وخصوصًا لجهة لعب دول الوساطة، وهو الأمر الذي اقترحته أنقرة منذ بداية الحرب، لكنّ اقتراحها لم يلقَ تجاوبًا من قبل الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في مسار الوساطة بين الطرفين، في ظل وجود الوسيط القطريّ التقليديّ لصراعات الشرق الأوسط، خصوصًا بما يخص "حماس". وضمن هذا السياق، أرجع البعض تصريحات الرئيس التركي حول علاج أفراد "حماس" في مستشفيات تركيا، إلى سعي إردوغان إلى إظهار نفوذ أنقرة على الحركة، بما يؤهلها للعب دور الوسيط، كبديل عن قطر، التي تبدو مستاءة من الدور الذي طُلب منها أداؤه غربيًا قبل عقود. وخلافًا للموقف المتشدد ضد "حماس" في بداية الحرب، فقد قامت أنقرة منذ بداية العام الحالي، باتّخاذ خطوات داعمة للحركة، من منح جوازات سفر قانونية وسارية لأعضائها، والسماح للمبعدين بالعودة إلى تركيا، وذلك قبل قيام رئيس المكتب السياسيّ لـ"حماس"، إسماعيل هنيّة، بزيارة تركيا ولقاء الرئيس إردوغان. ويشرح الصحفيّ التركيّ ألبتيكين دورسون أوغلو في تصريحات إلى منصّة "المشهد"، أنّ "التحوّل في الموقف التركيّ مردّه الضغوط الشعبية في الداخل على الحكومة، والتي أجبرت الحكومة على رفع سقف التصريحات الرسمية، واتّخاذ بعض الخطوات الإيجابية بحق "حماس" والمتشددة بحق تل أبيب". ووفق دورسون أوغلو، وهو رئيس تحرير وكالة أنباء "أخبار الشرق الأدنى" التركية فإنّ "الحكومة التركية بحاجة إلى استثمار أيّ موقف داعم لـ"حماس" داخليًا، وتقرير التايمز يُعتبر مادة دسمة لوسائل الإعلام التابعة للحكومة أو المقرّبة منها، للحديث عن دعم إردوغان للحركة، في محاولة لمحو الصورة السلبية التي تشكّلت لدى الجمهور التركيّ إزاء مواصلة أنقرة لعلاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، بعد أشهر من اندلاع الحرب في غزة". ودفعت الخسارة القاسية التي مُني بها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلّية الأخيرة بالرئيس التركي، إلى الإعلان عن حظر التعامل التجاريّ مع إسرائيل، بعد أكثر من 7 أشهر على حرب غزة، وذلك نتيجة تصاعد الأصوات من داخل كتلته الانتخابية التي عاقبت الحكومة التركية بالتصويت لحزب "الرفاه مجددًا" الإسلامي، ببرنامجه المناهض للتطبيع مع تل أبيب. ويعتقد سيفري أنّ "هدف إردوغان من التقرّب من "حماس"، بالإضافة إلى تحسين صورته في الداخل، هو أداء أدوار محايدة شبيهة بتلك التي قامت بها أنقرة في الحرب الروسية - الأوكرانية، والحصول على نتائج ومكاسب سياسية واقتصادية من كلا الطرفين". ويشدد سيفري على أنّ "الانتقادات التركية تطال الحكومة الإسرائيلية ونتانياهو شخصيًا، في إشارة إلى أنّ مشكلة تل أبيب ليست مع إسرائيل، وإنما مع حكّامها الحاليّين، وذلك لعلم أنقرة بأنها لن تتمكن من الخروج من أزمتها الاقتصادية من دون المساهمة المالية والاستثمارية الغربية، وهذه الجهات مقرّبة من إسرائيل ولتل أبيب نفوذ كبير عليها".مخاوف من توطين الفلسطينيّين وعلى عكس التصريحات الرسمية، تتّخذ المعارضة التركية مواقف أكثر مرونة من الحرب الإسرائيلية في غزة، مشددة على إبقاء مسافة بينها وبين "حماس" المصنّفة كمنظمة إرهابية من قبل الدول الغربية. قبل أسابيع ندد رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الشخصية السياسية الأبرز في حزب الشعب الجمهوريّ المعارض، والمتصدّر للانتخابات المحلية الأخيرة، خلال لقاء مع قناة "سي إن إن" التركية، "بالهجوم الإرهابي" الذي شنّته "حماس" في 7 أكتوبر، والمجازر الإسرائيلية التي أعقبتها، داعيًا إلى حل سياسيّ للصراع الإسرائيليّ - الفلسطيني. وتخشى المعارضة من أن تؤدي المواقف الكلامية للرئيس التركيّ إلى عودة مرحلة العزلة السياسية التي عانتها أنقرة نتيجة السياسات الخارجية التصعيدية مع الدولة الإقليمية، وانخراطها في مشاريع إقليمية خاسرة سياسيًا واقتصاديًا. لكن مع التقارير التي تحدّثت عن عودة "حماس" إلى تركيا، وتنشيط مكاتبها، ارتفعت الأصوات التركية، خصوصًا من داخل المعارضة، التي حذّرت من توجّه الحكومة نحو القبول بمشاريع لتوطين جزء من المهجّرين الغزّاويين ضمن صفقة مقابل مكاسب مادية، أخذًا بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية المدمّرة التي تعيشها البلاد. وقد جاءت تصريحات إردوغان بالأمس حول وجود 1000 مسلح من "حماس" في المشافي التركية، لتعزز من هذه المخاوف، استنادًا إلى التجربة السورية التي بدأت بفتح المشافي أمام مسلّحي المعارضة السورية، وانتهت بإيواء تركيا لنحو 4 ملايين لاجئ سوري، وفق الأرقام الرسمية و5 ملايين وفق إحصاءات المعارضة. ولم يُسهم اعتبار المسؤول التركيّ التصريح "زلّة لسان" من قبل الرئيس التركي، والذي يبدو أنّ أحد أهداف نفيه كان لتهدئة الداخل بعد منشورات النشطاء الأتراك على موقع "إكس"، المحذرين من تكرار السيناريو السوري، في تهدئة مخاوف هؤلاء، ما يشير إلى إمكانية تصاعد الأصوات المحذّرة من مشاريع التوطين في الأيام المقبلة في تركيا. (المشهد)