"ستُجرى الانتخابات الرئاسية في تونس في موعدها"، هكذا حسمت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس قبل أيام، الجدل الذي كان قد دار حول تاريخ تنظيم هذا الاستحقاق الانتخابيّ المهمّ في البلاد، لتُنهي الغموض التي ساد قبل أسابيع، ولتضع المعارضة أمام جملة من التحديات. إعلان تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية في تونس، حرّك المشهد الراكد وأعاد الكرة لملعب المعارضة، التي ستجد نفسها أمام تحديات جديدة لا يبدو من السهل عليها كسبها وفق عديد المراقبين. ويقول مناصرون للرئيس قيس سعيّد إنّ الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية في تونس، وضع حدًا للتوظيف السياسيّ للغموض الذي كان سائدًا حول تاريخ هذا الاستحقاق، في ظل تصاعد أصوات أكدت أنه "سيستمر في الحكم متهرّبًا من هذا الاختبار السياسيّ والشعبيّ لحكمه". وأكد رئيس هيئة الانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، أنّ الانتخابات الرئاسية ستُجرى في موعدها بين سبتمبر وأكتوبر المقبلين، وأوضح، "بمجرد انتهاء الهيئة من تركيز المجالس المحلية، الذي لن يتعدى أبريل المقبل، سيصدر قرار الرزنامة (الجدول الزمني) المتعلق بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية بصفة دقيقة". وتنتهي هذا العام الولاية الأولى للرئيس سعيّد الذي كان قد انتُخب عام 2019 بنسبة تجاوزت 70 %، وهي أعلى نسبة تسجّل في تونس منذ عام 2011. وتقول المحللة السياسية أحلام العبدلي، إنّ هذا الإعلان أغلق الجدل الذي كان حاصلًا حول هذا الاستحقاق، وأذن بانطلاق مرحلة جديدة تتزامن مع مشهد سياسيّ ضعيف، بعد إمساك سعيّد بكل السلطات، ما خلق في تقديرها واقعًا سياسيًا جديدًا يتعارض تمامًا مع المشهد الذي ساد بعد 2011، والذي وصفته في تصريحها لمنصّة "المشهد"، بـ"الديمقراطية الفلكلورية". من سيترشح؟ لا تبدو قائمة المرشحين للرئاسة في عهدتها الجديدة التي ستمتد على 5 سنوات واضحة إلى الآن، رغم وجود أحاديث في الكواليس عن بعض الأسماء التي قد تقدّم ترشحها. ووسط هذا الأسبوع لمّح الوزير الأسبق منذر الزنايدي لإمكانية ترشّحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وعبّر في بيان حمل اسمه، عن استعداده "للاحتكام إلى التونسيّين دون غيرهم، والتوّجه إليهم ببرامجه ومقترحاته في المحطات السياسية والاستحقاقات الانتخابية المقبلة" والزنايدي كان من بين الوزراء المعروفين في فترة حكم الرئيس السابق بن علي. لا يُستبعد كذلك أن تكون رئيسة حزب الدستوريّ عبير موسي من بين أبرز الأسماء التي قد تنافس على هذه الانتخابات، وقد سبق لها أن عبّرت عن رغبتها في خوض هذا السباق، وهو ما أعاد محاموها تأكيده قبل أيام بعد دخولها السجن، لكنّ إمكانية صدور أحكام ضدها قد تمنعها من الترشح، على اعتبار أنّ الشروط الجديدة للمرشح الرئاسيّ تستوجب نقاوة سجلّه من أيّ أحكام سجنية. غير أنّ المرشح الأوفر حظًا يظلّ الرئيس سعيّد، رغم كونه لم يعلن صراحة عن ذلك مقابل تكثيف نشاطه الميدانيّ وزياراته لمدن داخلية، ولمؤسسات تمرّ بصعوبات، ولقائه التونسيّين في الشارع، وهو ما يعتبره المراقبون والمعارضة خصوصًا "حملة انتخابية مقنّعة ومبكّرة". ولم يتطرق سعيّد لمسألة ترشّحه إلّا في مناسبة وحيدة، حين قال إنه ليس في منافسة مع أحد، ولكنه تطرق لهذا الاستحقاق الأسبوع الماضي خلال لقاء جمعه بوزير داخليّته، مشددًا على أنه "لا تسامح مع من يرتمي في أحضان الخارج استعدادًا للانتخابات، ويتمسّح كل يوم على أعتاب مقرات الدوائر الأجنبية"، مشيرًا إلى من وصفهم بأنهم يبحثون "عن الدعم والمساندة من الدوائر الاستعمارية التي تحتقرهم".معارضة مشتتة وتواجه المعارضة التي توسعت منذ أحداث 25 يوليو 2021، تحدّي التوحد وراء مرشح واحد قادر على منافسة سعيّد الذي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة، قد لا تصل إلى النسبة نفسها التي كانت عليها قبل 5 سنوات، ولكنها تظل مرتفعة مقارنة بخصومه. وتضع استطلاعات الرأي سعيّد في صدارة المرشحين الأوفر حظًا للفوز بأيّ انتخابات قد تنظمها تونس. ولا يُعلم بعد إن كانت المعارضة التي خسرت جزءًا كبيرًا من خزّانها الانتخابي، ستتوحد وراء مرشح واحد، أم إنها ستفضل المقاطعة كما فعلت في الانتخابات التشريعية والاستفتاء على الدستور والانتخابات المحلية. وتقول المعارضة إنها لا تعترف بالمسار السياسيّ الذي رسمه سعيّد منذ 2021، بعد حل مجلس النواب السابق. ودفعت معارضة سعيّد أحزابًا سياسية عديدة للتوحد وراء ما يُعرف بـ"جبهة الخلاص" التي يقودها حزب النهضة الإسلاميّ، وعدد من الشخصيات الإسلامية. وقالت حركة النهضة إنها لا تعتزم تقديم مرشح منها لهذه الانتخابات، لكنها أكدت أنها ستبحث مسألة الترشح للرئاسيات مع بقية الأحزاب المعارضة، وجدّدت تأكيد مطالبتها بتوفير شروط النزاهة والشفافية في الانتخابات الرئاسية القادمة في تونس، معتبرة ضمان ذلك من حق الشعب التونسي. اختبار الشعبية هل تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة موعدًا لإنقاذ البلاد؟ تحت هذا العنوان كتب المحامي والناشط السياسيّ العياشي المعارض عياشي الهمامي، الذي يتولى الدفاع عن عدد من الشخصيات السياسية المعتقلة، مؤكدًا أنه يمكن أن تكون "الانتخابات الرئاسية المقبلة فرصة جدّية لإنقاذ البلاد لو توافرت شروط انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة وتنافسية للمرشّحين، وتوحّد طيف واسع من المعارضة السياسية ومكونات المجتمع المدنيّ حول مرشّح واحد، يتمّ اختياره بعد صياغة أرضية الحدّ الأدنى الديمقراطيّ الاجتماعيّ المشترك". وفي حين تروّج المعارضة لأنّ هذه الانتخابات هي امتحان لشرعية سعيّد وشعبيته بعد 5 سنوات من الحكم، يقول المراقبون إنها ستكون اختبارًا لها على اعتبار أنها تواجه العديد من التحديات. فرغم التوافق الظاهريّ الذي تحاول أن تبدو عليه، تظل المعارضة مشتّتة ومنقسمة، ولا يمكنها التوافق على أرضية مشتركة لأسباب عديدة، من بينها خصوصًا خوفها من خوض هذ السباق لسببين: الأول قوة المنافس الذي يبدو في طريق مفتوحة للفوز بفارق كبير، والثاني لفقدانها شعبيتها خصوصًا أنّ الشارع التونسيّ لم يعد يهتمّ لمثل هذه المحطات بسبب أزمته الاقتصادية التي يحمّل هذه الأحزاب مسؤوليتها. وترى المحللة السياسية العبدلي في حديثها لـ"المشهد" أنّ المعارضة تواجه جملة من التحديات الصعبة في هذه الانتخابات، أولها البرهنة على قدرتها على اكتساح الساحات وإزاحة سعيّد من الحكم عبر الصندوق، وثانيها اختبار شعبيتها بعد أن روجت طوال العامين الأخيرين لخطاب، أنّ سعيّد تعمّد إقصاءها، وأنّ الشارع التونسيّ يدعم رفضها لسياساته، "في حين أنها فقدت تعاطفه معها، بسبب الأخطاء التي ارتكبتها بعد 2011". وتقول إنّ هذه الانتخابات هي استفتاء على قوة وشعبية المعارضة، أكثر منها استفتاء على شعبية سعيّد الذي يظل من الأسماء الأوفر حظًا. (المشهد)