في ظل تشديد قوانين الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي وأزمة المهاجرين في أميركا، ومع تزايد أعداد قوارب الموت في البحر الأبيض المتوسط وصولا إلى ملايين النازحين جراء صراع السودان وحرب غزة، باتت هناك تساؤلات تُطرح حول مصير ملايين البشر في عام 2024.وعلى الرغم من الدعوات الدولية التي طالبت بضرورة التعاون بين جميع الجهات الدولية، للتعامل مع التحديات التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون، فإن القوانين المشددة وقوات حرس الحدود البري والبحري لن تكون قادرة على وقف هذه الظاهرة التي أصبحت تتطوّر عاما بعد عام.نزاعات إفريقيافي الأيام الأخيرة من عام 2023، توصل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن إصلاح واسع لنظام الهجرة واللجوء، تضمن مراقبة معزّزة لعمليات وفود المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي وإقامة مراكز مغلقة قرب الحدود لإعادة الذين تُرفض طلباتهم للجوء بالإضافة إلى إنشاء آلية تضامنية إلزامية بين البلدان الأعضاء لمساعدة الدول التي تواجه ضغوطا متزايدة. في السياق، قال الخبير في شؤون الهجرة واللاجئين بسام السويسي في حديثه لمنصة "المشهد" إن أزمة الهجرة في العالم في تصاعد كبير وهذا "ما نلاحظه مع زيادة الحروب في دول عدة، منها الدول الإفريقية في جنوب الصحراء والحروب الأهلية والمفتعلة من قبل الدول الأوروبية الذين يسعون إلى إيجاد بعض الأزمات والتحرّكات للاستيلاء على بعض الموارد والثروات الضرورية لإنتاج المواد الطاقية". وأكد أن المراقبين لفتوا في أكثر من مناسبة إلى أن دولا أوروبية عملت على افتعال نزاعات في دول إفريقية من أجل السيطرة على هذه الموارد الطبيعية الضرورية لصناعاتها واقتصاداتها. هناك أسباب بيئية أيضا، وفق السويسي الذي أشار إلى أن هناك دولا باتت تعيش تحت وطأة التغير المناخي وأصبح سكانها مُجبرين على مغادرتها كي يظفروا بحياة أفضل، على الرغم من أن اتفاقية جنيف لعام 1951 للجوء لا تعترف بحق اللجوء البيئي. وقال: "بتنا نشهد في حالات عدة وجود أشخاص يرحلون من بلدانهم من أجل التغيرات المناخية". ولفت السويسي إلى أن حلم الكثيرين في تحسين نوعية حياتهم، دفعهم إلى الهجرة بطريقة شرعية أو غير شرعية، خصوصا في دول شمال إفريقيا حيثما لا توجد الحروب وإنما أزمات اقتصادية.قوانين مقيّدة غير مفيدة ويوميا تُبحر مئات القوارب من جنوب البحر المتوسط إلى شماله، حلُما في مستقبل أفضل. أمام كل هذه الظروف، يرى السويسي أن القانون الدولي أصبح عاجزا عن أن يكون مطبّقا، وهو ما أثبتته الحرب في غزة مؤخرا، خصوصا وأن الكثيرين باتوا لا يؤمنون بالقانون الدولي أو بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان. وأضاف أن كل هذه المنظومة باتت محلّ انتقادات من قبل أطراف عدة وسط مراجعات كثيرة للوصول إلى حلول لتطبيق قواعد القانون الدولي على الجميع من دون استثناءات أو أي امتيازات لأي دولة دون أخرى مهما كانت قوتها أو موقفها. فيما قالت مديرة مركز تمكين لحقوق الإنسان في الأردن ليندا كلش إن ملف اللاجئين والمهاجرين حول العالم يعدّ ظاهرة مؤرقة للعالم الشمالي والغربي بشكل عام. وأكدت كلش في تصريحات لمنصة "المشهد" أن هذه الظاهرة باتت في وتيرة متصاعدة خلال الأعوام الأخيرة الماضية، بسبب عدم الاستقرار السياسي وزيادة الصراعات والحروب الداخلية والمشاكل الاقتصادية، وانعدام التنمية والضعف الاقتصادي في دول الجنوب. حلول بعيدة عن القوة وقال السويسي إن الحلول الأمنية وحدها ستكون فاشلة، وإذا ما تم تركيز منظومات أمنية أكثر قوة من المنظومات الحالية التي تتركّز على حدود الدول الأوروبية لمنع دخول المهاجرين إليها، فإن كل ترسانة القوانين الأوروبية وجميع الإمكانات التي ستوضع على الحدود لن تكون رادعة. وأوضح أن هناك شبكات للاتجار بالبشر تنشط بين الدول التي تعيش أزمات وبين الدول الأوروبية وهي شبكات قوية ولها أساليب اختراق الأجهزة الأمنية. والمقاربة الأمنية بحسب السويسي، يجب أن ترافقها مقاربة اقتصادية واجتماعية، حيث من الضروري معرفة الأسباب الجذرية التي تدفع بالأشخاص إلى مغادرة بلدانهم والذهاب إلى دول أخرى. وقال إنه "يجب معالجة هذه الأسباب لمنع هجرة دول والذهاب إلى دول أخرى. هناك الكثير من الأشخاص الذين أُجبروا على مغادرة بلدانهم ولم يخرجوا منها بسبب رغباتهم الشخصية". وطالب بأهمية قيام الدول الأوروبية في إيجاد حلول وليس خلق أزمات، ليتم القضاء على الهجرة غير الشرعية من الأساس. واعتبر أن وضع ترسانة من القوانين وتركيز رادارات مراقبة أو قوارب لشرطة الحدود البحرية لم يمكّن من إيجاد حل لأزمة الهجرة غير الشرعية. بينما أكدت كلش أن الحكومات والمنظمات الدولية عملت منذ أعوام على ملفات الهجرة والتنمية، وكانت هناك مبادرات حول تنمية الجنوب لتجنب الهجرة إلى دول الشمال، لكنها فشلت وتوقفت. وأضافت أن ما يحدث في العالم الغربي وشمال المتوسط، ويتحمّل مسؤوليته الدولية في حماية اللاجئين والمهاجرين، هو التشديد على القوانين التي لن تمنع الهجرة. وقالت إن المهاجر عبر البحار الذي يقدم على هذه الخطوة ويكون مستعدا للمخاطرة بنسبة 90% في أن يفقد حياته، لن تمنعه القوانين المشدّدة المتعلقة بالهجرة غير الشرعية أو محاولة اعتراضهم من قبل حرس الحدود أو القوارب الشرطية، وهو ما ينافي الأعراف الدولية فيما يتعلّق بالاستجابة الإنسانية بشكل عام.حقوق البشر أهم من جهته، أكد السويسي أن وكالة "فرونتكس" وهي الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، فشلت في الأعوام الماضية من إدارة الحدود بطريقة تحترم حقوق الإنسان وحماية الحدود الأوروبية، وهو ما أثبتته تقارير صادرة من منظمات حقوقية ودولية حول العالم. وأشار إلى أن الوكالة، ثبُت أنها تعمل مع مهربين وقامت بإغراق قوارب في البحر المتوسط وهو ما ينافي حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية التي تحمي المهاجرين وتضمن لهم حقوقهم كبشر. وشدد على أن تنامي اليمين المتطرّف في دول أوروبية عدة وفي الولايات المتحدة، أسهم في إيجاد أزمات في ملف الهجرة، وبات هناك ظهور لملفات إنسانية عدة يتعرض لها المهاجرون.فيما اعتبرت كلش أن أعداد المهاجرين عبر البحار ستزيد، كما أنه لدى العالم الغربي مسؤولية دولية يجب تحملها وأن يفتح قنوات شرعية للهجرة، وعليه المساهمة في التنمية في دول الجنوب خصوصا الإفريقية منها، وهو ما لم يحدث طيلة الأعوام الماضية. وقالت كلش إن منطقة الشرق الأوسط عادة هي مناطق نزاع وهو ما أدى إلى عدم استقرار في سوريا واليمن والعراق وفلسطين وليبيا من ناحية النزاعات الداخلية والحروب. وأيضا في إفريقيا ينطبق عليها ما ينطبق على منطقة الشرق الأوسط لأنها شبية بالأخرى من ناحية الأحوال الاقتصادية ومن ناحية قلة التنمية والصراعات، وبالطبع سيزيد عدد المهاجرين واللاجئين من هذه الدول باتجاه الشمال أو عبر المتوسط.وأكدت كلش أن وضع اللاجئين والمهاجرين في عام 2024 سيبقى كما هو عليه سابقا، لأن العالم الجنوبي يزداد فقرا والصراعات تتطوّر بشكل كبير ولا يتم حلّها التي سببها الغرب. في حين اعتبر السويسي أنه من الضروري العمل على قوانين أكثر توازنا بعيدا عن القبضة الأمنية ومنح مهاجري شمال إفريقيا على سبيل المثال حياة أفضل كي لا يفكّروا بالهجرة من دولهم، بالإضافة إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية.(المشهد)