يفتتح أهالي قطاع غزة عاماً جديداً، وما زالت الحرب الإسرائيلية المستعرة مستمرة ولم تخمد لليوم 453 توالياً، حولت حياتهم إلى جحيم لايطاق، ويخنقهم الحصار ويتربص بهم الموت من كل اتجاه، راح ضحية الحرب زهاء 45 ألف ضحية، وأكثر من 107 آلاف جريح، معظمهم من الأطفال والنساء، وطال الخراب والدمار كل مناحي الحياة.وتتشابه تطلعات أبناء قطاع غزة، وتتمحور حول وقف الحرب والمجاعة والنزوح، وانطلاق مشاريع الإعمار والإغاثة، وفي الوقت ذاته يستقبلون العام 2025 بمزيج من مرارة الفقدان، والألم والحرمان، وسط ظروف معيشية قاسية يكابدها قرابة 2 مليون نازح في عموم القطاع بخيام مهترئة لا تصلح للعيش الآدمي، أضحوا يموتون بالقصف تارة، وطوراً بالجوع والبرد، في ظل شح الغذاء، ونقص الوقود والخدمات الصحية والمعيشة. وبدلت أحوال وأهوال الحرب عادات أهالي قطاع غزة، فالمحلات التجارية والمطاعم وأماكن التنزه كانت تحرص على تزيين واجهاتها بأرقام العام الجديد، إلا أن الحرب الإسرائيلية تحول دون ذلك، فالدمار طال كافة المباني والمنشآت، ولم يعد هناك أماكن ترفيه ولا مطاعم ولا محال تجارية، فالقطاع عاد لأكثر من 50 عاماً للوراء.طموحات الغزيّين بالعام الجديد "وقف الحرب، وانتهاء المعاناة"، عبارة تحمل في ثناياها رغبة جامحة يتوق إليها سكان قطاع غزة مع قدوم العام الجديد، ليعودوا إلى منازلهم لتعميرها وينعموا بالاستقرار، والسلام، والحياة الكريمة. وعبروا لمنصة "المشهد"، أنهم يأملون بعام أفضل مما سبق، فمعاناتهم بلغت كافة الأصعدة، وأضحى البحث عن الأمان ولقمة العيش الشغل الشاغل للأهالي والنازحين. "نستحق أن نعيش كباقي شعوب الأرض من دون حرب وقتل يومي" يقول مهند العالول (47) عاماً لمنصة "المشهد" الذي يعاني من مرض السرطان ويسعى للسفر للخارج بهدف العلاج الذي لم يعد متوفراً في مستشفيات غزة، مشيراً "الحق في العلاج من الحقوق الإنسانية والمسلمات الأساسية في أنحاء العالم، إلا في غزة أضحت ضرباً من الخيال، فلا يمكن لأحد أن يستوعب بأنّنا نحرم من العلاج والحصول على شربة ماء، ورغيف خبر، وماء صالح للشرب، بل ننزح من مكان إلى آخر والقتل يتربص بنا وبأطفالنا، لكن رغم ذلك نريد أن تقف الحرب ونعود لحياتنا وأشغالنا". وعلى الرغم من الأحداث الدامية التي يعيشها سكان غزة، وفقدانهم أفراد أسرهم وأقاربهم وأحبتهم، بالتوازي مع خسائرهم الاقتصادية الفادحة، يتمنوا أن تنتهي الحرب، وتتوقف المجازر. فالشاب الثلاثينيّ أدهم الحسني الذي فقد زوجته وطفلتيه في أول أيام الحرب، وعدداً كبيراً من عائلته، وكذلك مصلحته التجارية، يعبر لمنصة "المشهد" عن أمنياته البسيطة بإعادة إعمار قطاع غزة وتعويض المتضررين من الحرب، "فنحن سنبدأ من الصفر في بناء بيوتنا وأشغالنا وأعمالنا، لكن قبل كل ذلك نريد لهذه الحرب التي سلبت منا أعز ما نملك، أن تتوقف نهائياً، ويعم السلام والأمن على الكبار والصغار، أسوة بباقي البشر".أمنيات رغم تدهور الأوضاع يرفع الأهالي دعواتهم وصلواتهم إلى السماء، من أجل أن "تتوقف الحرب، وإزاحة الغمة عنهم"، فمن داخل خيمة النزوح في مواصي خان يونس المهددة بالغرق جراء السيول والأمطار، تتمنى ياسمين رضوان (38) عاماً، وهي أم لـ5 أطفال أن تنتهي الحرب ويعم السلام على قطاع غزة والعالم. وتقول رضوان لمنصة "المشهد" ويغلبها التعب والإرهاق "لا نريد لأي شعب آخر أن يتألم كما تألمنا، فالظروف اليومية التي نعيشها، بتفاصيلها يصعب على البشر تحملها، كان فصل الصيف عصيباً، والآن حل الشتاء وزادت المعاناة، لكن نأمل من الله أن تتغير الأحوال نحو الأفضل، أن تنتهي المآسي ويختفي الشقاء من حولنا، والأهم بالنسبة لنا جميعاً خاصة من في الخيام، أن تتوقف الحرب والقصف الذي يرعب أطفالنا، نريد العيش بلا قتل ودمار وفقدان". ولم تكن هذه الآمال والطموحات بعيدة عن أطفال قطاع غزة، الذين تنحصر أحلامهم في توقف الحرب، وعودتهم لمدارسهم وبيوتهم، واللعب دون خوف أو قتل، بعد أن أصيبوا بصدمات نفسية ستلازمهم طويلاً. يأمل الطفل عدي الأعوج (13) عاماً، النازح مع أسرته في مواصي رفح، أن يعيش حياة هادئة بلا حرب مثل بقية أطفال العالم، قائلاً لمنصة "المشهد" أمنيتي "أن أعود إلى غرفتي وبيتي ومدرستي، وأمارس حياتي الطبيعية بلا حرب وقصف وخوف، فنحن ننام معظم الأيام بالجوع والعطش والبرد". أما الطفلة النازحة سيلين الخولي (15) عامًا في مركز إيواء وسط قطاع غزة، فقد شكت لمنصة "المشهد" الظروف القاسية التي تعيشها وأسرتها في مركز الإيواء، وقد نزحوا مرات عدة وتعرضوا لخطر الموت بفعل القصف الشديد، اختصرت أمنياتها قائلة "لا نريد "أن نسمع صوت مدافع وصواريخ، آن للحرب أن تنتهي، ونتمتع بالسكينة، والتعليم والغذاء والأمان".مبادرة "هنعمرها" رفعت بلدية غزة شعار "هنعمرها تاني" للعام 2025، لابتعاث الحياة ومحاولة الخروج من تحت الدمار ونفض الركام، رغم حمم الحرب، والنقص التام في كافة المستلزمات والاحتياجات. وفي هذا الصدد أكد المتحدث باسم بلدية غزة عاصم النبيه لمنصة "المشهد" أنه "في ظل الصعوبات الواقعة علينا، والآثار الجسيمة جراء استمرار الحرب على عموم قطاع غزة، تأتي هذه المبادرة المهمة في بداية العام الجديد، رغم تعطل معظم الآليات وخراب المعدات، لتقديم الخدمات والمساعدات للأهالي والنازحين، وللتخفيف من حدة تفاقم المعاناة الإنسانية بفعل دخول فصل الشتاء، حيث تسعى مبادرة البلدية لتقديم الخدمات الأساسية والإغاثية قدر الإمكان". وناشد النبيه عبر منصة "المشهد" المؤسسات الدولية والحقوقية "من أجل توفير الدعم اللازم لتخفيف معاناة أهالي القطاع، والسماح بدخول الاحتياجات الأساسية والإغاثية، والعمل على إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة جراء الحرب". (المشهد )