انتهى الهجوم الإيراني الذي طال انتظاره بعد عشرات الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت مواقع وأهدافا إيرانية أو محسوبة على طهران في كل من سوريا ولبنان والعراق، ليعلن الطرفان انتصارهما، كلٌ وفق منظوره. نجحت المساعي الدبلوماسية الإقليمية والدولية في تحويل الهجوم الذي كان من المفترض أن يكون قاسياً و"مؤدّباً" إلى عمل عسكري قائم على أساس الربح المتبادل أو قاعدة "win-win" كما تسمى بالإنجليزية. ففي حين ردّت إيران بشكل مباشر على الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدفها بشكل مباشر، وفق القوانين والأعراف الدبلوماسية، تمكّنت تل أبيب من التباهي بأن أنظمتها للدفاع الجوي وقدرات حلفائها نجحت في إسقاط 99% من الأهداف المعادية دون تسجيل خسائر في الأرواح.حرب إيران وإسرائيلتعتبر الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل الأولى من نوعها في تاريخ الحرب بالوكالة الدائرة بين الجانبين، ونظرا لأن استهداف إسرائيل الأخير لقنصلية إيران في سوريا يعد اعتداءً على إيران بشكل مباشر وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ردّت إيران لأول مرة من داخل أراضيها على إسرائيل. لا شك أن الرد من داخل الأراضي الإيرانية ولو كانت إسرائيل على علم به، له أهداف عدة، لعل أبرزها أن إيران لا تسمح لإسرائيل باستهداف أراضيها، كون القنصلية تعتبر امتدادا لأراضي البلد التابعة له. أيضا استعداد إيران للتخلي عن سياسية "الصبر الاستراتيجي" التي يتبعها المرشد الأعلى علي خامنئي في العلاقة مع إسرائيل. لكن في المقابل، تصريح وزير الخارجية الإيراني، حول تأكيد بلاده لأميركا بعدم نيّة طهران بتوسيع نطاق الرد، وحصره ضمن حدود الدفاع عن النفس، وإخطار إيران دول المنطقة بالهجوم قبل 72 ساعة يشير إلى احتمال قوي لعودة الطرفين، وبرعاية أميركية، إلى قواعد الاشتباك التقليدية السائدة منذ أكثر من عقد، والقائمة على استهداف إسرائيل للحرس الثوري الإيراني وحلفائه خارج حدود إيران، مقابل رد الأخيرة على هذه الاستهدافات من خلال وكلائها، وهي قواعد خرقتها إسرائيل حينما استهدفت جنرالاً إيرانياً رفيع المستوى في القنصلية الإيرانية بدمشق.حفظ ماء الوجهورغم ذلك، أثار الرد الإيراني جدلا واسعا، وانقسمت الآراء حول قدرة إيران الرد على إسرائيل، في وقت أشار البعض إلى أن طهران ترد شكليا ولحفظ ماء وجهها، خصوصا وأن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا على علم تام بتفاصيل الرد الإيراني. يضاف إلى ذلك، الأسلحة التي استخدمتها إيران في الهجوم، والتي استغرقت ساعات للوصول إلى أهدافها في إسرائيل، حيث استخدمت إيران 185 مسيرة و36 صاروخ كروز و110 صواريخ جو جو على إسرائيل، ذلك وفقا لمسؤولين إسرائيليين. يقول المحلل السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديثٍ إلى منصة "المشهد" إن "إيران أرادت حفظ ماء الوجه من خلال استهداف يوم أمس، والنتيجة كانت سيئة للغاية، وبدلا من أن ترفع معنويات المجموعات الموالية لها، وقادتها في الداخل الإيراني وإرسال رسالة إلى الشعب الإيراني بأن إيران تواجه إسرائيل، شاهدنا رداً إعلامياً، الذي يمكن تسميته بالمناورة، بدلاً من الانتقام". وحول عدم استخدام إيران أسلحة متطورة أكثر يقول عبد الرحمن إن "إيران لا تريد إحداث ضرر في العمق الإسرائيلي، ولا تريد أن يكون هناك ضحايا، لأنها تعرف تماما أنه في حال حدث ذلك سيكون الرد الإسرائيلي صارما وحازما. وإيران تعلم أن إسرائيل تريد جرها إلى الحرب، ولهذا تأنت كثيرا في الرد، بحيث لا تنجر إلى ما تريده تل أبيب".من جهتها، تشرح المحللة السياسية والمختصة في الشأن الإيراني د.سمية عسلة لـ"المشهد" أن "الرد الإيراني هو بمثابة حفظ ماء الوجه، خصوصا أنه سبق وأعلنت عنه إيران من خلال العديد من التصريحات، وسبقه تهديد بالرد المزلزل على إسرائيل من قبل خامنئي وقيادات بالحرس الثوري الإيراني، وكأنهم يحذرون الجانب الإسرائيلي ليؤمّن نفسه ضد هذه الضربات". وتبين عسلة أن "الهجمات لا تشير إلى أن إيران تريد حربا مفتوحة مع إسرائيل، بل إن ما تريده طهران هو عمليات محدودة، وظهر ذلك في طبيعة الصواريخ المستخدمة غير الدقيقة، والتي لا تحتوي على أنظمة توجيه حديثة، وكذلك قيام إيران ببدء الهجوم على إسرائيل من خلال صواريخ ومسيرات أطلقتها. ليس ذلك فحسب، بل أخبرت إيران إسرائيل عبر وسائل الإعلام بأنها أطلقت المسيرات وأنها في طريقها إلى العمق الإسرائيلي، على شكل صيغة تحذير للجانب الإسرائيلي ليؤمن شعبه وحدوده ولتجنب أحداث وتصعيد غير محسوب".وبحسب عسلة هناك العديد من الدوافع لهذا الهجوم لعل أبرزها: خامنئي يريد أن يصدّر لأتباعه وأذرعه داخل وخارج إيران أن النظام لا يزال بقوته وقادر على الرد. تصدير صورة أن إيران هي الدولة القادرة على مواجهة إسرائيل وأميركا التي لقّبتها بالشيطان الأكبر. محاولة استعراض القوى العسكرية لإيران بما تمتلكه من أسلحة من خلال رساله تهديد يوجهها خامنئي لكل من لأوروبا وأميركا وإسرائيل الذين يضغطون جميعهم على إيران في الملف النووي ويفرضون المزيد من العقوبات الاقتصادية.أضرار الهجوم الإيراني على إسرائيلبحسب المعلومات المتوافرة إلى ساعة كتابة التقرير، لم تتكبد إسرائيل خسائر في الأرواح، أو أي أضرار جسيمة في المنشآت والبنى التحتية. لكن في المقابل، أثرت تبعات الرد الإيراني بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن اعتراض إسرائيل عشرات الصواريخ والمسيرات الإيرانية كلّفها ما قد يصل إلى 5 مليارات شيكل ما يعادل 1.35 مليار دولار، وذلك كتكلفة اعتراض ما أطلقته إيران فقط. كذلك، تراجع المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب، وأظهرت بيانات بورصة تل أبيب أن المؤشر الرئيسي "تاسي 35" عمّق خسائر اليوم إلى 0.82% مسجلا 1917.26 نقطة، وقت كتابة التقرير، وذلك بعد أن تراجع 0.5% في بداية التعاملات.ويرى عبد الرحمن أن "إيران أعلنتها صراحة خلال الأيام الماضية، وكان لديها جولات مكوكية، كان آخرها وزير الخارجية الإيرانية إلى سلطنة عمان، وبكل تأكيد إيران أبلغت الولايات المتحدة بالرد، وأن الضربة الإيرانية ستكون محدودة، وكذلك تم إخبارها بالأهداف التي سيتم استهدافها، والتوقيت، وأيضا عدد المسيرات، مقابل أن إسرائيل لا ترد على إيران، ولهذا رأينا الطائرات الفرنسية والأميركية والبريطانية في الأجواء تنتظر وصول المسيرات لإسقاطها". ويضيف عبد الرحمن أن "إيران تقول إن لديها أسلحة متطورة، لكنها لا تضاهي قدرات الدفاعات الإسرائيلية، وخير دليل ما شاهدناه أمس حيث أُسقطت كل الصواريخ والطائرات الإيرانية، ما يقرب من 400 طائرة مسيرة وصاروخ باليستي إيراني، إلّا أن كل هذه الصواريخ لم تحدث ضررا بالغا في إسرائيل". وبرأي عسلة فـ"إيران تعمّدت استخدام مسيرات وصواريخ كاتيوشا تفتقر للدقة، بهدف أن لا تصيب وبدقة مواقع داخل العمق الإسرائيلي، وأن تبقى الاستهدافات خارج حدود إسرائيل، وأن يبقى المدنيون آمنين".اقتحام رفح و"قد تستغل إسرائيل الهجمات الإيرانية في اقتحام رفح، رغم التحذيرات الأميركية والدولية من عواقبه الخطيرة"، وفقا للعسلة، التي تضيف قائلة: "علم إسرائيل وأميركا بموعد الهجمات الإيرانية وإحداثيتها والمواقع التي ستستهدفها كان مبنيا على معلومات قدمتها للولايات المتحدة، وقد أعلن بايدن أمس بأنه تلقى مواعيد وإحداثيات الضربات الإيرانية وقام بتحذير إسرائيل وإمدادها بالدعم العسكري والاستخباراتي اللازم".وتابعت: "لقد وجدنا أثر ذلك في الاستعدادات الإسرائيلية لحماية المنشآت المدنية وإخلاء المنشآت الحيوية والهامه وتسهيل إجلاء رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وأسرته عبر طائرة خارج إسرائيل في هذا التوقيت حفاظا على سلامته".وفي ظل التطورات التي تحدث، يشير المراقبون إلى أن قواعد الاشتباك بين إسرائيل وإيران القائمة منذ عقود قد تنهار في أي لحظة، وذلك في ظل حدود تم تجاوزها بعد السابع من أكتوبر من قبل الجانبين.(المشهد)