اتجهت الأنظار اليوم إلى العاصمة المصرية لمتابعة الزيارة التاريخية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعد انقطاع دام لحوالي 12 عاماً.العلاقات المصرية التركيةفعلى مدار التاريخ اتسمت العلاقات المصرية التركية بالتأرجح، ولم تسر على وتيرة واحدة منذ بدء التمثيل الدبلوماسي في 1925 على مستوى القائم بالأعمال، ثم رفعها إلى مستوى السفراء في 1948، ولم تؤثر هذه السمة على متانتها، خصوصا وأنها قديمة وضاربة في عمق التاريخ منذ الإمبراطورية العثمانية، ونتيجة لذلك تأسست بين البلدين علاقات متميزة في مختلف المجالات الاقتصادية والدينية والثقافية.وعلى الرغم من تعدد الملفات الهامة التي كانت على طاولة نقاشات الرئيس عبد الفتاح السيسي وإردوغان اليوم، فإن الملف الاقتصادي وبحسب كثيرين كان حاضراً وبقوة في تلك النقاشات، نظراً لأهميته الشديدة لكل من القاهرة وأنقرة في هذا التوقيت. ووقع الرئيسان السيسي وإردوغان على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، كما وقعا على الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين مصر وتركيا.وأشار السيسي خلال مؤتمر صحفي عقده بقصر الاتحادية مع نظيره التركي، إلى أن التواصل الشعبي بين مصر وتركيا استمر خلال السنوات الماضية، كما شهدت العلاقات التجارية والاستثمارية نموا مضطردا خلال تلك الفترة، مبيناً أن مصر حاليا الشريك التجاري الأول في إفريقيا، كما أن تركيا تعد من أهم أسواق الصادرات المصرية، وقد أثبتت التجربة الجدوى الكبيرة للعمل المشترك بين قطاعات الأعمال في البلدين.ومن جهته قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه اتفق مع نظيره المصري على زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار سنوياً، خلال السنوات القليلة المقبلة، وضخ استثمارات تركية في مصر بنحو 3 مليارات دولار، على خلفية تعزيز الاستثمارات المشتركة، وفتح مجالات جديدة للتعاون، مضيفا أنه تبادل مع الرئيس المصري الآراء حول إمكانية اتخاذ تدابير إضافية لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي. اتفاقات هامة بين تركيا ومصروهناك العديد من الاتفاقيات التجارية التي تربط مصر وتركيا، وأهمها اتفاقية ثنائية للتجارة الحرة تم توقيعها في 2005، ودخلت حيز التنفيذ في 2007، بإنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين، وبموجب هذه الاتفاقية، تعفى الصادرات الصناعية المصرية لتركيا على الفور من الرسوم الجمركية ومن الرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل وكذلك توجد اتفاقية "الرورو" التي تم إبرامها عام 2012، التي يمكن إعادة إحيائها.وتواجه مصر وتركيا تحديات اقتصادية بالغة نتيجة لاحتدام الأزمات العالمية، حيث أدى رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لمعدلات الفائدة إلى سحب الأموال والاستثمارات غير المباشرة من الأسواق الناشئة، مثل مصر وتركيا، وهو الأمر الذي زاد من ارتباك المشهد الاقتصادي داخل البلدين لذا تصف عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع الدكتورة منال عشري هذا التوقيت بالمناسب للعمل على تجاوز التحديات الحالية والتعاون على مستوى أوسع لتعزيز الاستقرار الاقتصادي لمستويات أكبر، من خلال خلق بيئة استثمارية جاذبة للشركات من الجانبين.وترى منال عشري أن التقارب المصري التركي وعودة الأمور إلى طبيعتها مرة أخرى يخدم مصالح الدولتين على حد سواء، وسيفتح الباب لمشاريع واستثمارات مشتركة في استكشاف النفط والغاز، في حال تم مناقشة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بما يمكن الطرفين من استخدام المناطق المتنازع عليها في استخراج الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط.أما المتخصص في الشأن الاقتصادي مصطفى مراد فيشير إلى أن الموقع الجغرافي لكلا البلدين يعمل على تعزيز التعاون التجاري بينهم، حيث تعد مصر بوابة مثالية لتركيا نحو الأسواق العربية والإفريقية، وفي المقابل تعد تركيا بوابة مصر للأسواق الأوروبية، وتجاوزت الاستثمارات التركية في مصر نحو 2.5 مليار دولار، وتوظف الشركات التركية في مصر نحو 70 ألف عامل بشكل مباشر، ينخرطون في العديد من تلك الشركات.الجنيه المصري مقابل الليرة التركيةوتتشابه مصر وتركيا في التحديات الاقتصادية بسبب ارتفاع نسب التضخم وتهاوي سعر الصرف ونقص الدولار، إضافة إلى ضخامة الأسواق وعدد السكان، ومن هذا المنطلق حثت عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع منال عشري حكومة البلدين على استخدام الجنيه المصري مقابل الليرة التركية، في عمليات التبادل التجاري بدلا من اللجوء إلى الدولار أو العملات الصعبة، معربة عن أملها في أن تتوافق قيادة البلدين على وضع آلية للتبادل السلعي بين البلدين بالعملة المحلية باعتبارها من أهم الخطوات التي ستعمل على إنهاء مشاكل المستثمرين.ووفقاً لمنال عشري فإن آلية استخدام العملة المحلية من شأنها أن تعظم حجم التبادل التجاري بين الدولتين، خصوصا مع وجود توازن نسبي للصادرات والواردات بين القاهرة وأنقرة. حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 10 مليارات دولار عام 2023، وتبلغ حصة مصر نحو 3 مليارات دولار للصادرات السلعية و2.6 مليار دولار صادرات غاز ومنتجات بترول، بينما استوردت مصر بنحو 4.3 مليارات دولار منتجات مختلفة من تركيا، تشمل السيارات والملابس والصناعات الهندسية والتكنولوجية ومعدات المصانع والتجهيزات المنزلية.وترغب الدولة التركية في تحسين أوضاعها الاقتصادية التي تشهد تعثرات نتيجة للأزمات الاقتصادية العالمية الطاحنة والصعبة وبالتالي يبحث المستثمرون الأتراك عن فرص واعدة في الخارج، ودائما ما كانت مصر محط اهتمام بحسب المتخصص في الشأن الاقتصادي مصطفى مراد وذلك بسبب المزايا الاستثمارية العديدة التي تحققها لهم الدولة المصرية ومن أهم هذه المميزات الأمور الآتية:البنية التحتية المتطورة والقادرة على استيعاب المزيد من المشروعات الإنتاجية.الإنتاج ذو التكاليف الرخيصة.العمالة المصرية التي تتمتع بدرجة عالية من الكفاءة والمهارة.المزايا الاستثمارية التي وفرتها الدولة المصرية مؤخرًا مثل "وثيقة سياسة ملكية الدولة"، و"الرخصة الذهبية"، و"الطروحات الحكومية"، بالإضافة إلى رفع شروط الحصول على التأشيرة في أبريل 2023.القطيعة الدبلوماسية لم تؤثر على العلاقات التجارية.وفي السياق ذاته، أوضح أستاذ العلاقات الدولية التركي الدكتور سمير صالحة أن العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وأنقرة شهدت تطوراً مؤخراً وذلك على عكس العلاقات السياسية وهو ما يعد إنجازاً كبيراً لصالح الجانبين، مشيراً إلى أن التعامل الجيد الذي حظي به رجال الأعمال الأتراك من قبل المسؤولين المصريين عقب التوترات التي شابت العلاقات خلال السنوات الماضية، ساهم بشكل لا عوج فيه على تدفق الاستثمارات التركية وعدم انقطاع العلاقات التجارية طوال السنوات الـ12 الماضية، ومن ثم أدى ذلك إلى زيادة حجم الاستثمار التركي المباشر إلى نحو 2.5 مليار دولار.أهمية ملف الطاقة بين تركيا ومصروبحسب صالحة فإن بلاده ترغب في الدخول في عملية تفاهمات وربما مقايضات إستراتيجية مع مصر، وتريد إنجاز اختراق في موضوع الغاز المصري، لافتاً أن هناك عرضا تركيا يقوم على إقناع القاهرة بتسهيل نقل الغاز المصري إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا، وطالب صالحة المسؤولين الأتراك استغلال تطورات المشهد في غزة وما نتج عنها من تراجع ملحوظ في طبيعة العلاقات المصرية الإسرائيلية، وهو ما يعد فرصة سانحة لإقناع الجانب المصري باتفاقيات تخص الغاز المصريوكشف صالحة عن وجود رغبة جادة في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة عبر مشروعات واتفاقات بعدد من القطاعات المختلفة وعلى رأسها الطاقة والصناعات العسكرية، مع بحث إمكانية استخدام العملات المحلية في التجارة الثنائية في الفترة المقبلة لخفض الطلب على الدولار في البلدين لمعانتهما من نقص الدولار.ويتوقع الكثيرون في مصر وتركيا أن تعطي زيارة إردوغان للقاهرة دفعة كبيرة لاقتصاد الدولتين، واللذين يتشابهان إلى حد كبير في حجم التحديات والمخاطر.(المشهد)