تتزايد الضغوط على اللاجئين السوريين في تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في مارس القادم وسط تدابير أكثر صرامة من قبل السلطات، التي أدّت آخرها إلى ترحيل شابين مغربيين بشكل خاطئ إلى مدينة إعزاز في الشمال السوري ظنّا بكونهما لاجئان سوريان، على الرغم من وصولهم إلى تركيا عبر مطار اسطنبول بسمات دخول نظامية بهدف السياحة.الحادثة التي أدت إلى استنفار السلطات المغربية والمطالبة بإعادة مواطنيها فورا إلى تركيا تكشف في طيّاتها تفاصيل "العودة الطوعية" التي باتت شعار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته في الفترة الأخيرة، والتي دفعت إلى ترحيل شخصين دون الاطلاع حتى على أوراقهم الثبوتية.بالمقابل يتّهم نشطاء سوريين حكومة إردوغان بتسريع مخطط "لإحداث تغيير ديموغرافي" في الشمال السوري، بهدف استبدال سكان المناطق الحدودية من الأغلبية الكردية بالسوريين العرب الذين لجأوا إلى تركيا مع اندلاع الحرب في سوريا من جميع مناطق البلاد بتحفيز سياسة الحدود المفتوحة التي انتهجتها الحكومة التركية آنذاك.نجحت أنقرة من خلال العمليات العسكرية التي قامت بها داخل الأراضي السورية تحت عنوان "محاربة الإرهاب" في السيطرة على الشريط الحدودي الممتد من مدينة إعزاز في شمال حلب وصولا إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الغربي.وقد كلّفت أنقرة الفصائل المسلّحة التابعة لها، والتي يغلب عليها الطابع التركماني، بمهمة السيطرة الميدانية على هذه المنطقة بمدنها التي كانت تقطنها غالبية كردية، بما فيها عفرين، التي تعتبر معقل أكراد سوريا.تبع العمليات العسكرية التركية، تسريع ترحيل اللاجئين السوريين إلى ما باتت أنقرة تطلق عليها "المنطقة الآمنة"، في خطوة فسّرت بضرب عصفورين بحجر واحد: عبر التخفيف من الاحتقان الداخلي ضد سياسات اللاجئين الحكومية قبل الانتخابات، وتفتيت الغالبية الكردية على الحزام الحدودي مع تركيا.الكرد السوريون هم المستهدفونقبل أيام، تحدّثت صحيفة الصباح المقربة من الحكومة التركية عن خطة تركية "لإعادة اللاجئين السوريين طوعيا" إلى الشمال قائلة "إن الرئيس التركي تبنى آلية ثلاثية لضم حلب لـ "خارطة الطريق" وعودة مئات آلاف اللاجئين السوريين إليها، وأصدر تعليمات بتشكيل آلية ثلاثية لتحفيز عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدهم، تتكون الثلاثية من وزارة الداخلية وحزب العدالة والتنمية وكتلته النيابية في البرلمان".ووفقا لخارطة طريق الآلية الثلاثية، من المقرر إحياء الحياة الاقتصادية والتجارية في شمالي سوريا، والسماح لرجال الأعمال بمن فيهم الأتراك بافتتاح منشآت ومصانع هناك، لخلق فرص عمل، وذلك لتأمين الشروط لعودة مئات آلاف من اللاجئين السوريين لبلادهم، لتصبح حلب أحد أبرز الجوانب الهامة في خارطة الطريق هذه، ووضعها في قلب هذه الخطة، عبر إحيائها اجتماعيا وتجاريا.استمرت أنقرة في التلويح بالقيام بالمزيد من العمليات العسكرية في سوريا، وهذه المرة في شمال شرق البلاد، حيث تسيطر عليها "الإدارة الذاتية" التي يغلب عليها العنصر الكردي هناك، حيث لا يزال جناحها العسكري المتمثّل بقوات سوريا الديمقراطية والمعروفة اختصاراً بـ "قسد" تمتلك قوّة عسكرية تشير إليها أنقرة كتهديد لأمنها القومي.يقول المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الباحث بسام أحمد في حديث خاص إلى منصة "المشهد" إن "لدى تركيا عددا من الأهداف أولها التخلص من اللاجئين السوريين على أراضيها، ثانيا التخلص من الشريط الكردي على حدودها ووضع فصائل ومجموعات تابعة لها، بالإضافة إلى الأطماع في حلب وغيرها من المناطق في سوريا والعراق هي أطماع قديمة جدا، وتحاول جاهدة التوسع في دول عدة مستغلة الضعف وحالة عدم الاستقرار في هذه الدول، متذرعةً بحجج غير واقعية أو صحيحة، حيث إن تركيا تطرح نفسها كجزء من الحل للأزمة في السورية، لكن في الواقع هي جزء من الأزمة السورية".وحول نجاح خطتها يشرح أحمد "من الممكن أن تنجح تركيا في خطتها مبدئيا كونها ترحّل الأكراد قسرا من عفرين ورأس العين وتل أبيض وتوطّن اللاجئين في منازلهم، لكن على المدى البعيد لا يمكن لخطة تركيا الاستمرار لأن هناك إثباتات بممتلكات الأراضي والمنازل للأكراد سيتم الحديث عنها مع الوصول إلى حل سياسي في سوريا".في المقابل، يرى المحلل ومدير التحرير السابق لعدد من الصحف والقنوات التركية على رضا أوزكان في حديثه لمنصة "المشهد" أن "نموذج حلب هو "حل بديل"، إذ نعلم جميعنا أن سوريا تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية داخلية كبيرة جدا، وهي بحاجة إلى مساعدة مالية كبيرة. وعلى الجانب الآخر، يتعين على تركيا إبعاد المهاجرين السوريين من تركيا في وقت قصير، بسبب الوضع السياسي الهش في البلاد".تتريك الشمال السوريبعد سيطرة المجموعات التابعة لها على الشمال السوري عملت أنقرة على تتريك المنطقة وفرض الهوية الكردية عليها، على سبيل المثال، أدخلت تركيا نظاما جديدا لبطاقة الهوية الشخصية، حجبت من خلاله بيانات السجل المدني الأصلية المتعلقة بأصل العائلات، ما يؤدي إلى عم التمييز بين السكان الأصليين والنازحين الذين زجت بهم تركيا بالمنطقة، وفرضت المناهج التركية في المدارس، وليس ذلك فحسب، بل يتم تداول الليرة التركية في عدد من هذه المناطق، مع رفع العلم التركي على بعض المباني، وسمت بعض الفصائل بأسماء تثبت تبعيتها و ولائها لها مثل "لواء سليمان شاه".كما قامت المجموعات المسلّحة التابعة لها بتدمير المعالم الثقافية والدينية الكردية في المنطقة، إضافة إلى مزارات العلويين والإيزيديين.وفي هذا الصدد يشرح رضا أوزكان بأن "الحدود السورية مشكلة أمنية كبيرة بالنسبة لتركيا، وهناك مشكلة أخرى وهي اللاجئون السوريون في تركيا، وإذا كانت الأخيرة تسعى إلى خطة، فيجب أن يشمل ذلك حل كلتا المشكلتين (منع الهجمات الإرهابية وعودة السوريين الذين يعيشون في تركيا)".ويضيف رضا أوزكان "هذه خطة علاجية، ويمكن أن يرى الشعب التركي من خلالها إخلاص وصدق إردوغان لوعوده الانتخابية التي أعلنها في وقت سابق أثناء الانتخابات في مايو 2023".من جهة ثانية كان الموقف الأميركي من هذه التصرفات التركية متوقعا، خصوصا بعد ليونة المواقف التركية تجاه الغرب مؤخرا وبعد قمة الناتو في ليتوانيا، إذ قالت الولايات المتحدة إنها لا ترى في خطة تركيا لإعادة مليون نازح سوري إلى شمالي سوريا تغييرا ديموغرافيا. في حين، انتقدت الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا تصريح الخارجية الأميركية معتبرة إياه "غير صحيح ومناقضا للواقع". ويرى الباحث الأحمد أنه "من الممكن للمخططات التركية في شمال سوريا أن تعرقل التطبيع التركي-السوري، خصوصا أنه بالأساس إردوغان استخدم التطبيع مع سوريا كورقة انتخابية رابحة، حيث إن السياسة التركية قائمة على المصالح الأحادية واستغلال الحركات والفصائل الإسلامية، كما استغلت فصائل المعارضة السورية واستخدمتهم كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان وغيرها". في حين يعتقد المحلل التركي رضا أوزكان أن "هذه الخطة ستقوي موقف تركيا في المفاوضات مع سوريا، حيث ستكون تركيا جزءً رسميا من السلام السوري".منذ بداية الحرب السورية عام 2011 دخلت تركيا بثقلها في الصراع، وحاولت حجز مكان لها على مسرح الصراع المسلح في سوريا التي ترتبط معها بشريط حدودي طويل، واليوم بعد أن هدأت آتون الحرب في البلاد، يبدو أن أنقرة لا تريد الخروج من البلاد من دون تحقيق ولو جزءً من أهدافها التي تدخلت من أجلها.(المشهد)