لجأ الجنود الأوكرانيون المشاركون في الحرب إلى مخدّر "القنب" أو "الحشيش"، للسيطرة على صدماتهم وكوابيسهم على الأقل في الوقت الحالي، حسبما يذكر تقرير لصحيفة "تايمز" البريطانية، مؤكدًا أنّ الجنود يتعرضون لضغوط نفسية كبيرة نظرًا لفقدان رفاقهم في ساحة المعركة. ومن بين هؤلاء بطل المصارعة السابق إيفان دوروشينكو، الذي يدافع بشكل غير متوقع عن استخدام المخدرات، إذ إنّ الطريقة التي يتحدث بها رجال من أمثاله عن الألم، هي التي دفعت أوكرانيا مؤخرًا إلى إقرار قانون تاريخيّ لتشريع "الحشيش" الطبي. وخلال الشهر الماضي، ظل التشريع من دون توقيع على مكتب الرئيس الأوكراني، وهو ما يمثل إغاثة محتملة لـ9.6 ملايين أوكراني، وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يعانون اضطراب ما بعد الصدمة الذي سبّبتها الحرب الروسية على بلادهم."لم يكن حلمًا بل كان حقيقة"دوروشينكو، البالغ من العمر الآن 38 عامًا، كان بالكاد يشرب الخمر ولم يدخن أبدًا باعتباره رياضيًا محترفًا، حسبما تقول "التايمز"، مشيرة إلى أنّ الحرب أخذت من صحته ببطء في البداية، كما كان يعاني آلامًا في الظهر بسبب المشي لمسافة 20 كيلومترًا تحت درع ثقيل مع حقيبة مليئة بالذخيرة تزن 30 كيلوغرامًا، الأمر الذي دفعه إلى الاعتماد على المهدّئات الطبية ومنها "الحشيش" باعتباره خلاصه الوحيد. ويتذكر دوروشينكو خلال حديثه مع "التايمز"، الصدمة الكبيرة التي تعرّض لها خلال المعارك، حينما قُتل اثنان وأصيب 10 من زملائه، بعدما سقط صاروخ روسيّ على منزل إقامة، "نرتّب أنفسنا فيه وننام ثم نذهب إلى الجبهة مرة أخرى"، قائلًا: "نصف فصيلة الدعم الناريّ لدينا قد اختفت. أصدقائي وإخوتي، كنا نعيش معًا". وتحدث دوروشينكو عن أنّ الصدمات والكوابيس بدأت تلاحقه عقب هذه الحادثة، خصوصًا بمجرد عودته من الجبهة إلى منزل زوجته، إذ كان يستيقظ أحيانًا 5 أو 6 مرات في الليلة، "لم يكن حلمًا، بل كان حقيقة. تستيقظ ولا تزال تعتقد أنك هناك. قد تسمي ذلك كابوسًا، لكن لم يكن من الواضح بالنسبة لي ما هو الحلم وما هو الحقيقي".وفقا لصحيفة "التايمز"، ظل دوروشينكو في المستشفى لمدة 3 أشهر، ثم انتقل من عيادة متخصصة إلى أخرى لعلاج ظهره وساقه، وأيضًا صدماته، حيث وصف له الأطباء المهدّئات لمساعدته على النوم، لكنّه أصيب بالإحباط بسبب آثارها. ويقول الجنديّ الأوكراني: "قبل 6 أشهر أدركت أنّ تناول الحبوب ليس هو السبيل للخروج من هذا الوضع. لقد أعطاني بعض زملائي زيت القنّب، وأحصل منه 3 إلى 5 قطرات قبل النوم كل ليلة"، مضيفًا: "في المرة الأولى التي أخذتها نجح بالمقارنة مع الأدوية المهدّئة، كما في اليوم التالي أشعر بأنّ رأسي ودماغي صافيين تمامًا. وأنني بحالة جيدة جدًا". وأكد دوروشينكو أيضًا أنّ زوجته بدأت في استخدام زيت "القنّب"، لتهدئة أعصابها أثناء الغارات الجوية، وعندما كانت تشعر بالقلق عليه في الجبهة.خلافات بشأن تشريع "الحشيش" الطبي ويُعتبر زيت القنّب أو"CBD" مكمّلًا غذائيًا، وهو قانونيّ بالفعل في أوكرانيا، لكنّ المرضى الذين يعانون مشاكل أكثر تعقيدًا، وخصوصًا مبتوري الأطراف، يحتاجون إلى القنّب الطبي الذي يحتوي على مستويات أعلى من المادة الفعالة "THC" بالإضافة إلى "CBD"، كما تقول أولها ستيفانيشينا البرلمانية السابقة ونائبة رئيس الوزراء، والتي شاركت في صياغة النسخة الأولى من القانون. وتضيف ستيفانيشينا: "يُسمح حاليًا للمرضى باستخدام هذا الدواء لعلاجهم. كما يُسمح للصيدليات بصنع الدواء للمرضى الموجودين على أراضيها، حتى يتم ترخيصهم"، مؤكدة أنّ القانون "سيسمح للمزارعين بزراعة القنّب الطبّي". وفي المملكة المتحدة ومعظم أوروبا، أصبح الحشيش الطبّيّ قانونيًا بالفعل، حيث أظهرت الأبحاث أنه يمكن أن يخفف الألم، ويساعد على علاج غثيان مرضى السرطان بعد العلاج الكيميائي، ويقلّل من احتمالية حدوث نوبات لدى الأشخاص المصابين بالشلل الدماغي. وفي أوكرانيا، من الممكن أيضًا أن يساعد "القنّب الطبي" الجرحى، على الحدّ من اعتمادهم على مسكّنات الألم الأفيونية المسبّبة للإدمان، واستبدال مزيج من الحبوب المستخدمة لإعادة تأهيل الجنود الذين أصيبوا بصدمة، حسبما تشير "التايمز". إلا أنه مع ذلك، لا تزال هناك خلافات، حيث طرح الرئيس الأوكرانيّ هذه القضية لأول مرة قبل الحرب، في استطلاع عام 2019، وأيدها في ذلك الوقت 65% من المشاركين، لكن عارضتها رئيسة الوزراء السابقة والعضوة الحالية في البرلمان يوليا تيموشينكو، معتبرة أنه "يُضفي الشرعية على تجارة المخدرات ومافيا المخدرات"، وأنّ اعتماده يفتح باب أوكرانيا أمام "تهريب المخدرات القوي". وعلى الرغم من الانتقادات، يبدو أنّ الرأي السائد في المجتمع الطبّي في أوكرانيا، يؤيد أنّ القنب الطبي يحتاج إلى أن يكون متاحًا على نطاق واسع لعلاج المجتمع المصاب بصدمات نفسية، عاجلًا وليس آجلًا، حيث تقول طبيبة التخدير الدكتورة فيكتوريا يفسييفا: "لدينا، كما هو الحال في الولايات المتحدة وأوروبا، وباء أفيوني، لكننا نُخفيه ولا أحد يتحدث عنه". وأضافت: "وصف الحشيش الطبي بدلًا من الموادّ الأفيونية للمرضى، سيكون وسيلة للخروج من هذا الوضع. وهو دواء فاعل مع آثار جانبية قليلة جدًا. إذا قارنّاها بالآثار الجانبية للموادّ الأفيونية، فبالنسبة لمجموعة معينة من المرضى، يُعتبر الحشيش علاجًا مثاليًا".(ترجمات)