كان ما حدث هو صوت تنبيه قصير يعقبه انفجار صغير... هذا ما شهده لبنان مؤخرا من هجمات تطمس الحدود بين الحرب التقليدية والحرب الإلكترونية، حتى أصبح من الواضح في لحظة أن لا أحدا في مأمن من التهديد الجديد.هزت مئات الانفجارات المتزامنة لبنان مساء يوم الثلاثاء الماضي. الهدف كان عناصر "حزب الله" الذين كانوا مزودين بأجهزة الإخطار المعروفة باسم "بيجر"، والتي كانت تستخدمها الجماعة الشيعية المعادية لإسرائيل في لبنان لحماية نفسها من المراقبة باعتبار أنها أجهزة ذات تكنولوجيا قديمة - إلا أنها صارت رفقة هذه الأجهزة هدفا لهجوم بالغ التنسيق.مثل أفلام الخيال العلمي القاتمة - مشاهد الفوضى تعم لبنان بعد الانفجاراتذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" استنادا إلى مسؤولين حكوميين أن عملاء إسرائيليين اعترضوا قبل هذا الهجوم الأجهزة وزودوها بكميات صغيرة من المتفجرات بالإضافة إلى شفرة يمكن من خلالها تفجير هذه الأجهزة.وعمت مشاهد الفوضى جميع أنحاء لبنان، وكانت المستشفيات في النظام الصحي المتعثر بالفعل مكتظة تماما. كما أصيب العديد من المارة. وبعد يوم واحد فقط، انفجرت العديد من الأجهزة مرة أخرى، وهذه المرة أجهزة اتصال لاسلكية.وفي أحد التحليلات وصف باحثان من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية العملية الإسرائيلية المزعومة بأنها "ضربة مهينة" و"فشل فادح لـ (حزب الله) في مجال الأمن العملياتي"، مشيرين إلى أن هذا الهجوم لم يكن هجوما سيبرانيا كلاسيكيا، الذي يمكن التدليل عليه بأمثلة أخرى."ستوكسنت" أول سلاح سيبراني في العالمربما لا تزال الحالة الأكثر شهرة لهجوم سيبراني على بنية تحتية صناعية هي فيروس "ستوكسنت" (Stuxnet) الذي تم اكتشافه في عام 2010، والذي كان مسؤولا عن تخريب منشآت تخصيب اليورانيوم في إيران. واستهدف فيروس الكمبيوتر المتطور أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم وتسبب في تدميرها ماديا. ويعتبر "ستوكسنت" أول سلاح إلكتروني معروف في العالم. وسرعان ما تم الاشتباه في أن الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية هي المسؤولة عن هذا الهجوم، وأكد ذلك لاحقا في تقارير إعلامية مسؤولون حكوميون لم تُذكَر أسماؤهم.ونتيجة لذلك، شددت إيران احتياطاتها الأمنية وسياستها السرية فيما يتعلق ببرنامجها النووي. وحتى بعد مرور سنوات على الحادث الذي أضر على وجه الخصوص بمجمع نطنز في وسط إيران، لا تزال حالة عدم الثقة مرتفعة. ولطالما كان البرنامج النووي الإيراني محط اهتمام بعد الاشتباه في أن البلاد تمتلك برنامجا سريا للأسلحة النووية. وتنفي القيادة السياسية والدينية في طهران ذلك، وتؤكد أن التكنولوجيا النووية تستخدم فقط في الأغراض المدنية.صراع الظل بين إيران وإسرائيلومنذ الثورة في إيران عام 1979 تُعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل عدوين لدودين للنظام في طهران. وباندلاع حرب غزة قبل عام تقريبا زادت مخاطر تطور صراع الظل إلى حريق هائل. وفي أبريل الماضي أطلق الحرس الثوري الإيراني - النخبة العسكرية في إيران - مئات الطائرات المسيرة والصواريخ على إسرائيل في هجوم غير مسبوق انتقاما لمقتل جنرال رفيع المستوى.ولسنوات يشعر ساسة إسرائيليون بقلق بشأن اللهجة التهديدية الصادرة عن القيادة الإيرانية، التي تنكر على الدولة اليهودية الحق في الوجود. وقبل وقت قصير من هجوم "حماس"، أكد المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، تهديدات قديمة ضد إسرائيل ووصف الدولة بأنها ورم سرطاني.كما هاجم قراصنة لهم علاقات بالحكومة الإيرانية أو جماعات معادية لإسرائيل أهدافا في إسرائيل. ووفقا لتقرير سنوي صادر عن مديرية الأمن السيبراني الوطنية الإسرائيلية، فإن عدد الهجمات زاد لأكثر من الضعف في الأشهر التي تلت اندلاع حرب غزة، وطالت أهدافا في مجموعة واسعة من المجالات، مثل هيئات حكومية أو مستشفيات أو كاميرات مراقبة. وبحسب التقرير، تم تصنيف 800 حادثة على أنها تنطوي على "احتمال ضرر كبير".تتعرض أيضا البنية التحتية الإيرانية بانتظام لهجمات سيبرانية غامضة. وعمت الفوضى عندما تعطلت محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد فجأة في أحد أيام ديسمبر الباردة من العام الماضي. ويملأ الإيرانيون خزانات سياراتهم بنظام خاص من البطاقات المدفوعة مسبقا، وكانت هذه الشبكة على وجه التحديد هدفا للهجوم السيبراني وكشفت عن ضعف في البنية التحتية لم يتم رصده من قبل.وتضرر من الهجوم نحو ثلثي محطات الوقود على مستوى إيران، وسرعان ما ألقت الحكومة الإيرانية باللوم في ذلك على عدوتها اللدودة إسرائيل. وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلية، أعلنت مجموعة قرصنة تطلق على نفسها اسم "العصفور المفترس" مسؤوليتها عن الهجوم. ويُشتبه في أن المجموعة نفذت هجمات سيبرانية على صناعة الصلب الإيرانية في الماضي.(د ب أ)