منذ اندلاع حرب غزّة، سعت الولايات المتّحدة لمنع توسّع نطاق الحرب بين "حماس" وإسرائيل وتجنيب الأخيرة متاعب القتال على أكثر من جبهة، وسط قناعة شائعة بإمكانية الجيش الإسرائيلي من حسم المعركة لصالحه في حال بقاء نطاق المواجهة محدودة بقطّاع غزة. استخدمت واشنطن لتحقيق هذا الهدف التلويح بخيار القوّة، وذلك عبر إرسال حاملة الطائرات إلى سواحل المتوسط. لكن في الوقت ذاته أبقت قنوات التواصل الخلفية، ودبلوماسية الكواليس، نشطة لحثّ طهران على عدم دخول ساحة المعركة بشكل مباشر، وهو الحاصل حتى الساعة. لكن خطر التصعيد يتزايد بوتيرة متسارعة مؤخراً في أعقاب الغارة الإسرائيلية التي استهدفت القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري في معقل "حزب الله" الحليف لطهران في المنطقة، في العاصمة اللبنانية بيروت، في خطوة يتوقّع كثيرون ألّا تمر دون ردّ من الفصيل اللبناني المسلّح. كما اهتزّت طهران بتفجير إرهابي تبنّاه تنظيم "داعش" مستهدفاً تجمّعاً حاشداً لإحياء الذكرى الرابعة لوفاة قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، الذي قضى برفقة أبو مهدي المهندس بضربة أميركية في العراق عام 2020، في عملية اغتيال تكررت بالأمس مستهدفة مشتاق طالب علي السعيدي، زعيم حركة "النجباء"، ونائب قائد عمليات حزام بغداد. وبالتزامن مع الضربات التي تتلقاها القواعد الأميركية في العراق وسوريا، تتعامل واشنطن مع الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يطلقها "الحوثيون" في اليمن، حيث قتلت الأسبوع الماضي مجموعة "حوثية" كانت تحاول الصعود على متن سفينة تجارية والاستيلاء عليها في البحر الأحمر.فيما لا تزال هجمات "الحوثيين" تعيق الحركة التجارية في البحر الأحمر، وتجبر كبرى شركات الشحن العالمية على تحويل مساراتها التفافاً حول رأس الرجاء الصالح، ما يزيد من كلفة شحن البضائع والمدة الزمنية اللازمة لوصولها إلى وجهاتها النهائية.إيران توجع بهدف الابتزازتبدو الولايات المتحدة حريصة على حصر ضرباتها لوكلاء إيران في المنطقة في نطاق "الدفاع عن النفس" أو الرد على الهجمات مع الإبقاء على دبلوماسية القنوات الخلفية، على الرغم من عرض البنتاغون خيارات مختلفة للرئيس جو بايدن لضرب "الحوثيين" في اليمن. ويرى المحلل السياسي ومؤسس مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية د. علوان أمين الدين في حديث إلى منصة "المشهد" أن "الولايات المتّحدة ليست معنية بالمواجهة المباشرة مع إيران". ويشرح أمين الدين أن "واشنطن قامت برفع سقف الدَين العام إلى 30 تريليون دولار، كما أن الانتخابات على الأبواب، وهي تعيش فترة البطة العرجاء، إضافة إلى أن المزاج الداخلي الأميركي ليس مناسبا للدخول في حرب واسعة، وهو ما تبين في ردود أفعال الأميركيين على مواقع التواصل الاجتماعي". وبحسب أمين الدين، فإن "إيران تدرك هذه الحقيقة لذلك فهي تضغط على واشنطن أكثر"، واصفاً هذا الضغط بأنه "يوجع لكنه لا يقطع، وهو ابتزاز أكثر منه إحداث تأثير مباشر".الأنظار على لبنان مجدداً تشهد الحدود اللبنانية - الإسرائيلية جنوباً تصعيداً متزايداً، إذ كشف الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله في خطابه اليوم الجمعة عن تنفيذ مسلّحي الحزب لـ670 عملية ضد أهداف إسرائيلية في كلّ المواقع الحدودية. وفي بيان قبل ظهر اليوم، أعربت ألمانيا عن قلقها البالغ من خطورة حقيقية لتصاعد الصراع في المنطقة، وذلك قبل إيفاد وزير خارجيّتها إلى إسرائيل يوم الأحد. ويرى د. علوان أمين الدين أن الولايات المتّحدة تتفادى توسيع نطاق الحرب، "الموفدون إلى لبنان ينقلون رسائل مضمونها عدم تطوير الجبهة اللبنانية"، في إشارة إلى بقائها محكومة بقواعد الاشتباك الحالية. ويضيف أمين الدين "سحب واشنطن لحاملة الطائرات جيرارد فورد، يعني أنها تعتقد بأنها أدّت واجبها وانتهى دورها عند هذا الحد".النفوذ الإيراني في تصاعد اقترح السيناتور الأميركي توم كوتون "الانتقام الشامل" ضد الإيرانيين في العراق وسوريا، داعياً المرشح الرئاسي تيم سكوت إلى "مهاجمة إيران، وليس فقط المستودعات في سوريا" خلال مناظرات الجمهوريين. لكن كشف مسؤول أميركي كبير بالأمس عن اعتقاد واشنطن أن "الحوثيين" يريدون جر القوات الأميركية إلى اشتباك طويل الأمد، وأن خطر الرد الإيراني، على الرغم من أنه أقل احتمالا، إلا أنه يشكل مصدر قلق مستمر. هذه المخاوف جاءت غداة إرسال إيران سفينة حربية إلى جنوب البحر الأحمر هذا الأسبوع في إشارة واضحة لدعم "الحوثيين"، وذلك بعد يوم واحد فقط من قيام البحرية الأميركية بقتل مجموعة من المسلحين "الحوثيين". ويعتقد د. أمين الدين أن إيران "تتبع إستراتيجية تقوية الأطراف لحماية القلب (نفسها)، والنفوذ الإيراني في تزايد". شارحاً أن "إيران بات لديها العديد من الأذرع التي يمكن أن تستفيد منها، وهي تشرف على مضيق هرمز بشكل مباشر ومضيق باب المندب من خلال "الحوثيين" وقناة السويس بشكل أخف طبعاً من خلال "الجهاد الإسلامي"، لكن في حال تطوّر الأمور يمكن استهداف السفن قبل دخولها المياه الإقليمية المصرية". ويضيف "هذا الأمر مستبعد إلى حد كبير، لكن مع وجود احتمالية 1% علينا أن نأخذه بعين الاعتبار". وتهدد طهران من حين لآخر بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره 21% من النفط الخام في العالم، في خطوة من شأنها أن تقوض أيضاً مصالحها الاقتصادية وتضر بعلاقاتها مع شركاء مهمين مثل الصين.نتانياهو معني بتوسيع نطاق الحرب وعلى عكس الاتّفاق غير المكتوب بين طهران وواشنطن على الحفاظ على قواعد الاشتباك، أو "الضرب بدون قطع"، فإن تل أبيب ورئيس وزرائها بنيامين نتانياهو "معنيان بشدة بتوسيع دائرة الحرب وجر واشنطن إليها" حسب د. علوان أمين الدين، مؤلف العديد من الكتب السياسية. يقول أمين الدين "استمرار الحرب يعني بقاء نتانياهو في رئاسة الحكومة، وبالتالي استمرار الحصانة ضد الدعاوى القضائية المرفوعة ضده سابقاً" إلى جانب الاحتماء من نتائج هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي. وينهي أمين الدين "نتانياهو يقامر، وينتقل من مغامرة إلى أخرى، وهو يفتقد إلى إنجاز عسكري واضح في ميدان غزة، كما أنه سياسياً لم يحقق أي شيء حتى الآن".(المشهد)