يعيش الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، منذ السابع من أكتوبر، ظروفاً حياتية وإنسانية مريرة، إذ وظفت إسرائيل الحرب وأنظمة الطوارئ، للتفرد والتنكيل بالحركة الأسيرة، وعزلتهم عن العالم الخارجي وفقاً لمنظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية، فحظرت اللقاء بالمحامين، ومنعت الزيارات العائلية، وتحت مظلة حالة الطوارئ، تدأب مصلحة السجون الإسرائيلية على نهج السياسات الانتقامية والقمع والتشديد بحق الأسرى.في هذا السياق، تواصلت منصة "المشهد" مع العديد من أهالي الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، للسؤال عن وضع أبنائهم، فكانت الإجابة متشابهة، بأن أخبار الأسرى مقطوعة، منذ اندلاع الحرب الحالية.أوضاع عصيبةوكان لنا حديث مع والدة 5 أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الملقبة بخنساء فلسطين لطيفة الناجي، حيث عبرت عن قلقها الشديد على أبنائها في ظل الانقطاع التام عن أخبارهم وعدم زيارتهم ووفاة ابنها ناصر أبو حميد قبيل الحرب بفعل التعذيب والحرمان من العلاج، مشيرة بأن "هناك عملية تعتيم شاملة على أسرانا، والمعلومات التي أدلى بها عدد من المحررين، تؤكد بأنهم يعيشون في أوضاع رهيبة وعصيبة". إحدى المحررات من مدينة القدس لم تكشف اسمها بفعل الرقابة الأمنية التي تفرضها إسرائيل، روت لـ"المشهد" تجربتها المريرة بالسجن في خضم الحرب، وتقول: "كل يوم وكل ليلة كانت قوة كبيرة من السجانين والسجانات بالدروع الواقية، يقومون بقلب الغرف رأساً على عقب، وإفراغها من محتوياتها، ورشنا بالغاز، وقمعنا بالهراوات، فالأوجاع ما زالت في جسدي حتى اللحظة، وأتابع الطبيب المختص للعلاج جراء الكدمات والضربات".وكون عمليات الاعتقال مستمرة يومياً، بات من الصعب تحديد عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن عددهم بلغ قبل اندلاع الحرب 5200، يضاف إليهم أكثر من 6 آلاف فلسطيني اعتقلتهم إسرائيل منذ 7 أكتوبر، غالبيتهم من حركة "فتح" بنسبة 65%، ونحو 25% من حركة "حماس"، والباقون من التنظيمات الفلسطينية مثل الجبهتين "الشعبية" و"الديمقراطية" و"الجهاد الإسلامي"، وهم يقبعون في 22 سجناً ومعتقلاً.رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، أكد لـ"المشهد"، بأن إدارة السجون الإسرائيلية ومنذ السابع من أكتوبر، فرضت جملة من الإجراءات التنكيلية، والعقوبات والتضييقات ضد الأسرى في السجون أبرزها "الحرمان من زيارة الأهل والمحامين وحتى الشراء من البقالة، وسحب الأغطية والملابس وبقاء شبابيك الغرف مفتوحة 24 ساعة حيث يعانون من البرد القارص، والغرف مكتظة جداً ومعظم الأسرى ينامون على الأرض، كذلك منع اقتناء الملابس، باستثناء غيار واحد، وإذا اتسخ يضطر الأسير لغسله والانتظار حتى يجف لارتدائه مجدداً".ويضيف المسؤول أن "كميات الطعام قليلة جداً ويضطرون لشرب الماء من صنبور مياه الحمام، تم قطع الكهرباء عنهم، ولا تسمح لهم سلطات السجون بالخروج لساحة الفورة، والأنكى من كل ذلك، منع دخول الأطباء والأدوية، بل تكثيف الاعتداءات عليهم في الغرف بشكل وحشي وهمجي مما أدى إلى مقتل 7 أسرى". عقوبات وعزل عن العالم الخارجي أما رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري فيقول لـ"المشهد" إن "اندلاع الحرب على غزة، كان بمثابة الفرصة السانحة لإدارة السجون الإسرائيلية لتنفيذ عقوبات جماعية مبيتة مسبقاً، وأشد شراسة من كل ما يعرف عن تاريخها، فالاستفزازت مستمرة، والاعتداءات الجسدية، وعمليات التفتيش متكررة بحسب المعلومات الشحيحة التي تصلنا، حيث وثّقنا عشرات الشهادات لمعتقلين محررين في هذه الفترة، تدل على أن الأسرى يتعرضون لعمليات تعذيب وتنكيل منهجية، وإجراءات انتقامية طالت تفاصيل واقع الحياة في المعتقلات، وأضحت مقابر أحياء".وكانت الأمم المتحدة أعلنت الجمعة أن القوات الإسرائيلية اعتقلت آلاف الرجال في قطاع غزة منذ بدء الحرب ضد "حماس" وهم يتعرضون في أكثر الأحيان لسوء المعاملة التي قد تصل إلى حد التعذيب.وقال أجيت سونغاي ممثل مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية خلال مؤتمر صحافي دوري للأمم المتحدة في جنيف، إن بعض السجناء أكدوا أن القوات الإسرائيلية عصبت أعينهم واعتدت عليهم بالضرب وعندما أفرجت عنهم كانوا عراة لا يرتدون سوى حفاضات. وذكر سونغاي عبر دائرة الفيديو من رفح جنوب قطاع غزة أن الرجال تم احتجازهم "في ظروف مروعة عموما" من قبل قوات الأمن الإسرائيلية في أماكن مجهولة لفترات تتراوح بين 30 إلى 55 يوما، مضيفا "قالوا إنهم تعرضوا للضرب والإذلال وسوء المعاملة وما قد يرقى إلى التعذيب. وأكدوا أنه تم عصب أعينهم لفترات طويلة البعض لأيام عدة على التوالي".وأوضح أن "رجلا قال إنه لم يتمكن من الاستحمام إلا مرة واحدة خلال فترة احتجازه التي استمرت 55 يوما. وهناك تقارير تفيد بأنه أفرج عن رجال لكن فقط بحفاضات". وتؤكد هذه الشهادات المعلومات التي جمعتها المفوضية العليا بشأن اعتقال الفلسطينيين على نطاق واسع.وتابع الزغاري في حديثه لـ"المشهد" قائلاً "إسرائيل فرضت واقعاً جديداً، وبموجبه عزلت جميع الأسرى عن العالم الخارجي، عبر منع زيارات المحامين والأهالي والجمعيات الحقوقية التي تقف على ظروف اعتقالهم، وما يمارس بحقهم في أقسام العزل وداخل الزنازين، وذلك خشية كشف وفضح ونقل التفاصيل المروعة والانتهاكات بحق الأسر للرأي العام، وحجب الظروف المزرية لأنها أشبه بالموت البطيء".وأشار الزغاري إلى أن "إسرائيل تتجنب اشتعال جبهة السجون على خلفية الحرب، وتنظر لانتفاضة داخل السجون بعين الخطورة، لأن المواجهة معهم ليست بالأمر السهل، حيث ترى إسرائيل في الأسرى قوة لا يستهان بها، ولها تأثيرها في مجريات ما يحدث على الساحة الفلسطينية، وخاصة عند احتدام الصراع مع إسرائيل". سيطرة إسرائيلية على الأسرىمن جهته، يوضح الباحث والمحلل السياسي يوآف شتيرن لمنصة المشهد بأن "ما تقوم به إسرائيل من عمليات اعتقال يومية، هو بمثابة ضربة استباقية، لأنها تريد أن تمنع أي تصعيد في الضفة الغربية من قبل المنظمات الفلسطينية أو من نشطاء اجتماعيين أو آخرين، فهي بذلك تمنع وتحتوي وتكبح جماح أي تصعيد محتمل، فالجيش والشاباك يقومون بعمليات الاعتقال للحيلولة دون ذلك، وهذه السياسية الرادعة، تنطبق أيضاً على الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية".ويشير شتيرن بأن "التضييق على الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، شهد تصاعداً ملحوظاً منذ بدء الحرب، لكن الهدف يبقى لتجنب العنف أو اندلاع انتفاضة داخل هذه السجون وفق قانون الطوارئ منذ اندلاع الحرب، في هذا السياق جمعية حقوق المواطن الإسرائيلية تسعى من خلال المحكمة العليا لإيجاد التوازن المناسب بين ضرورة مواصلة زيارة السجون وبين ما تفرضه فترة الحرب". وأضاف: "السجون الإسرائيلية بشكل عام غيرت من سياستها حول الزيارات وإلى آخره ولكن بخصوص السجناء الفلسطينيين التفكير الحالي يقول إنه طالما معاملة (حماس) و(الجهاد) مع المخطوفين في غزة هي هكذا فكل إجراء فيه تسهيلات للسجناء الفلسطينيين ليس مفهوما ضمنا ويتم إعادة النظر في الإجراءات اللازمة من قبل إدارة السجون. هذا طبعا يأتي في إطار سياسة الوزير المسؤول بن غفير الذي دائما كان معنيا بتشديد الإجراءات في السجون".(المشهد)