يعيش قطاع الصحة بالمغرب على صفيح ساخن واحتقان غير مسبوق حيث يخوض مهنيو الصحة إضرابًا شاملًا بجميع المؤسسات الصحية العمومية وذلك بسبب مايقولون إنه تعنت الحكومة المغربية في الاستجابة لمطالبهم، وتنكرها للاتفاق المبرم بين النقابات الصحية من جهة وبين الحكومة والوزارة الوصية من جهة أخرى.وفي الوقت الذي لم تقدم فيه الحكومة المغربية أي حل لأزمة الإضراب المتواصل في قطاع الصحة، قرّر مهنيو القطاع خوض إضراب متواصل لأسابيع، حيث سيتم شل جميع المؤسسات الصحية العمومية. احتجاجات الأطباء والممرضين في المغربوتشهد المؤسسات الصحية بالمغرب منذ شهور احتجاجات وإضرابات متواصلة من طرف مهنيي الصحة، كان آخرها الإضراب الشامل الذي شلّ جميع المؤسسات الصحية العمومية، باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش، ردًا على تجاهل الحكومة المغربية لمطالب الشغيلة الصحية واستمرار سياسة الآذان الصماء التي تواجه بها مطالبهم. ويبرّر مهنيو الصحة إضرابهم عن العمل بأسباب عدة أبرزها عدم الاستجابة لمطالبهم التي تتجلى في: تحسين ظروفهم المهنية والاجتماعية والحفاظ على مكتسبات الوظيفة العمومية التي ينتمون إليها.ناهيك عن إقرار مكتسبات وتحفيزات جديدة بما في ذلك زيادة الأجور.وتوفير المزيد من الموارد البشرية الصحية من أطباء وممرضين وتقنيين للاستجابة للإقبال الكثيف على خدمات المؤسسات الصحية خصوصا بعد تعميم التغطية الصحية الشاملة بالبلاد.مبرر آخر جعل الكثير من مهنيي الصحة يخرجون للتظاهر ويقاطعون العمل بالمؤسسات الصحية العمومية طيلة شهور، ويتعلق برفضهم الإصلاح الجديد للمنظومة الصحية المغربية الذي تم إقراره من طرف الحكومة، معتبرين أنه يُهدد استقرارهم المهني ويُقلص من حقوقهم، بما في ذلك الامتيازات التي تضمنها الوظيفة العمومية، وتُطالب النقابات بإشراكها في عملية الإصلاح بشكل أكبر.قصة الإضرابويعود أصل الاحتقان إلى بداية السنة الحالية حينما طالبت النقابات الصحية الوزارة الوصية بالزيادة في أجور المهنيين الصحيين وتسوية أوضاعهم الإدارية من ترقيات وتعويضات إضافية، فضلا عن إشراكهم في مختلف مراحل الإعداد للأنظمة القانونية والإدارية التي ستؤطر المنظومة الصحية المغربية التي دخلت في إصلاح شامل وعميق بتوجيهات من عامل البلاد.في يناير الماضي، توصلت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية والنقابات الممثلة لمهنيي الصحة إلى اتفاق يقضي بإقرار زيادة في أجور العاملين في القطاع الصحي العمومي، مقابل تعليق الإضرابات. حيث تم توقيع محضر بين الطرفين وبحضور ممثلين عن الوزارات المعنية ورئاسة الحكومة، وينص على: زيادة عامة في الأجر الثابت قيمتها 1500 درهم صافية لفائدة أطر هيئة الممرضين وتقنيي الصحة والممرضين المساعدين والممرضين الإعداديين.زيادة عامة في الأجر الثابت قيمتها 1200 درهم صافية، لفائدة مهنيي الصحة من فئات المساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، التقنيين والمحررين، تقنيي النقل والإسعاف الصحي، مساعدي طب الأسنان والمساعدين في العلاجات، المتصرفين، المهندسين. تحسين شروط الترقي لفائدة مهنيي الصحة، في إطار إعداد النصوص التطبيقية للوظيفة الصحية.إحداث درجة جديدة لجميع فئات مهنيي الصحة اعتبارا من سنة 2026.إقرار إجراء مباريات مهنية داخلية حسب حاجيات القطاع من الكفاءات في المجال الصحي.الرفع من قيمة التعويضات عن الحراسة والإلزامية والمداومة لفائدة مهنيي الصحة.صرف تعويض خاص بالعمل في البرامج الصحية والعلاجات المتنقلة، وعن العمل باللجان الطبية الإقليمية كل 3 أشهر.إحداث تعويض لفائدة مهنيي الصحة عن المهام المرتبطة بتأطير طلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان وطلبة المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، وكذا متدربي معاهد التكوين المهني في الميدان الصحي.دراسة توحيد نظام التقاعد لجميع مهنيي الصحة في إطار الصندوق المغربي للتقاعد.إضافة إلى إجراءات أخرى لها أثر مالي وإداري على وضعية بعض مهنيي الصحة ووضع أنظمة أساسية خاصة لفائدة جميع مهنيي الصحة وتسوية ملف الأخطار المهنية لفئة الأساتذة الباحثين الموظفين بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية.اتفاق معطلوبعدما كان مهنيو الصحة يمنون النفس بتنفيذ مضامين هذا الاتفاق من طرف الحكومة، إلا أن الأخيرة لم تقم بذلك، ليظل الاتقاف معطلًا إلى حين، خصوصًا بعد الإعلان عن نتائج الحوار الاجتماعي المركزي قبل عيد العمال الماضي، والذي أقر مجموعة من الامتيازات لفائدة موظفي القطاع العام، لكنها استثنت مهنيي الصحة، وهو ما أفاض كأس الاحتقان بالقطاع، ليقرر العاملون الصحيون الدخول في إضراب مفتوح عن العمل بالمؤسسات العمومية إلى غاية تحقيق مطالبهم، قبل أن تتراجع الحكومة عن هذا الاستثناء يومه الخميس 11 يوليو 2024 بإضافة الممرضين ومهنيي الصحة إلى قائمة المستفيدين من هذه الزيادة.وصادقت الحكومة المغربية الخميس على إدراج الممرضين وتقنيي الصحة ضمن الزيادة العامة في الأجور عبر المصادقة على تعديل المرسوم الخاص بالنظام الأساسي لهيئة الممرضين و تقنيي الصحة.وتتّهم النقابات الصحية الحكومة بالتسويف وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة والتي تم قبولها والموافقة عليها من طرف الوزارة الوصية في يناير الماضي بعد جلسات مفاوضات طويلة، حيث تم التوافق على حملة من المطالب وإرجاء أخرى إلى جلسات حوار مقبلة.تصعيد جديد ويوم الأربعاء الماضي نظم مهنيو الصحة بمختلف فئاتهم مسيرة احتجاجية سليمة بالعاصمة الرباط، لكنها قوبلت بالتفريق باستخدام القوة العمومية واعتقال بعض المتظاهرين، وهو ما أدى بالنقابات إلى التصعيد في وجه الحكومة، إذ في الوقت الذي كانت أيام الإضراب لا تتعدى 3 أيام في الأسبوع، قررت النقابات الصحية خوض إضراب مفتوح طيلة أيام العمل الرسمية برفع عدد أيام الإضراب إلى 5 أيام خلال ما تبقى شهر يوليو، ومقاطعة مقاطعة تقديم الخدمات الصحية بمختلف المؤسسات الصحية ما عدا أقاسم المستعجلات ومصالح الإنعاش.يُضاف إلى ذلك مقاطعة إجراء العمليات الجراحية غير المستعجلة، والمشاركات في البرامج الصحية وكل ما يدخل في مجال اختصاص الصحة العمومية. ويهدف مهنيو الصحة المضربين عن العمل من خلال ذلك إلى الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم. ويقول أنوار العلمي، وهو ممرض متعدد التخصصات يعمل أحد المراكز الصحية العمومية بمدينة فاس إن استمرار الحكومة في تجاهل مطالب الشغيلة الصحية وعدم الوفاء بالتزاماتها سيزيد الوضع احتقانا أكثر مما هو عليه الآن، والمواطن هو من يؤدي ضريبة هذه السياسة الحكومية. ويضيف العلمي في حديث لمنصة "المشهد" أن القطاع يعرف شللاً تامًا بداية من اليوم الخميس إلى غاية استجابة الحكومة لمطالب المهنيين، وإشراكهم في تدبير الشكل الجديد للمنظومة الصحية عوض فرض الأمر الواقع عليهم.المواطن ضحية من جهة أخرى، يرى الناشط في إحدى النقابات الصحية المضربة نجيب الشيخ أن الاستمرار في تجاهل مطالب مهنيي الصحة لا يخدم مصلحة أي طرف، وبالتالي فالمواطن هو من يؤدي ثمن هذا الصراع، إذ إن هناك الكثير من المرضى يعانون من دون رعاية صحية بسبب توقف الخدمات بالمؤسسات الصحية العمومية. ويؤكد الفاعل النقابي أن عدم إشراك مهنيي الصحة في وضع القوانين التي ستؤطر المنظومة الصحية وفرضها عليهم بقوة القانون أمر يدعو إلى الريبة والشك، مشيرا إلى أن القوانين الجديدة تتضمن بعض المقتضيات الغامضة التي تهدّد استقرار العاملين ومن ذلك تجريدهم من صفة الموظفين العموميين وجعلهم رهينة نظام جديد لا يعرفون عنه أي شيء.ويضيف الفاعل النقابي أن "وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وقعت على محضر اتفاق فيه مجموعة من النقاط وتنصلت الحكومة منه، وبالتالي فلن نتنازل قبل تنزيل الاتفاق بالكامل، كيف يعقل أنكم تصادقون على مراسيم القوانين من دون إشراك الفرقاء الاجتماعيين، وتذرون الرماد في العيون ومحاولة إسكاتنا بزيادة 100 درهم لن تسمن ولن تغني من جوع".وطالب المتحدثان الحكومة والقوى الفاعلة في المغرب بالتحرك من أجل إنقاذ القطاع من الشلل الذي يعرفه، والضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم المشروعة وعدم الاستمرار في سياسة التجاهل التي لن تزيد الأوضاع إلى سوء. حوار مرتقبوفي محاولة لتخفيف حدة التوتر القائم في المشهد الحالي، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس في تصريح صحفي عقب انعقاد مجلس الحكومة المغربية، أن وزير الصحة والحماية الاجتماعية سيلتقي مع النقابات الصحية في القريب العاجل لوضع حد لهذا الاحتقان.(المشهد)