في تطور غير مسبوق في الحرب غير المباشرة المستمرة بين إيران وإسرائيل، استهدفت الأخيرة مبنى القنصلية الإيرانية في حي المزة بالعاصمة السورية دمشق، ما أدى إلى تدمير المبنى بشكل شبه كامل، ومقتل عدد من القادة الإيرانيين في سوريا، أبرزهم القائد في فيلق القدس الإيراني محمد رضا زاهدي.يعد هذا الاستهداف أول خرق لقواعد الاشتباك السارية منذ فترة بين الطرفين كونه طال أرضاً إيرانية وفق ما تنص عليه المادة (3) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، التي تعتبر القنصليات والسفارات الدبلوماسية أراضي سيادية لدولها ضمن جغرافية الدولة المستضيفة.لم تتبن إسرائيل الهجوم، لكن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قال لوكالة "رويترز" إن "إسرائيل لا تعلق على التقارير الواردة في وسائل الإعلام الأجنبية"، في إشارة إلى اعتياد إسرائيل عدم التعليق على الهجمات التي تشنها ضد سوريا.جر إيران إلى الحرب وفي ظل تداعيات الحرب المرهقة لإسرائيل منذ 6 أشهر، والتي أثرت بشكل غير مسبوق على القدرة المؤسسيّة لها، تعمل إسرائيل كل ما بوسعها إلى إنقاذ نفسها، وإعادة "الهيبة" لمؤسستها العسكرية التي ظهرت بأنها ضعيفة، بعد عدم قدرتها على إيقاف هجوم 7 أكتوبر منذ لحظته الأولى. كل ذلك بالإضافة إلى الخسائر التي تتكبدها إسرائيل في الحرب، يدفع بنتانياهو ووزرائه إلى خطط وعمليات كثيرة سواء بالتلويح بشن عملية عسكرية في رفح، أو عبر الاغتيالات التي يتم تنفيذها بالخارج، أو عبر إطلاق تهديدات جادة وصلت إلى حدّ "تغيير وجه الشرق الأوسط". يعلق المحلل السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديث إلى منصة "المشهد" على ذلك بقوله: "إسرائيل تريد جر إيران إلى حرب، والأخيرة تعرف ذلك جيدا، لذلك فهي لا تردّ على الضربات الإسرائيلية ضمن ما يسمى بسياسة "الصبر الإستراتيجي" التي أطلقها المرشد الأعلى علي خامنئي". ويشير عبد الرحمن إلى أن "إيران لن تدخل في حرب مهما استهدفتها إسرائيل، وعلى الرغم من أهمية الشخصية التي تم اغتيالها (محمد رضا زاهدي) الذي كاد أن يكون نائبا لقاسم سليماني، إلّا أن إيران لن ترد". فيما يشرح الكاتب والباحث السياسي د.محمد نادر العمري لـ"المشهد" أن "استهداف زاهدي في القنصلية الإيرانية بدمشق هو الاستهداف الأكثر جرأة وكسرا للخطوط الحمراء، ويمكن القول إنه تعدى الخطوط الحمراء التي تجاوزتها الولايات المتحدة باغتيالها لقاسم سليماني".الانتقال إلى حرب مباشرة؟ تحافظ إيران وإسرائيل على قواعد اشتباك وطبيعة صراع منذ أعوام، في حين لم يرغب الجانبان بتحول حربهما بالوكالة وفي بلدان خارج حدودهما، إلى حرب مباشرة، وداخل حدودهما. لكن بعد هجوم 7 أكتوبر، قد تنظر إسرائيل على أن إيران خرقت هذه القواعد بضلوعها في دعم "حماس".لكن منذ هجوم 7 أكتوبر، أشار البعض إلى أن قواعد الاشتباك التي تعتمدها كل من إسرائيل وإيران قد تنهار في أي لحظة، وقد يتحول الصراع إلى حرب مباشرة، وذلك لأن الحدود التي كانت قائمة بين الطرفين تم تجاوزها بعد السابع من أكتوبر، لعل أبرزها بالنسبة لإسرائيل تهديد أمنها القومي. في هذا السياق يقول العمري إنه "قد نكون أمام تطور خطير في المنطقة، خصوصا أن إيران لن تبقى مكتوفة الأيدي، وذلك لأنه تم استهدافها بشكل مباشر، ولأنه تم استهداف عدد من القادة الإيرانيين المهمّين". وبحسب العمري قد تكون ضربة القنصلية لسببين:استجرار إيران إلى حرب في مسعى من نتانياهو لخلط الأوراق وتصدير الأزمة إلى الخارج، وجر الولايات المتحدة إلى القيام بعمل عسكري في المنطقة في حال ردت إيران على الاستهداف الأخير بشكل مباشر. سعي إسرائيل إلى استهداف القادة والضباط والمستشارين الذين كان لهم دور في دعم وتدريب الفصائل الفلسطينية. بعد بدء اغتيال الشخصيات الإيرانية في دمشق، تحدّثت تقارير إعلامية عن قيام الحرس الثوري بتقليص نشر كبار ضباطه في سوريا بسبب سلسلة الضربات الإسرائيلية، وتفادياً لوقوع المزيد من القتلى من صفوفه لكن يبدو أن هذه الإجراءات لم تنجح في تحقيق هدفها. من جهته، يشرح المحلل السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في تصريح إلى "المشهد" أن "سوريا وإيران لن تردا بشكل مباشر على هذا الاستهداف، إذ دائما ما تكرر إيران أن إسرائيل تريد جرها إلى حرب. أيضا شهدنا الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني (الشخصية الأهم) حيث كان عبر استهداف قاعدة عين الأسد الأميركية، وتم إخطار الولايات المتحدة قبل ذلك". وسوريا بالمثل، حيث دائما تقول إنها سترد بالزمان والمكان المناسبين، وفقا لعبد الرحمن، الذي يضيف قائلا "قد نشهد استهداف بعض المواقع الإسرائيلية على يد القوات التابعة لإيران في المنطقة، كذلك قد نشهد استهداف بعض السفارات الإسرائيلية في إفريقيا أو شرق آسيا أو أميركا اللاتينية".الموقف الأميركي كشف موقع "أكسيوس" الأميركي أن الولايات المتحدة "أبلغت إيران بأنه ليس لها أي دور أو علم مسبق" بالضربة التي طالت القنصلية الإيرانية في سوريا. كذلك أوضح متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي للموقع ذاته، أن الولايات المتحدة "لم يكن لها أي دور في الضربة ولم نكن على علم بها في وقت مبكر". ووفقا لـ"أكسيوس" فإن الرسالة النادرة تظهر أن "إدارة الرئيس جو بايدن، تشعر بقلق عميق من أن الضربة الإسرائيلية قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي، واستئناف الميليشيات الموالية لإيران هجماتها ضد القوات الأميركية". لكن على النقيض من ذلك يلفت عبد الرحمن إلى أن "إسرائيل استخدمت طائرات F- 35 الأميركية، وهي تعرف جيدا أن أميركا يهمها أمن إسرائيل، وشخصية مثل محمد رضا زاهدي لعبت دورا كبيرا في استهداف الأمن القومي الإسرائيلي، لذا أميركا لن تدين ما قامت به إسرائيل، وستعتبره دفاعا عن النفس". بدوره لا يعتقد العمري أن "حدثا كهذا أن يتم من دون التنسيق الإسرائيلي مع الولايات المتحدة، ورغم الخلاف المتنامي بين بايدن ونتانياهو على الصعيد الشخصي، إلّا أن التنسيق الأمني المؤسساتي قائم بقوة ما بين واشنطن وإسرائيل". ويضيف العمري "قد نشهد استهداف القواعد الأميركية في سوريا والعراق، أو استهداف العمق الإسرائيلي سواء في الأراضي الفلسطينية أو في الجولان، وهو ما استعدت له إسرائيل التي أعلنت مباشرة رفع حالة التأهب في الجولان". إيران تفقد قادة أساسيين بالنظر إلى النهج الذي تتبعه إسرائيل منذ بداية الحرب، يبدو أنها لن تقف عند استهداف زاهدي فقط، بل قد تستمر في مسلسل الاغتيالات القائم على استهداف كل من ساهم في هجوم 7 أكتوبر، خصوصا أن إسرائيل تتمتع بخبرة واسعة في تنفيذ حملات الاغتيالات بجميع أنحاء العالم، إذ نفذت أكثر من 2700 عملية من هذا النوع منذ الحرب العالمية الثانية. هذا وفقدت إيران خلال أشهر عددا كبيرا من القيادات المهمة لديها، والتي تلعب دورا فاعلا في المنطقة (سوريا، لبنان، العراق، اليمن). لعل أبرزهم: رضا موسوي. عبد الله آبادي هادي آبادي.س محمد رضا زاهدي. محمد هادي حاج رحيمي. حسين أمان اللهي. مهدي جلالتي. شهيد صدقات. علي بابائي. علي روزبهاني. وبرأي المحلل الإيراني عبد الرحمن فإن"اغتيال شخصيات مثل محمد رضا زاهدي سيكون له تأثير سلبي على إيران، الذي يلعب دورا أساسيا في الميدان، لكن ذلك لن يوقف إيران عن تحقيق أهدافها، إذ ستعين شخصيات أخرى بديلة، لكن الموضوع سيحتاج وقتا، خصوصا أن زاهدي له وجود أكبر من قائد فيلق القدس إسماعيل قآني في المنطقة، لذلك تعويض زاهدي ليس بالأمر السهل".(المشهد )