رأت شبكة "سي إن إن" الأميركية أنّ الأزمة المتفاقمة نتيجة مواصلة "الحوثيّين" هجومهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، تشكّل اختبارًا جديدًا لطموحات الصين التي روّجت لها كثيرًا في أن تصبح وسيط قوة جديد في الشرق الأوسط. وقالت الشبكة إنّ الهجمات على أحد أهم طرق الشحن في العالم، أدّت إلى قلب التجارة العالمية رأسًا على عقب، وأثارت مخاوف من نشوب صراع إقليميّ أوسع نطاقًا بعد نحو 4 أشهر من الحرب بين إسرائيل و"حماس". حتى الآن، اقتصر ردّ الصين العلنيّ على أزمة البحر الأحمر على الدعوات لإنهاء الهجمات على السفن المدنية والانتقادات المبطنة للعمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد "الحوثيّين"، والتي يقول المحللون إنها لم ترقَ إلى مستوى تطلعات بكين العالمية. وقال المحاضر في كلية عسقلان الأكاديمية في إسرائيل، مردخاي تشازيزا، والمتخصص في علاقات الصين مع الشرق الأوسط، إنّ "الردّ الصيني الحذر أو المتردد يُلقي بظلال ثقيلة على طموحاتها في أن تصبح قوة عالمية مسؤولة". ومع عدم إظهار بكين أيّ رغبة في التورط بشكل مباشر في الأزمة، سعت الولايات المتحدة إلى حثّ الصين على الضغط على إيران التي تدرّب وتموّل وتجهّز "الحوثيّين" لكبح جماحهم. وبحسب "سي إن إن"، يتم شحن معظم الصادرات الصينية إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، في حين تمر عشرات الملايين من الأطنان من النفط والمعادن عبر الممر المائيّ للوصول إلى الموانئ الصينية. كما أنه يمثل تحدّيًا دبلوماسيًا للزعيم الصينيّ شي جين بينغ، الذي تعهد في السنوات الأخيرة "بالمساهمة بالحكمة الصينية في تعزيز السلام والهدوء في الشرق الأوسط" كجزء من مبادرته لتقديم بديل للنظام الأمنيّ الذي يقوده الغرب.ردّ الصين كان ردّ الفعل العام في الصين خافتًا بشكل ملحوظ. ولم تُدشن "الحوثيّين"، ولم تستجب سفنها الحربية لنداءات الاستغاثة من السفن القريبة التي تتعرض للهجوم. كما رفضت الصين التحالف المتعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة لحماية السفن التي تعبر البحر الأحمر، على الرغم من أنّ البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبيّ الصيني، لديها قوة لمكافحة القرصنة، تُبحر في خليج عدن وقاعدة دعم في جيبوتي المجاورة. وفي الآونة الأخيرة، عندما بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات عسكرية ضد أهداف "الحوثيين" في اليمن، أصبحت بكين أكثر صخبًا في إثارة المخاوف بشأن التوترات. وشدد المسؤولون الصينيون مرارًا وتكرارًا على أنّ أزمة البحر الأحمر هي "امتداد" للصراع في غزة، مشيرين إلى وقف فوريّ لإطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" باعتباره الأولوية القصوى. وفي اجتماعات مع وزير الخارجية الصينيّ وانغ يي في بانكوك خلال عطلة نهاية الأسبوع، حثّ مستشار الأمن القوميّ الأميركيّ جيك سوليفان بكين، على استخدام "نفوذها الكبير مع إيران" لوقف الهجمات، حسبما صرح مسؤول كبير في البيت الأبيض للصحفيّين يوم السبت. نقلًا عن مصادر إيرانية، ذكرت رويترز يوم الجمعة أنّ المسؤولين الصينيّين طلبوا من نظرائهم الإيرانيّين في اجتماعات عدة عُقدت مؤخرًا المساعدة في كبح جماح "الحوثيّين" أو المخاطرة بالإضرار بالعلاقات التجارية مع بكين. وقال مسؤول إيرانيّ مطّلع على المحادثات لرويترز، إنهم "أبلغوا الحوثيّين بضبط النفس".ضغوط اقتصادية على الصينضمثل العديد من شركات الشحن العالمية، قامت شركتا الشحن الصينيتان المملوكتان للدولة COSCO وOOCL بتحويل عشرات السفن من البحر الأحمر إلى طريق أطول بكثير حول الطرف الجنوبيّ لإفريقيا، وفقًا للبيانات التي جمعتها شركة Kuehne + Nagel، وهي شركة لوجستية مقرها في سويسرا عادةً ما تضيف مثل هذه التحويلات أكثر من 10 أيام إلى الرحلة، ما يؤدي إلى تأخير عمليات التسليم وزيادة تكاليف الشحن.وتقول شركة الخدمات اللوجستية العالمية فليكسبورت، ومقرها سان فرانسيسكو، إنّ 90% من البضائع المشحونة من الصين إلى أوروبا تاريخيًا كانت تنتقل عبر البحر الأحمر، لكن الآن 90% من تلك الحركة تتجه حول إفريقيا. وبسبب الاضطراب، ارتفعت أسعار الشحن البحريّ من شنغهاي إلى أوروبا بأكثر من 300% في الفترة من نوفمبر إلى يناير، وفقًا لبورصة شنغهاي للشحن، ما يشكل تحدّيًا كبيرًا للمصدّرين الصينيّين في اقتصاد متباطئ بالفعل. كما تخسر مصر ملايين الدولارات يوميًا بسبب انخفاض حركة المرور في قناة السويس في الطرف الشماليّ للبحر الأحمر.طموحات عالمية وفي العام الماضي، توسطت بكين في تقارب تاريخيّ بين المملكة العربية السعودية وإيران، لكنّ وقف هجمات "الحوثيّين" قد يكون مهمة شائكة بالنسبة للصين، كما يقول المحللون. وكانت الصين أكبر شريك تجاريّ لإيران على مدى العقد الماضي، وتشتري 90% من صادرات النفط الإيرانية. لكنّ مدى إمكانية ترجمة ذلك إلى نفوذ، سيكون بمثابة اختبار لرأس المال السياسيّ في بكين. كما أثار تصاعد الصراع في الشرق الأوسط تساؤلات حول مبادرة الأمن العالميّ التي أطلقها شي جين بينغ، والتي روجت لها بكين باعتبارها "حلولًا صينية وحكمة لحل التحديات الأمنية". وتدعو المبادرة، التي أطلقها شي في عام 2022، إلى مجموعة من المبادئ العريضة للسياسة الخارجية الصينية، بما في ذلك "حل الصراعات من خلال التنمية والقضاء على الأرض الخصبة لانعدام الأمن". وقد حظي هذا المفهوم بقبول جيد بين الحكومات الإقليمية التي أرادت التنمية الاقتصادية والمزيد من الاستثمار الأجنبيّ المباشر. وفي أغسطس، أعلن وانغ، كبير الدبلوماسيّين الصينيّين، أنّ "موجة المصالحة" تجتاح الشرق الأوسط بمساعدة الصين. ولكنّ هذه الرواية تحطمت بعد مرور أكثر من شهر بقليل، عندما أطلقت "حماس" هجومها على إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى إغراق المنطقة في تجدد الصراع.(ترجمات)