احتجزت محكمة عسكرية في 29 أغسطس الماضي النائب السابق لوزير الدفاع الروسي بافيل بوبوف، على خلفية اتهامات بالاحتيال. وكانت هذه الخطوة هي الأحدث في سلسلة من الخطوات من جانب هيئة إنفاذ القانون الروسية ضد كبار مسؤولي الدفاع.وقال المحلل الروسي نيكولاي بتروف، وهو زميل استشاري في برنامج روسيا وأوراسيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني "تشاتام هاوس" وأستاذ في قسم العلوم السياسية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، إن "القيادة العليا لوزارة الدفاع الروسية ينتابها القلق منذ أبريل الماضي ،عندما تم اتخاذ القرار بإقالة سيرغي شويجي من منصبه كوزير للدفاع، وفقد 10 أشخاص مناصبهم، وتم القبض على 8 منهم.وأضاف بتروف، وهو أيضا أستاذ في قسم العلوم السياسية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو في تقرير نشره معهد "تشاتام هاوس"، أن المسؤولين الذين تم استهدافهم متهمون بممارسة أنشطة غير قانونية مرتبطة بالقيام بأعمال خاصة بالوزارة لأغراض شخصية أو للحصول على رشاوى كجزء من عملية التعاقدات الدفاعية.ويتعلق عامل يربط 3 من الحالات على الأقل، ببناء المتنزه الوطني الذي يتضمن الكاتدرائية الخاصة بالقوات المسلحة الروسية. وتم تشييد المتنزه على عجل ولذا غض الكرملين في البداية الطرف عن النشاط غير القانوني، معطيا الأولوية لاستكمال البناء بسرعة. والآن بعدما تم الانتهاء من البناء، هناك وقت لإجراء التحقيقات، وأحد المقبوض عليهم هو فياشيسلاف اخميدوف، مدير المتنزه. وهذه هى أنماط الاتهامات الي يمكن توجيهها ضد أي مسؤول عسكري برتبة كبيرة متورط في أنشطة تجارية، ولذا ينبغي أن يكون اختيار الأفراد بناء على أسباب تتجاوز التهمة المزعومة عن هذه الجرائم المحددة.والسؤال هو ما هى أهداف التطهير؟ أولا، بوتين مستاء من طريقة أداء وزارة الدفاع خلال الحرب على أوكرانيا وهذا يتطلب عقابا.ثانيا، فبدلا ببساطة من استبدال شويجو الذي يشغلى أعلى منصب في الوزارة، هناك بوضوح جهد مستمر لاستبدال كل طاقمه. وبدأت عملية التطهير بالنائب السابق للوزير تيمور إيفانوف وانتهت الآن على الأقل، بالنائب السابق للوزير بوبوف. وعمل الاثنان مع شويغو قبل تعيينه وزيرا للدفاع، وكان الأول منذ 2012 والثاني منذ 1996.وثالثا، تهدف إقالة مسؤولي الدفاع رفيعي المستوى والقبض عليهم إلى التنفيس عن الغضب بين كل من المواطنين والجيش عقب الاحباطات في ميادين القتال والاخفاقات في الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، ومن ثم يعد التطهير نوعا من الشعبوية، حيث يكون المسؤولون المقبوض عليهم كبش فداء.ورابعا، يهدف التطهير إلى زرع الخوف والحفاظ على الكفاءة النسبية في نظام ليس به منفذون محايدون حقيقيون للقواعد، على سبيل المثال المحاكم، ويفتقر إلى الإشراف الذي توفره المنافسة السياسية العامة الحقيقية.المؤسسات الروسية تحت السيطرةوكنهج عام، لايوجد حقيقةً أي شئ جديد هنا. فالكرملين لديه سجل هائل بشأن جعل المجموعات أو المؤسسات تحت السيطرة، من خلال استبدال قادتها أو كبار أعضائها.وكان هذا هو الحال بصفة خاصة عقب عودة فلاديمير بوتين للرئاسة عام 2021، وخصوصا بعد ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، عندما تقلص اعتماد بوتين على النخب بشكل كبير، وزاد اعتمادهم عليه. ويعد مثل هذا الانضباط للمؤسسات واضحا بشكل خاص في تلك المؤسسات المرتبطة بقضايا الدفاع والأمن، لأنها الأكثر أهمية للكرملين للاحتفاظ بالسلطة. وعلى سبيل المثال، تم استبدال شويغو ليجل محله اناتولي سيرديوكوف وزيرا للدفاع في عام 2021، واستبدال دميتري كوشنيف وحل محله إفجيني موروف كرئيس لجهاز الحماية الفيدرالي في عام 2016، وإيجور كراسنوف ليحل مجله يوري شايكا كنائب عام في عام 2020.ويتمثل الهدف الرئيسي في ضمان أن تخدم المؤسسات مصالح الكرملين ولا تتحول إلى شركات شخصية لرؤسائها.ويعني تعيين اندريه بيلوسوف أن الكرملين لديه وزير دفاع جديد بدون طاقمه، وبالتالي يمكن السيطرة عليه بشكل كبير و يكون غير قادر على تشكيل المؤسسة كإقطاعية له.غير أنه من غير المرجح أن يتم القبض على شويغو نفسه، وهو يعيش الآن في رفاهية ولكن حريته مقيدة، حيث يشغل منصبا كبيرا كأمين عام مجلس الأمن القومي، ولكن ليس أمامه فرصة لتجنيد أشخاص من طاقمه السابق أو ممارسة نفوذ كبير.ولم يعد شويغو يحظى بدعم الكرملين ولكن هذا ليس سببا كافيا للقبض عليه، فتشتيت طاقمه يؤدي إلى تحييده بشكل كاف .من يقوم بتنسيق هذا التطهير؟ في نهاية الأمر هو بوتين، ولكنه ليس الشخص الوحيد. وفي داخل الإدارة الرئاسية، هناك 3 أشخاص مسؤولون عن القرارات الشخصية، وهم دميتري ميرونوف وأنطون فاينو وماكسيم ترافنيكوف. وعندما نتحدث عن مساعدة الكرملين في تنسيق هذا التطهير، فإن هؤلاء الأفراد هم المشاركون في العملية.ويشارك جهاز الأمن الفيدرالي أيضا. وتريد وزارة الدفاع أن يتحمل الجهاز بعض المسؤولية عن الانتكاسات العسكرية في أوكرانيا، ولكن طبيعيا لا يريد الجهاز المشاركة في تحمل اللوم.ويجمع الجهاز بشكل روتيني معلومات مسيئة وضارة عن جنرالات الجيش لاستخدامها حال كانت هناك حاجة لممارسة الضغط، ويبدو أنه تم استخدام مثل هذه المادة في هذا التطهير.وهناك أيضا منافسة شرسة على المناصب والموارد داخل الوزارة. ومن المرجح أن تكون هذه المنافسة قد تسببت في زيادة إضعاف طاقم شويغو .ويعزز بوتين سيطرته على النخبة من خلال دمج المؤسسات شبه المستقلة السابقة في هيكل هرمي واحد يتربع على قمته. وواحد من العوامل الرئيسية وراء هذه السيطرة المركزية المتزايدة هو رغبة في الاستحواذ على مزيد من السلطة المباشرة على استخدام أموال الميزانية الضخمة المخصصة للجهد الحربي.واختتم بتروف تقريره بالقول إن "الكرملين يفعل هذا اليوم ليخطط لحرب ومواجهة عسكرية طويلة مع الغرب. وفي الوقت الذي تتواصل فيه الحرب ربما سيستمر التطهير على هذا النحو، وهذا يعني أن يظل كبار مسؤولي الدفاع متأهبين ومستعدين لأي شئ".(د ب أ)