عاجلا أم آجلا ستنسحب الولايات المتحدة من سوريا، و سيُستأنف الحوار بين "قسد" ودمشق لأن الاثنين ليسا مستعدين للصدام حتى لو انسحب الجيش الأميركي، فالطرفان يؤكدان أن ثمة عدوان مشتركان يهددان الاثنين معا، هما تركيا التي تسيطر على أراضيَ سورية وتسعى لبسط نفوذها أكثر، و"داعش" التي ما زالت تتغلغلُ في مناطق مختلفة من شمال شرقي سوريا."النفوذ الأميركي في سوريا ضئيل جدا"من هنا يكون كلام السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد فيه شيء من الحكمة وبُعد النظر حيث قال في مقابلة مع تلفزيون روداو الناطق باللغة الكردية بداية هذا الشهر: "إن "قسد" سترتكب خطأ كبيرا جدا إذا اعتمدت على حماية الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن النفوذ الأميركي في سوريا ضئيل جدا، لذا من المهم أن يدرك قادة "قسد" ضرورة تقديم تنازلات للحكومة السورية في المفاوضات. كلام فورد يذكرنا بما كانت نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية بقلم ريتشار ليستر من أن البيت الأبيض لم يعد مهتما بالبقاء في سوريا، ومواصلة المهمة التي يرى أنها غير ضرورية، وأن مناقشات داخلية نشطة تسعى لتحديد كيف ومتى يمكن أن يتِم الانسحاب الأميركي من سوريا. ربما سيكون قرار الانسحاب فيما إذا اتخذا مرتبطا بنتائج المفاوضات التي تجري بين الحكومة العراقية وبين الولايات المتحدة والتي سيتم بموجبها تحديد صفة عمل القوات الأميركية على أرض العراق، وبالطبع ستنعكس نتائج تلك المفاوضات على القوات الأميركية العاملة في سوريا. لكن يبدو أن الاستعدادات متواصلة لمواجهة أي واقع مستجد و"قسد" تعرف أن الولايات المتحدة لن تبقى في سوريا إلى الأبد، وأنها في حال قررت الانسحاب، فإن قوات "قسد" ستواجه 4 أمور: الأول: العدوان التركي المستمر على مواقعها وبنيتها التحتية وهو ما تقوم به تركيا حالياً حتى في ظل الوجود الأميركي. الثاني: تنظيم داعش الإرهابي الذي يتحين الفرصة لمعاودة السيطرة على المنطقة واسترجاع ما خسره. الثالث: العشائر العربية التي تنتظر اللحظة التي تنسحب فيها الولايات المتحدة لتتخلص من حكم فُرض عليها من قبل الأميركي. الرابع: الدولة السورية التي تريد إعادة توحيد أراضيها بالتعاون مع حلفائها."قسد لديها علاقات مع دمشق وتريد تطوريها"في أبريل من العام الماضي أعرب قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في مقابلة تلفزيونية عن أمله في انضمام قوات "قسد" إلى الجيش السوري في المستقبل. عبدي قال وقتها: إن "قسد لديها علاقات مع دمشق وتريد تطويرها"، موضحا أن "قسد" هي جزء من منظومة الدفاع عن الأراضي السورية، وقوة لا يستهان بها يفوق عدد مقاتليها الــ100 ألف، وشدد على وجوب أن تكون "قسد" ضمن "منظومة الدفاع عن سوريا". وسبق أن دعا الجيش السوري في العام 2019 عناصر قوات سوريا الديمقراطية إلى الانخراط في صفوفه، لكن هذه القوات رفضت الدعوة مشددة على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية تحفظ خصوصيتها، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، حيث لن تقبل دمشق بوجود قوة عسكرية أخرى غير الجيش السوري. ويرى مراقبون أن الحوار المقبل بين الدولة السورية و"قسد" سيركز على مسألتين: حل قوات سوريا الديمقراطية، والتخلي عن العقد الاجتماعي الذي أقرته "قسد" العام الماضي، والذي اعتبر بمثابة دستور للمنطقة، ما يؤدي إلى انفصالها بشكل تلقائي، في المقابل كانت الحكومة السورية طرحت في العام 2012 مشروع "اللامركزية الإدارية" بحسب المرسوم 107 ولكن قسد تصر على "اللامركزية السياسية" وهذا أس الخلاف بين الاثنين. هنا لا بد من الإشارة إلى أن آخر جولة للمفاوضات بين الجانبين كانت في أغسطس 2023 التي أجراها وفدٌ من "مسد" مع ممثّلين عن الحكومة السورية، لم تسفر عن نتائج تُذكر، لكن الانطباع السائد هو أن مجرّد عقْد هذه اللقاءات، يعكس تمسّك الطرفَين بالحوار كخيار لمعالجة ملفّ المناطق الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" وعلى الرغم من الهوّة الكبيرة بينهما، فهما لا يريدان قطْع شعرة التواصل، ويفضّلان عدم التفكير بأيّ حلول عسكرية، وذلك انطلاقا من إدراكهما بأن أيّ حلّ عسكري قد يتحوّل إلى حرب ذات طابع أهلي وعِرقي وهو ما لا يريده الطرفان.