بعد مرور نحو 3 سنوات على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، تتحدث بعض الدوائر الغربية عن تآكل قدرة روسيا على ترجمة تهديداتها للدول الغربية بسبب دعمها المتزايد لأوكرانيا إلى أفعال.فمنذ بداية الحرب كانت كل خطوة تصعيدية من جانب الغرب سواء بتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة وصواريخ بعيدة المدى، أو مؤخرًا بتقديم 20 مليار دولار لها كمساعدات ممولة من الأصول الروسية المصادرة، تسبقها تحذيرات روسية من عواقب وخيمة. ولكن لم تسفر أيّ خطوة من تلك الخطوات الغربية عن رد انتقامي روسي ضد الولايات المتحدة أو شركائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو ما جعل المبعوث المعين من قِبَل الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى أوكرانيا وروسيا، يعتقد أن التهديدات النووية التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجرد خدعة أكثر منها خطرا حقيقيا، وبالتالي يمكن أن تتحدى واشنطن موسكو بدلا من التراجع أمامها في الملف الأوكراني. لكن الباحث في مركز بيرسون لدراسة وتسوية الصراعات العالمية في جامعة شيكاغو، رامزي مارديني، يحذر في تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية من خطورة خطأ افتراض محدودية المخاطر أو إمكانية تحقيق مكاسب من استمرار التصعيد ضد روسيا، لآن هذا النهج المتشدد يسيء قراءة ديناميكيات التصعيد، ويبالغ في تبسيطها ويتجاهل القدرات العسكرية التقليدية المتزايدة لروسيا.التصعيد لا يعني التهورومع ذلك فالمؤكد أن التصعيد لا يعني بالضرورة التهور. ففي بعض الأحيان، يكون هذا التصعيد خياراً عقلانياً في الأزمات العسكرية. وفي مثل هذه الحالات، قد يبرر تحقق معايير معينة، التقدم خطوة على سلم التصعيد. أول هذه المعايير أن تكون التهديدات حيوية بما يكفي لتبرير مخاطر التصعيد، وثانيها أن يكون التصعيد قابلاً للسيطرة أو الإدارة لضمان استمرار الميزة الإستراتيجية، وأخيراً، يجب استنفاد الوسائل الدبلوماسية أو التأكد من عدم جدواها في تلك المرحلة من الأزمة ليكون التصعيد الملاذ الأخير.ويقول رامزي مارديني، إنّ التصعيد الغربي في الشهر الماضي ممثلًا في السماح لأوكرانيا بضرب روسيا باستخدام الصواريخ طويلة المدى أتاكامز الأميركية وستورم شادو البريطانية وسكالب الفرنسية، يتناقض مع هذه المبادئ. وهذه الاستفزازات دفعت روسيا إلى تعديل عقيدتها النووية لتخفف الشروط اللازمة لاستخدام السلاح النووي في أيّ صراع.ولا شك أن احتمالات لجوء روسيا إلى الأسلحة النووية ضئيلة، لكن الضآلة لا تعني استحالته. فبفضل ترسانتها النووية الأكبر في العالم، تحتوي الرؤوس الحربية الروسية الحديثة على تكنولوجيا "التحكم في النبضات"، وهو ما يتيح خفض القوة التفجيرية القابلة للتعديل إلى جزء ضئيل من إمكاناتها. وهذا يجعل الأسلحة النووية التكتيكية أكثر ملاءمة للمواجهات المحدودة في ساحة المعركة أو لإظهار العزم. لذلك فإن الاحتمالية البسيطة لاستخدام روسيا للأسلحة النووية تستحق الحذر.(د ب أ)