تشهد العلاقة بين باريس والرّباط، حالة من "المدّ والجزر" بعد فترة لم تكن قصيرة من البعد والجفاء.في خطوة إيجابيّة ضمن مسار "كسر الفتور" بين الطرفين، لبّى وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان دعوة من نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت إلى المغرب، يومي الأحد والإثنين. وتهدف زيارة بشكل رئيس إلى "تعميق" التعاون بين البلدين في المجال الأمني "في سياق دولي من عدم الاستقرار".جهود حثيثة لعَودة العلاقات إلى طبيعتهاوللإضاءة على أهميّة هذه الزّيارة وأبعادها، وتوقيتها، خصوصاً أنها أتت بعد زيارة سبقتها لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، رأى المحلّل السّياسي علاء بونجار المقيم في باريس، في حديث لمنصّة "المشهد"، أن "زيارة وزير الدّاخليّة الفرنسيّ جيرالد دارمانان، تأتي في إطار خريطة المصالحة، وعَودة العلاقات إلى طبيعتها بين باريس والرّباط، التي كانت قد بدأت قبل أشهر على مهل، بعد فترة من الجمود وسنة دبلوماسيّة بامتياز، إذ شهد عام 2023 توتّراً كبيراً بين المملكة المغربيّة وفرنسا لأسباب عدّة". وأشار إلى أن "زيارة دارمانان سبقتها زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، بالإضافة إلى زيارة وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرانك ريستر، الذي أعلن عن مشاريع مشتركة بين باريس والرّباط، ما أعطى مؤشراً نوعاً ما على حسن النيّات، وفتح صفحة جديدة من جانب فرنسا مع دولة المغرب. خصوصاً في ما يتعلّق بملفّ الصحراء والتي تُعتبر مسألة سياديّة مهمة بالنسبة للمغرب". خطوات إيجابيّة من الطّرفينورجّح بونجّار أنّه "خلال نهاية الشهر الحالي، من المفترض أن تكون هناك زيارة لوزير الاقتصاد الفرنسيّ برونو لومير، وأخرى لوزيرة الثقافة الفرنسيّة رشيدة داتي المعروف أنّها من أصول مغربيّة. ما يعني أن هناك خطوات إيجابيّة فرنسيّة من جهة ومغربيّة من جهة أخرى".وفي هذا الإطار، ذكّر بونجّار، بزيارة وزير الخارجية المغربيّ ناصر بوريطة إلى باريس، واعتماد سفيرة المغرب لدى فرنسا السيدة سميرة سيطايل رسميّا. ما يؤكّد أن هناك خطوات عدّة توحي أن العلاقة الفرنسية المغربيّة في طور العودة إلى طبيعتها كما كانت في السابق.أسباب تدهور العلاقات بين البلدينوعن الأسباب الرّئيسة لتدهور العلاقات بين البلدين، قال إنها أتت نتيجة:● تقليص عدد التّأشيرات التي تمنحها فرنسا للمواطنين الأفارقة والمواطنين في الدّول العربية والمغاربيّة. ● قضيّة حقوق الإنسان التي ندّد بها البرلمان الأوروبي. ● ظهور الأزمة إلى العلن بعد رفض المملكة المغربيّة المساعدة الفرنسيّة عندما تعرضت منطقة الحوز قرب مراكش لزلزال عنيف.وتابع: "هناك عدم وضوح في الرؤية الفرنسيّة في ما يخص ملفا مهمّا بالنسبة للمملكة المغربية وهو ملف الصحراء، فبعد محاولات من جانب بعض الدّول لفتح سفارات في منطقة الصّحراء، فرنسا كانت تتريّث وتنتظر، لكن إعلان وزارة التّجارة الخارجيّة عن أن فرنسا ستموّل وتنشئ الخطّ الكهربائي بين مدينة الدّاخلة والدّار البيضاء، أعطى مؤشراً واضحاً على أن فرنسا غيّرت نهجها ولكن الموقف بقيَ تابعاً لقرارات الأمم المتّحدة".وأضاف: "هناك نقطة أساسية أيضاً على قائمة المحادثات بين الطرفين، وهي البحث الأوروبي عن مناطق لاستقبال المهاجرين غير القانونيين على غرار ما حصل مع مصر وتونس، وقد تمّ الحديث عن مركز في المملكة المغربيّة، التي ما زالت متحفّظة وتريد أن تؤخَذ كلّ الأبعاد في هذا الملف، خصوصاً الإنسانية والحقوقية وأيضاً التّمويلية".وأكّد بونجّار أن "تلك الزيارات والخطوات تهدف إلى إعادة إعطاء الديناميكيّة وإحياء العلاقات المغربيّة-الفرنسيّة، وهي ليست سوى تمهيدات لزيارة قد يقوم بها الرئيس ماكرون للمملكة، ويبقى توقيت هذه الزّيارة وشكليّاتها رهناً بالمواقف الدبلوماسيّة خصوصاً بالنسبة لفرنسا".المغرب حليف إستراتيجيمن جهة أخرى، عد الباحث الأكاديمي والخبير الاقتصادي كميل الساري في حديث لمنصّة "المشهد" أن هناك حالة من "إعادة بوصلة السياسة الفرنسية بعد أن كان الرئيس ماكرون يركّز على الجزائر في توجهاته، خصوصا بعد زيارته الكبرى للجزائر وكلّ جهوده واهتماماته في هذا الإطار، إلاّ أن هذه الزيارات لم تؤد إلى تعزيز مصالح فرنسا بل على العكس، قامت الجزائر بتعزيز تحالفاتها واتجاهاتها نحو الصين، وذلك على حساب فرنسا".وشدد الساري على أن "مصالح فرنسا موجودة في الجزائر ولكن هناك نظرية تقول إن الحليف الإستراتيجي لفرنسا هو المغرب وهذا ما حضّ الرئيس ماكرون على التركيز على المغرب وأرسل سيجورنيه من قبل، ودارمانان أخيراً، لتعزيز السياسات وتفادي أو حلّ المشكلات الموجودة بينهما، من الزّاويتين الأمنيّة والسّياسيّة، وربما نشهد زيارات لوفود اقتصاديّة أيضا إلى المغرب في الفترة المقبلة".وفي سؤال عن خيار توقيت هذه الزيارة لدارمانان، لفت إلى أنها "تأتي في تتابع الزيارات الفرنسيّة، حيث بدأ بزيارة لوزير الخارجية الفرنسي، وأُرسل بعدها وزير الداخلية لأن الملف الأمني بين المغرب والجزائر أساسيّ وأهميته تكمن في استعادة المهاجرين غير الشرعيّين، والتعاون في مكافحة الإرهاب، إضافة إلى حلّ بعض القضايا الأمنيّة وتعزيز التحالفات بين البلدين. ولذلك لا يوجد أهميّة أو توقيت خاص الآن لكن هي تأتي تتابعيّاً لزيارات المسؤولين الفرنسيين بالإضافة إلى أن فرنسا لديها حدث استثنائي قريبا في مسألة أولمبياد باريس 2024 وهناك إمكان لتعزيز التحالفات الأمنيّة".(المشهد)