تأخذ الحرب في السودان منحنًى جديدًا يزيد من تعقيداتها، ويهدد بإشعال حرب أهلية بعد دعوات إلى تسليح المواطنين تحت ما يسمّى بـ"المقاومة الشعبية".وفي كلمته لمناسبة الذكرى الـ68 لاستقلال السودان، دعا رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، إلى تسليح المواطنين لمواجهة قوات الدعم السريع بعد الانتصارات التي حققتها في الأسابيع الأخيرة.وقال البرهان في كلمته: "أحيّي المقاومة الشعبية وسنبادر بتسليحها وتنظيمها كي تدافع عن نفسها ووطنها وممتلكاتها، في مواجهة المتمردين تحت إمرة القوات المسلحة".وأضاف البرهان: "الشعب السودانيّ كلّه يقف مع الدولة ومع قواته المسلحة ويحمل السلاح للدفاع عن الوطن، ونحن لن نتوانى عن تدريب وتسليح كل قادر على حمل السلاح". وتابع: "من حق كل مواطن أن يدافع عن نفسه وداره وماله وعرضه، لأنّ المرتزقة استهدفوا المواطنين ونهبوا ممتلكاتهم، وهجّروهم من منازلهم وحاربوهم بكل وضاعة"."حرب أهلية"وأطلقت مجموعات تسمي نفسها "المقاومة الشعبية المسلحة" دعوات لتسليح المدنيّين في ولايات النيل الأبيض ونهر النيل، والقضارف الشمالية وكسلا، والبحر الأحمر، وهي كلها مناطق خاضعة لسيطرة الجيش.أما قوات الدعم السريع فتدعو من يشاء من سكان المناطق التي يسيطر عليها إلى التطوع لديها لتسلحيهم، مؤكدًا أنّ الهدف من ذلك هو أن يحمي هؤلاء مناطقهم.وتثير هذه الدعوات مخاوف المحللين والمراقبين من توسع دائرة الصراع بين الجيش السودانيّ بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي". وقال المحلل السياسي فايز السليك، إنّ هذه الدعوات غير مسؤولة، وسوف تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية في جميع أنحاء السودان. وأضاف السليك في حديثه الخاص مع منصة "المشهد"، أنّ هذه الدعوات ستدخل الشعب إلى محرقة على أساس قبليّ وإثني، مشيرًا إلى أنه كان يجب الحديث عن السلام وليس الحرب. وتابع: "كان على البرهان الاهتمام بجيشه وتقويته بدلًا من التفكير في تسليح المواطنين".وذكر أنه إذا كان الجيش لم يصمد أمام قوات الدعم السريع وخسر العديد من المدن، فكيف يصمد هؤلاء المواطنون غير المدرّبين، مؤكدًا أنّ هذه الدعوات ستزيد عدد القتلى كل يوم.وقال مسؤول أمنيّ طلب عدم ذكر اسمه في حديث لوكالة "فرانس برس": "هذه خطوات كارثية في بلد يعاني أصلًا من انتشار السلاح، فكأنما تزيد النار حطبًا".وأكد أنّ "المجموعات التي تحصل على السلاح لا أحد يضمن كيف ستستخدمه ولأيّ أغراض". وتابع: "قبل الحرب صارت إجراءات ترخيص السلاح سهلة، وتتحكم فيها الاستخبارات العسكرية وليس من خلال قانون الأسلحة والذخائر"، كما كان الأمر من قبل"."تسريع إنهاء الحرب"في المقابل، يقول الخبير الاستراتيجيّ إسماعيل المجذوب، إنّ هذه المقاومة بدأت بطريقة عفوية من الشعب وسكان القرى بعد الانتهاكات التي تعرضت لها مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة على يد قوات الدعم السريع.وأكد المجذوب في حديثه الخاص مع منصة "المشهد"، أنّ الدولة تدخلت ممثلة في وزارة الدفاع للتنسيق بين الجيش وهذه المقاومة، وتسليحها وضمان السيطرة على السلاح.واستبعد حدوث حرب أهلية من جرّاء هذا التسليح، لأنّ عمليات التسليح ليست مبنية على دعوات سياسية أو قبلية، بل هي لكل المواطنين وحماية منازلهم وممتلكاتهم من قوات الدعم السريع.وأكد أنّ مثل هذه المقاومة قد تساعد في تسريع إنهاء الحرب، حيث ستضغط على قوات الدعم السريع لقبول التفاوض، لأنها ستكون مضطرة للقتال على جبهتي الجيش والناس من منزل لمنزل وشارع لشارع.وبحسب فرانس برس، فإنّ قوات الدعم السريع تسلّح المدنيّين أيضًا في بعض المناطق. ونقلت عن مواطن في إحدى قرى شرق الجزيرة قوله: "قوات الدعم السريع تسلح من كل قرية عددًا من الشباب باسم حماية قريتهم وتسلّمهم بنادق كلاشينكوف وعربة أو اكثر بحسب حجم القرية". ولدى السودانيين تجارب في تسليح المدنيين أدت الي تأجيج الصراعات كما حدث في اقليم دارفور غربي البلاد حيث اندلع النزاع في العام 2003، وراح ضحيّته 300 ألف قتيل ونزوح 2.5 مليون من منازلهم، وفقًا للأمم المتحدة.وتفيد إحصائية رسمية صدرت في 2018، بأنّ هناك 5 مليون قطعة سلاح في حوزة المدنيّين بمختلف مناطق البلاد. وفيما تؤكد مجموعة الأبحاث "سمول ارمز سرفاي" أنّ 6.6% من السودانيّين يملكون سلاحًا ناريًا.وبدأت دعوات التسليح تنطلق من كل مكان في السودان، وقال محمد الأمين زعيم قائل البجا أمام حشد من أبناء قبيلته الأسبوع الماضي، في مدينة سواكن بولاية البحر الأحمر (شرق)، "نحن جاهزون لحمل السلاح لدحر" قوات الدعم السريع.والأحد، أعلن والي القضارف محمد عبد الرحمن محجوب، تسليح مواطنى ولاية القضارف كافة من أجل التصدى للدعم السريع. كما دعا الوالي خلال مخاطبته المواطنين في تجمّع لتأييد الجيش، "استخراج أسلحتهم ومركباتهم الخاصة المقنّنة وغير المقنّنة من الدفع الرباعيّ ذاته، لحماية الأرض والعرض والقتال حتى آخر جنديّ ومستنفر".نشاط الجماعات الإرهابيةويقول المحلل السياسيّ وعضو قوى الحرية والتغيير فايز السليك، إنّ التنظيمات الإسلامية هي التي تشرف على عمليات التسليح وتدرّب الناس، وهو ما يزيد من مخاطر هذه الدعوات، مشيرًا إلى أنّ انتشار السلاح في السودان سيؤدي إلى تنشيط الجماعات الإرهابية والمتطرفة.ويتفق المجذوب مع هذا الرأي، ويقول إنّ الإشكالية في هذه الدعوات هو عملية توزيع السلاح بحيث تضمن الدولة عدم تسرّبها إلى أشخاص يستخدمونها في السطو وزيادة الانفلات الأمني، بالإضافة إلى كيفية استعادتها من الناس بعد انتهاء الحرب.ووفق الأمم المتحدة، أسفرت الحرب في السودان، التي اندلعت في منتصف أبريل، عن مقتل أكثر من 12 ألف شخص، علمًا بأنّ العديد من المصادر تقدّر بأنّ هذه الحصيلة تبقى ما دون الفعلية.كما أدت إلى نزوح 7.1 ملايين سوداني، من بينهم 1.5 مليون شخص لجأوا إلى الدول المجاورة، وفق الأمم المتحدة التي اعتبرت أنّ "أزمة النزوح في السودان هي الأكبر في العالم".ومنذ اندلاع الحرب، يتبادل الطرفان الاتهامات بمهاجمة المدنيّين.ويرى السليك أنه بعد هذه الدعوات إلى الحشد والتسليح، فإنّ السودان لا يزال بعيدًا عن فكرة التوصل لاتفاق لإنهاء هذا الحرب، وأشار إلى أنّ البرهان تعهّد بالقتال حتى آخر جنديّ في الجيش. (المشهد)