حذر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أمس الخميس من أن أذربيجان تخطط لشن "حرب واسعة النطاق" ضد أرمينيا، وذلك بعد يومين من مناوشات جديدة على الحدود المشتركة أسفرت عن مقتل 4 جنود أرمينيين وفق التصريحات الرسمية ليريفان. تبادلت أرمينيا وأذربيجان يوم الثلاثاء المسؤولية عن تصاعد التوتر بينهما، في إشارة جديدة إلى احتمال تجدد أحد أقدم الصراعات في منطقة القوقاز، وسط ترقّب طهران المتخوّفة من نتائج الصدام المحتمل على أمنها القومي وعلاقاتها الإقليمية.التوتر مع أرمينيا سياسة داخلية لعلييفيجدد التطور الأخير احتمالات عودة التوتّر في جنوب القوقاز بعد فترة هدوء استمرت قرابة 6 أشهر، بين الجارتين السوفياتيتين السابقتين: أرمينيا وأذربيجان، نظراً إلى التاريخ الطويل من النزاعات على الأراضي بينهما. شنّت أذربيجان حملة عسكرية خاطفة، العام الماضي، لاستكمال استعادة سيطرتها على منطقة ناغورنو كاراباخ، المتنازع عليها، والتي حكمها الانفصاليون الأرمن المدعومون من قبل أرمينيا لمدة ثلاثة عقود تحت اسم "جمهورية ارتساخ" المعلن استقلالها من طرف واحد. وكانت باكو قد نجحت في استعادة معظم أجزاء الإقليم والمناطق المحيطة بها في حرب استمرت 6 أسابيع في عام 2020، قبل هجومها الثاني في سبتمبر 2023، والذي انتهى سريعاً بإعلان القوات الأرمنية إلقاء السلاح، وأدّى إلى فرار أكثر من 100.000 من السكّان الأرمن باتّجاه أرمينيا خلال الأيام التالية تاركين مدنهم وقراهم في الإقليم شبه مهجورة. وخلال اجتماع لمجلس الوزراء قال رئيس الحكومة الأرمينية أمس الخميس "تظهر تحليلاتنا أن أذربيجان تريد شن عمل عسكري في بعض أجزاء الحدود مع احتمال تحويل التصعيد العسكري إلى حرب واسعة النطاق ضد أرمينيا". وأضاف باشينيان في كلمته لوزراء الحكومة "يمكن قراءة هذه النية في جميع تصريحات وتصرفات أذربيجان". وصفت الخارجية الأرمينية حادثة إطلاق النار في وقت مبكر من يوم الثلاثاء بـ"الاستفزاز" من قبل القوات الأذربيجانية التي أطلقت النار على القوات الأرمينية عبر الحدود في منطقة سيونيك الشرقية"، داعية باكو إلى "الامتناع عن الأعمال المزعزعة للاستقرار". في المقابل قالت دائرة حدود الدولة الأذربيجانية إنها "أطلقت النار على موقع أرميني ردّاً على القصف الأرمني لمواقع أذربيجانية في اليوم السابق، ما أدى إلى إصابة أحد أفراد الخدمة الأذربيجانية". التوتّر الأخير جاء بعد أسبوع من فوز الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الذي خلف والده في السلطة، بولاية رئاسية ثالثة بنسبة 92% من الأصوات في انتخابات مبكرة افتقدت إلى منافسة حقيقية وسط مقاطعة المعارضة لها. ويخشى الأرمن من اعتبار باكو النتيجة المعلنة تفويضاً لعلييف للمضي قدماً في "تهديداتها لأمن أرمينيا وسيادتها الجغرافية والتشريعية". وفي هذا السياق، يستبعد الزميل المساعد في معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، يغيا طاشجيان، في حديثه إلى "المشهد"، إقدام أذربيجان على شنّ حرب واسعة ضد أرمينيا، "لكنها ستواصل الضغط العسكري النقطي في بعض المناطق الحدودية" حسب رأيه. ويشير طاشجيان إلى سياسات الرئيس الأذربيجاني "الساعية إلى استمرار التوتّر مع أرمينيا" كهدف سياسي شخصي، شارحاً أن "أي سلام مع أرمينيا سيهدد بتصاعد المطالب الداخلية للتوجّه نحو الديمقراطية كما حصل في الدول الأخرى في المنطقة، وبالتالي فإن استمرار التوترات يعني بالنسبة لعلييف استمرار بقائه في السلطة وتوريثها لابنه لاحقاً". بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، ظهر الرئيس الأذربيجاني في زيارة تفقّد للمسيّرات التي اقتنتها بلاده من تركيا، وإلى جانبه نجله للمرة الأولى، في مشهد فسّرت من قبل المحللين كتأكيد على التقارير الإعلامية التي تحدّثت عن نيّته تسليم رئاسة البلاد لابنه من بعده، وذلك بعد أن قام بتعيين زوجته نائباً له. أرمينيا تعتبر مطالب باكو انتهاكا لسيادتهابعد استعادة باكو السيطرة على ناغورنو كارباخ تعهّدت أرمينيا وأذربيجان بالعمل على التوقيع على معاهدة سلام، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم ملحوظ في مسار العملية، وطالبت باكو يريفان مؤخّراً بإجراء تغييرات تشريعية، ما اعتبرته الأخيرة انتهاكاً لسيادتها. واشتكى باشينيان من أنه على الرغم من استعداده للتوصل إلى حل وسط، فإن القيادة الأذربيجانية تتبع "سياسة الإكراه العسكري" في محاولة لانتزاع المزيد من الأراضي الأرمينية وغيرها من التنازلات من يريفان. الأربعاء الماضي، أكّد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أنّه لن يوقع على معاهدة السلام التي ناقشها الجانبان "إذا لم تعيد أرمينيا تشريعاتها إلى وضعها الطبيعي" متّهماً التشريعات الأرمينية بأنها "تتضمن مطالبات إقليمية لأذربيجان". وقال علييف في 1 فبراير إن "أرمينيا يجب أن تزيل من دستورها الإشارة إلى إعلان استقلالها عام 1990 والذي يشير بدوره إلى قانون الوحدة لعام 1989 الذي تبنته الهيئات التشريعية لأرمينيا السوفياتية ومنطقة ناغورنو كاراباخ المتمتعة بالحكم الذاتي آنذاك". ردّ باشينيان يوم الخميس بأنه خلال محادثات السلام والمراسلات المكتوبة مع علييف العام الماضي، اتّفق الجانبان على التأكيد على "عدم إمكانية رجوع أي طرف إلى قوانين بلاده الخاصة لرفض الامتثال لأي أحكام في معاهدة السلام"، مضيفاً "لذلك لا توجد أحكام قانونية في أرمينيا تمنع تنفيذ معاهدة السلام".ممر زانكيزور الحيوي والمخاوف الإيرانيةتصرّ باكو مدعومة من حليفتها أنقرة إنشاء "ممر زانكيزور" على الحدود الإيرانية-الأرمينية، لربط أذربيجان بتركيا عبر جمهورية ناخيتشيفان الأذربيجانية المتمتّعة بالحكم الذاتي، ما يمنح أذربيجان اتّصالا برّياً مع الجيب المستقل التابع لها، ويعزز تموضع أنقرة في قلب دول الاتحاد السوفياتي ذات السكان من جذور تركية. وتطالب باكو بإنشاء الممر المذكور عبر أراضي أرمينيا ووضعه تحت الإشراف التركي-الأذربيجاني، فيما تطالب موسكو التي تؤيد المشروع أيضاً، بأن تكون السيادة على الممر روسية، كطرف ضامن للسلام بين البلدين. وفي حين لا تعارض كل من يريفان وطهران إنشاء الممر، فإنهما يتّفقان على ضرورة أن يكون تحت السيادة الأرمينية، كونه يقع داخل حدود أرمينيا الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتّحدة. ويرى طاشجيان، الكاتب في عدد من الصحف ووسائل الإعلام الغربية أن "علييف سيواصل الضغط العسكري من أجل انتزاع السيادة على الممر المذكور"، مستبعداً أن تقوم روسيا "بوضع حد لهذه الانتهاكات، خاصة في ظل علاقاتها المتطورة مع تركيا ورغبتها هي الأخرى في إنشاء هذا الممر مع اختلاف الرؤية حول السيادة عليه". بالمقابل، توالت التصريحات الإيرانية الرافضة للسيطرة الأذربيجانية-التركية على الممر المذكور. خلال استقباله الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان على هامش اجتماعات آستانا في طهران عام 2022، أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي رفض طهران القاطع لأي صيغة تتضمن تنازلاً أرمينياً عن الممر قائلاً: "إن كان هناك مشروع لإغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية سترفض ذلك، لأن هذه الحدود هي طريق للتواصل منذ آلاف السنين". وهو الموقف الذي كرره الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الأرميني باشينيان مشدداً أن بلاده "لا تقبل أي تغيير في الجغرافيا السياسية للمنطقة". ويقول طاشجيان "انتزاع السيادة الأرمينية من الممر يعني إغلاق الحدود بين إيران وأرمينيا، وهذا يعني ازدياد النفوذ التركي في جنوب القوقاز من جهة، والأهم، تعثّر مشاريع الممرات التي تدعمها إيران، سواء ممر الجنوب والشمال الذي يربطها مع روسيا والبحر الأسود، أو ممر الشرق والغرب الذي يصل الصين والهند عبرها إلى تركيا فأوروبا". مضيفاً "إيران لا ترغب بتسليم سيادة الممرات الحيوية لتركيا، لأنها تعتقد بأن ذلك سيزيد من احتمالات استخدامها من قبل أنقرة كأداة ضغط ضد طهران". وبرأي طاشجيان فإن "الهند وإيران تصرّان على بقاء الطريق البرّي الذي يربط بلادهما بأوروبا تحت السيارة الأرمينية، مقابل مرور الخط الحديدي من الأراضي الأذربيجانية". من جهته، يشرح الخبير في القضايا السياسية الإيراني سعيد شاوردي في تصريحاته إلى "المشهد" أن "إيران لديها رؤية واضحة بالنسبة للصراع بين أرمينيا وأذربيجان وهي أن تحل جميع الخلافات عبر الحوار وعدم اللجوء إلى عسكرة الأمور وعدم السماح للدول الأخرى للتدخل في هذا الشأن سواء روسيا أو تركيا أو الناتو أو الدول الغربية". ويشير شاوردي المحاضر في كلية العلوم السياسية في طهران إلى أن "الدعم التركي والإسرائيلي لأذربيجان في حروبها ضد أرمينيا خلال السنوات الأخيرة أزعجت طهران طبعاً، لكنها في الوقت ذاته دعمت حق أذربيجان في استعادة إقليم ناغورنو كراباخ كونها أراضي أذربيجانية وفق القانون الدولي". مضيفاً "السياسة الإيرانية الحالية مبنية على السعي للوساطة بين الدولتين لحل الخلافات". ويؤكد شاوردي على الموقف الإيراني الرافض لانتزاع السيادة الأرمينية عن ممر زانكيزور قائلاً: "الحدود التاريخية ينبغي أن تبقى محترمة، وأي تغيير في الحدود في المنطقة سيشجّع الدول الأخرى على ممارسة الشيء ذاته ما يعني إدخال المنطقة في دوامة من حالة صراع ولا استقرار وهو ما ترفضه إيران التي تصر على ضرورة بقاء حدودها التاريخية مع أرمينيا على حالها". تنظر إيران إلى أرمينيا كممر لها باتجاه جورجيا والبحر الأسود وروسيا، كما أنها الدولة الوحيدة العضو في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي-الآسيوي التي لها حدود مع إيران. ويشرح شاوردي أن "إيران تحاول تأسيس ممر الجنوب-الشمال، والخطط الأذربيجانية تهدد المشروع المذكور والمشاريع الأخرى المرتبطة بالحزام والطريق الصيني".الوجود الإسرائيلي في أذربيجانفي نوفمبر 2023 نشر رئيس الوزراء الأرميني باشينيان عبر حسابه الرسمي على موقع "إكس" فيديو لمشروع أطلق عليه تسمية "تقاطعات السلام"، مظهراً رغبة أرمينيا في عقد سلام دائم مع جيرانها الأتراك في كل من تركيا وأذربيجان. ويظهر الفيديو خريطة من الطرق التجارية التي تربط الشرق بالغرب والجنوب بالشمال وتوصل بحار القزوين والأسود والمتوسط مع بعضها، حيث تقع أرمينيا في منتصفها.ولكن طاشجيان "ليس متأكداً" من لجوء إيران "الرافضة لممر زانكيزور بصيغته الأذربيجانية إلى القوّة في حال ضغط باكو على يريفان عسكرياً". يقول طاشجياً "إيران من خلال قصف باكستان بالصواريخ البالستية أرسلت رسالة غير مباشرة إلى باكو أيضاً، لكنني لست متأكداً من تلقّف الإدارة الأذربيجانية لهذه الرسالة". بالمقابل يؤكد شاوردي أن "إيران تسعى إلى السلام والحوار والابتعاد عن أي انواع من التوترات ونبذ الحروب، لكن في حال وجود خطر يهدد أمنها القومي فإنها لن تتوانى عن استخدام القوة". ويعتبر شاوردي "الخطر الأكبر من ممر زانكيزور على إيران هو وجود الموساد على حدودها بفعل التعاون العسكري والاقتصادي الواسع لباكو مع تل أبيب، وهذا الوجود يستهدف الأمن القومي الإيراني. إسرائيل تحاول الاقتراب من الحدود الإيرانية عبر أذريبجان وقد باتت قريبة من محافظات شمالية إيرانية وعاصمة القرار السياسي طهران". وبرأي شاوردي فإن "استمرار هذا الوضع قد يدفع طهران إلى استهداف مقرّات الموساد على الأراضي الأذربيجانية أيضاً كما حصل في أربيل". ويختم حديثه إلى "المشهد" بالقول "لكنني أتصوّر أن الحكومة الأذربيجانية تعرف هذا، لذا عليها التصرّف بحذر أكبر حيال الخطوط الحمراء الإيرانية".(المشهد)