في اجتماع اقتصادي بالمقام الأول، حيث يشارك فيه وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية، تم التطرق بشكل واضح للأزمة الجيوسياسية في شرق أوروبا، حيث فشلت مجموعة الدول العشرين السبت، في صياغة بيان ختامي بشأن الأزمة الأوكرانية في ختام اجتماعاتها، وسط اعتراض روسي-صيني لتوصيف ما يحدث على أنه "حرب".ونشرت الهند التي تترأس مجموعة العشرين في دورتها الحالية، "ملخصا" للمناقشات في ختام الاجتماعات من دون بيان مشترك، إلا أن النص أشار إلى "إدانة أعضاء المجموعة بشدة الحرب في أوكرانيا، مع تقييمات مختلفة للوضع والعقوبات"، متضمنا أيضا ملاحظة توضيحية بأن الصين وروسيا فقط لم توافقا على فقرتين تتعلقان بأوكرانيا.ومجموعة العشرين هي منتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي تأسس في عام 1999، بعد الأزمة المالية الآسيوية، ويتكون من 19 دولة من بينها الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى جانب الاتحاد الأوروبي، حيث تهدف إلى تعزيز التنمية والحوكمة في جميع القضايا الاقتصادية الدولية الرئيسية.ويرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أن أمر قواته بالتحرك نحو أوكرانيا في 24 فبراير 2022، بتوصيف ما يحدث على أنه حرب أو غزو، حيث يشدد دائما على أنها "عملية عسكرية خاصة"، وتؤكد ذلك كل البيانات والخطابات الرسمية وكذلك وسائل الإعلام المحلية. في المقابل، تُصر الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين على توصيف الأزمة باعتبارها غزوا أو حربا، إذ يسعون دائما إلى حشد التأييد في مختلف الاجتماعات والمحافل الدولية ضد موسكو، والتي كان آخرها تأييد الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة قرارا يدين "الغزو الروسي لأوكرانيا المستمر منذ نحو عام" وفق البيان الصادر. لماذا تعترض موسكو؟خبراء ومحللون سياسيون تحدثوا مع منصة "المشهد" اعتبروا أن توصيفات الأزمة أمر هام لما له انعكاسات في الوقت الراهن على الدعم الغربي الواضح لأوكرانيا، وكذلك التأثيرات في مستقبل الصراع وما سينتج عنه، إذ يقول من لندن المحلل السياسي عمار وقاف: "بالنسبة لموسكو، توصيف العملية على أنها حرب يعني أنها لن تنتهي إلا بهزيمة الطرف الآخر (..) فيما، توصيفها كعملية عسكرية محدودة يمكن أن ينتهي بقبول الطرف الآخر لواقع جديد بسبب عدم قدرته على المقاومة، مع احتفاظه بكينونته". ويضيف وقاف في حديثه مع منصة "المشهد": "عندما تقول موسكو إن ما يحدث هو عملية عسكرية محدودة الأهداف، فإن هذا يعني أنها تترك مجالا لعلاقات مستقبلية مع الحكومة الأوكرانية (..) أي أنها لا تستهدف أوكرانيا ككيان أو كبلد، وهي تفتح مجالا لعلاقات ما بعد الصراع، إلا أنها لم تعد مستعدة لتقبل المساومة على مأساة المواطنين ذوي الأصول الروسية داخل الأراضي الأوكرانية".ويتفق مع وقاف، خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة أحمد سيد أحمد، والذي يعتبر إصرار روسيا على توصيف المعارك في أوكرانيا بـ"العملية الخاصة المحدودة" أنه أمر هام نظرا لما قد يترتب على وصف "حرب" من تداعيات قانونية وسياسية وعسكرية داخليا وخارجيا.وقال أحمد: "التداعيات القانونية لتوصيف الحرب أو الغزو يُجبر مجلس الأمن والشرعية الدولية للتدخل بشكل رسمي لرد العدوان أو الحرب، كما ستكون موسكو ملزمة بتعويض أوكرانيا بشكل واضح ما بعد الحرب (..)، فيما من الناحية العسكرية يعني توصيف الحرب الاستنفار وإعلان حالة الطوارئ في روسيا، وتعبئة كاملة للجيش الروسي، وهذا على عكس ما قامت به روسيا من تعبئة جزئية، ولأكثر من مرة خلال العام الماضي". إعلان حالة الحربفي سبتمبر الماضي، وبعد مرور أكثر من 7 أشهر على المعارك الدائرة في الأراضي الأوكرانية، أعلن الرئيس الروسي عن "تعبئة جزئية" للقوات، حيث شملت ضم 300 ألف جندي من قوات الاحتياط التي يقترب عددها من 25 مليون شخص. ويعتبر الباحث السياسي الروسي أندريا مورتاجن، في تصريحات لمنصة "المشهد"، أن التعبئة الجزئية للقوات دليل واضح على أن موسكو لا تتعامل مع المعارك الدائرة في أوكرانيا على أنها حرب، قائلا: "روسيا لا تعتبرها حربا، لأنه في هذه الحال سيتم إعلان حالة الحرب داخل البلاد، مما يعني التعبئة كاملة للقوات المسجلة في قوائم الاحتياط، وحل الأحزاب السياسية أو تعليق نشاطها، وفرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام (..) وهذا لا لم يحدث في البلاد إطلاقا". ويضيف الباحث الروسي: "الحرب تهدف إلى إسقاط النظام وتغيير الحكام. وروسيا لم تعلن من قبل أنها تريد إسقاط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (..) هناك مهمة أخرى تتمثل في إجباره على السلام وفق شروط روسيا".وذكرت تقارير صحفية قبل شهر، أن بوتين قطع وعد بعدم قتل نظيره الأوكراني، حيث أشار إلى ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، والذي قام بوساطة لفترة وجيزة في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا.حشد الدعم ويشدد الغرب على توصيف الصراع على أنه غزو أو حرب من أجل حشد الدعم الشعبي الكافي الداخلي في لتحمل أعباء فاتورة مساعدة أوكرانيا. كما من جهة أخرى، يستهدف هذا التوصيف إثارة دول قريبة من روسيا قد تعتقد أنها بحاجة للمحافظة على صلة معينة بها، وهذا يعني أنه ليس بالضرورة ستقف التحركات عند حدود معينة ويجب أن تشعر بالتهديد وتشارك حتى في الدعم، حسبما يقول وقاف الذي يضيف أيضا: "هذا يضمن عزل روسيا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا".ومنذ العام الماضي تفرض الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا والأشخاص والكيانات الداعمة، كان آخرها ما أعلنه الاتحاد الأوروبي قبل يوم، من عقوبات تشمل حظر مكونات إلكترونية دقيقة، وقيودا أكثر صرامة على 96 كيانا منها 7 كينات إيرانية تُصنع طائرات عسكرية مسيّرة.ويؤكد خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن توصيف الحرب بالنسبة للدول الغربية يمثل أهمية كبيرة ويمنحها المشروعية للتدخل في الصراع ومساعدة أوكرانيا عسكريا واقتصاديا، قائلا: "هذا التوصيف يفسره الحشد والدعم العسكري اللامحدود الذي يقدمه الغرب وحلف شمال الأطلسي (..) ومن ناحية أخرى يعطي مشروعية للعقوبات التي يفرضونها على روسيا باعتبارها إحدى الأدوات لمواجهة العدوان".وبلغت إجمالي المساعدات العسكرية والاقتصادية من واشنطن ودول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي منذ اندلاع الصراع وحتى منتصف يناير الماضي نحو 128 مليار يورو (135 مليار دولار)، وفق ما نشر معهد الأبحاث "كيل للاقتصاد العالمي" بـألمانيا.ويضيف أحمد: "سوف يستمر كل طرف في الإصرار على توصيف ما يحدث من منظوره الخاص. روسيا تعتبرها عملية عسكرية خاصة لتجنب التبعات الاقتصادية والسياسية والقانونية الكبيرة.. والغرب يصر على أنها غزو وحرب شاملة لمواصلة الدعم لكييف وعزل موسكو وإلحاق الهزيمة بها". ما الفرق بين التوصيفات؟ وفق الخبراء والمحللين الذين تحدثوا لـ"المشهد"، فإن هناك اختلافات في توصيفات "العملة العسكرية والحرب والغزو"، وهي كالتالي: الغزو هو حروب غير مشروعة يستهدف من خلالها استعمار أو احتلال أراضي الدول الأخرى أو السيطرة عليها وعلى مواردها.فيما يُعنى بتوصيف الحرب على أنها عملية عسكرية شاملة تستنفر فيها كل القوات المسلحة والقدرات العسكرية والاقتصادية، بهدف تحرير أراض محتلة أو لرد عدوان والدفاع الشرعي ضد دولة معتدية، وهذه يقرها ميثاق الأمم المتحدة. يوجد نوع آخر من الحروب وتبنته الولايات المتحدة وأصبغته بصفة المشروعية، ويُطلق عليها "الحروب الاستباقية" والتي تهدف لمنع تهديدات محتملة في المستقبل مثل حرب أفغانستان وحرب العراق.وأخيرا، العملية العسكرية هي إجراء عسكري محدود بطبعه ويكون في نطاق جغرافي ضيق وبشكل جزئي ومحدد الأهداف، ولا تتطلب حشدا عسكريا واسع النطاق. (المشهد)