على ما يبدو أنّ هناك تفاؤلا يسيطر على الخبراء السياسيين والمراقبين، لما ستحمله القمة العربية التي ستُعقد في الرياض الشهر الجاري، خصوصا مع استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية بعد قطيعة استمرت لأكثر من 12 عاما. وتأتي قمة جامعة الدول العربية في دورتها العادية الـ32 هذا العام، وسط احتفاء عربي واسع بعودة دمشق مرة أخرى، وجهود واتصالات دبلوماسية حثيثة لمنع تفاقم الأزمة في السودان وتدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية. المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية الدكتور سالم اليامي يقول خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إنّ أهمية هذه القمة تكمن في أنها تأتي تزامنا مع ظروف إيجابية يطغى عليها أجواء المصالحات، والسعي للبحث عن حلول عملية لمشاكل العالم العربي السياسية والتنموية والاقتصادية. ويؤكد هذا أيضا المحلل السياسي السعودي وعميد كلية الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله الرفاعي، والذي يقول لمنصة "المشهد"، إنّ "تطورات المنطقة والترتيبات السياسية والأمنية التي تقودها السعودية، ستكون حاضرة بقوة في قمة الرياض". ثقل المملكة ويؤكد الخبراء والمراقبون في حديثهم مع منصة "المشهد"، أنّ قمة الرياض لها أهمية خاصة وتأثير كبير على الواقع، وذلك بالنظر إلى الثقل السياسي والاقتصادي للسعودية على المستويين الإقليمي والدولي، مشيرين إلى أنها ستتضمن أهدافا أكثر وضوحا، ومخرجات يمكن تطبيقها على أرض الواقع، لا سيما أنها القمة الثانية التي تُعقد منذ عام 2019. واستضافت الجزائر القمة العربية في دورتها العادية في نوفمبر 2022، بعد عامين من التوقف نتيجة جائحة "كوفيد-19"، إذ نتج عنها مجموعة قرارات لا تختلف في مضمونها كثيرا عن قرارات أغلب القمم السابقة، والتي كان من بينها متابعة تطورات القضية الفلسطينية وتفعيل مبادرة السلام العربية، والحفاظ على الأمن القومي العربي والتعاون المشترك. لهذا يقول خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة الدكتور أحمد سيد أحمد، في حديثه مع منصة "المشهد": "ربما قمة الرياض سيكون لها طابع مختلف على خلاف القمم العربية السابقة والتي كان أخرها قمة الجزائر". ويضيف أحمد: "أعتقد أنّ قمة الرياض ستركز على ما هو أكثر من إصدار بيانات مُكررة تتعلق بعشرات القضايا العربية (..) وسيكون هناك توجه نحو اتخاذ قرارات يمكن تنفيذها على أرض الواقع، مع التركيز على بعض القضايا المهمة ذات الأولوية، بهدف تحقيق الاستقرار وتسوية الأزمات المشتعلة في المنطقة". ويعتبر عميد كلية الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، "أنّ ما يعزز التفاؤل بنجاح القمة الحضور الدولي للمملكة كصانع سياسات على المستوى العالمي، وتبنّي السعودية لمشروع التنمية العربي من خلال تطوير مفهوم الأمن القومي العربي وتعزيزه". ويعوّل الكثير في المنطقة العربية على قمة الرياض، باعتبارها قمة "التصحيح العربي"، بحسب ما يقول الباحث والمحلل السياسي السعودي الدكتور مبارك آل عاتي، خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إذ يؤكد أنّ بلاده تجري استعدادات على قدم وساق لترتيب ملفات القمة والإعداد لها جيدا، حتى تصير "قمة مفصلية في تاريخ العمل العربي المشترك". ويضيف: "حرصت المملكة على الاستعداد الجيد لهذه القمة من خلال إعادة ترميم البيت العربي ومعالجة العلاقات العربية(..) ومن ثمّ سيكون هناك تباحث حول كل الملفات التي تؤدي إلى تقريب وجهات النظر". بدوره، يقول عميد كلية الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: "لعلّ القمم العربية مع القوى الكبرى التي تمت في جدة مع الرئيس الأميركي، وقمة الرياض مع الرئيس الصيني، تعطي مؤشرات مهمة لمستوى التنسيق العربي، ولذلك هناك تفاؤل بخروج القمة بقرارات تعزز الأمن والشراكة العربية". وخلال السنوات القليلة الماضية شاركت المملكة بدور فاعل في تعزيز العلاقات العربية الدولية، حيث استضافت مدينة جدة في يوليو 2022، قمة جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة إلى جانب الأردن ومصر والعراق، وذلك في أول زيادة للرئيس الأميركي جو بايدن منطقة الشرق الأوسط، ومن بعدها القمة العربية الصينية في الرياض قبل نحو 6 أشهر بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ. احتفاء بعودة سوريا بعد أيام من تصويت وزراء الخارجية بجامعة الدول العربية لصالح إلغاء تعليق عضوية سوريا، لا يستبعد الخبراء والمراقبون أن يترأس الرئيس السوري بشار الأسد وفد بلاده خلال قمة الرياض، حيث يقول الدكتور عبدالله الرفاعي: "أتوقع مشاركة الرئيس السوري لقيمة سوريا الكبيرة في الأمن القومي العربي". ويتفق مع ذلك أيضا الدكتور مبارك آل عاتي، والذي يؤكد أنّ "الدبلوماسية العربية والسعودية نشطت خلال الفترة الماضية لصالح معالجة الملف السوري وإعادتها لمحيطها العربي، من خلال وضع خريطة طريق عربية تحفظ سيادتها باعتبارها وطنا لكل السوريين". ويضيف: "عودة سوريا إلى مكانها الطبيعي في جامعة الدول، هو عودة كدولة وليس كرئيس، وهذا هو الأهم (..) أعتقد هناك حرص سعودي على أن تكون سوريا ممثلة في هذه القمة طبقا لما توصل إليه وزراء الخارجية العرب. ولكني أرى كمراقب أنّ السعودية تحرص على حضور الرئيس السوري". من جهته يرى خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنّ سوريا ستكون حاضرة بقوة في القمة العربية، ما يؤكد عودتها إلى محيطها العربي، قائلا: "الفرضيات تشير إلى إمكانية مشاركة الرئيس الأسد. وهو الأمر الأكثر ترجيحا، خصوصا وأنه سيكون بمثابة تتويج للجهود العربية التي بُذلت خلال الأشهر الماضية لعودة دمشق إلى الجامعة بعد قطيعة استمرت لأكثر من عقد، وترتب عليها تداعيات سلبية وتدخل قوى إقليمية لملء الفراغ على حساب المصالح العربية". على النقيض من ذلك يتوقع المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية خلال حديثه، أن يمثل وزير الخارجية السوري بلاده خلال قمة الرياض. لكنه عاد ليقول: "مع تسريع عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، تولّد انطباع بأنّ كل ذلك تمهيد منطقي لعودة الرئيس السوري لتمثيل بلاده في القمة. ومع ذلك فإنّ الأمر المهم هو تجاوز العرب الأزمة السورية". ويرى الدكتور سالم اليامي أنّ قمة الرياض ستشهد إصدار قرارات ذات صلة بالحل السياسي في سوريا، ومساعدتها في بناء خطة وطنية للمصالحة. وعلقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في نوفمبر من عام 2011 خلال اجتماع طارئ عقده وزراء الخارجية العرب في القاهرة، إلى حين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية لحل الأزمة، التي تحولت في ما بعد إلى حرب أهلية، حيث فشلت بعض الأصوات داخل الجامعة في السنوات اللاحقة لتعليق العضوية، في حشد توافق حول إمكان شغل ائتلافات المعارضة مقعد سوريا وهو ما لم يحدث. السودان حاضر بقوة سيتزامن مع انعقاد قمة الرياض مرور ما يزيد عن شهر تقريبا على اندلاع القتال بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والذي أسفر حتى اللحظة عن سقوط ما يزيد عن 700 قتيل وآلاف الجرحى إلى جانب نزوح 700 ألف شخص. وتستضيف مدينة جدة السعودية حاليا مفاوضات وقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين في السودان، لكنّ وكالة "فرنس برس" ذكرت قبل يومين نقلا عن مصادر دبلوماسية، أنّ المفاوضات لم تحرز "تقدما كبيرا حتى الآن". ويتفق الخبراء والمحللون خلال حديثهم مع "المشهد"، على أنّ الاضطرابات السودانية ستكون الملف الأبرز خلال قمة الرياض، إذ يقول المحلل السياسي وعميد كلية الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عبدالله الرفاعي: "أوضاع السودان ستكون حاضرة باعتبارها أخطر تهديد للأمن القومي العربي". ويقول المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية الدكتور سالم اليامي، إنّ القمة ستكون فرصة لمناقشة الوضع في السودان باستفاضة، لكنّ "القناعة العامة تقول إنّ العرب لم يستطيعوا مساعدة السودان للخروج من مأزق الحرب، ما لم يسارع السودانيون قبل غيرهم بالقبول بحلول سلمية ترضي الجميع، وتزيل شبح الحرب والتقسيم الذي يخيّم على بلادهم". وعلى عكس هذه النظرة المتشائمة، يعتبر الباحث والمحلل السياسي الدكتور مبارك آل عاتي، أنّ "الأزمة السودانية من أبرز الملفات الشائكة والمؤلمة والمؤرقة للدول العربية في الوقت الراهن(..) وقمة الرياض تستطيع خلق وجهة نظر عربية موحدة لجمع الأفرقاء في الخرطوم ووقف إطلاق النار وبدء مفاوضات سياسية شاملة". ويضيف آل عاتي: "القمة ستعمل على إيجاد حلول لما يشهده السودان وفق رؤية عربية موحدة، خصوصا وأنّ المملكة تقوم بجهود دبلوماسية وإنسانية كبيرة وملموسة في الوقت الراهن، وجمعت الفرقاء على طاولة تفاوض واحدة(..) والجامعة العربية يجب أن تأخذ زمام المبادرة في هذا الملف، لقطع الطريق على الدول التي تريد إدارة الأزمة السودانية طبقا لمصالحها والارتزاق السياسي من هذه الأزمة(..) لذا يجب أن يكون هناك حل عربي يتوافق عليه الجميع". وعن إمكان ترؤس قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان وفد بلاده باعتباره رئيس المجلس السيادي، يرى المستشار السابق في الخارجية السعودية، أنّ "من الطبيعي أن يحدث ذلك لأنه هو الرجل الأكثر تمثيلا للسودان خارجيا منذ ثورة 2019"، مضيفا: "أعتقد أنها فرصة للبرهان لإقناع القيادات العربية بوجهة نظر الجيش، الذي يُعتبر نظريا صمام أمان للسودان ويحافظ على وحدة أراضيه في مواجهة التيارات الجديدة التي تنافس على السلطة، وبعض القوى الأخرى التي برزت على السطح مؤخرا".(المشهد)