على مدار الشهور الأخيرة، شهدت الأزمة الليبية حالة من الجمود، إلا أنّ قرار مجلس النواب خلال الساعات الأخيرة بإيقاف رئيس الحكومة المنتخبة فتحي باشاغا وإحالته للتحقيق، أثار تساؤلات كثيرة عن مستقبل العملية السياسية في البلاد.والثلاثاء، أعلن المتحدث باسم مجلس النواب الليبي عبدالله بلحيق، أنّ المجلس صوّت لصالح إيقاف رئيس الحكومة فتحي باشاغا، وتكليف وزير المالية أسامة حماد، بتولي مهام رئيس الحكومة في إطار مسعى جديد للإطاحة.كان البرلمان قد عيّن باشاغا في مارس 2022 رئيسا للحكومة، وسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لكنّ جهوده لدخول طرابلس وتولي منصبه، انتهت بمعارك بين الفصائل المتحالفة معه، وأخرى متحالفة مع الدبيبة، واضطر للعمل خارج طرابلس من دون سيطرة على مالية الدولة.وكتب باشاغا للبرلمان في وقت سابق اليوم الثلاثاء، يقول إنه يسلم مهامه إلى نائبه علي القطراني من دون أن يوضح احتمال استئنافه العمل، أو موعدا لذلك.ويرى محللون أنّ هذا القرار سيعقّد المشهد السياسي في ليبيا، بينما يستبعد آخرون حدوث أيّ تغيير في الوضع، بسبب حالة الجمود التي تشهدها البلاد منذ فترة.بعثرة للأوراق السياسيةوقال الكاتب والمحلل السياسي حسين مفتاح، إنّ قرار مجلس النواب يُعتبر بعثرة للأوراق السياسية، وسيغيّر شكل المشهد في ليبيا، كما سيتسبّب في تعطيل العملية السياسية أكثر.وذكر مفتاح في حديثه مع منصة "المشهد"، أنه على الرغم من أنّ قرار المجلس كان متوقعا، إلا أنّ الأجواء التي سادت اتخاذ هذه الإجراءات جعلت المشهد السياسي في البلاد مشحونا، وستكون هناك ردة فعل من باشاغا ونائبه.وأشار إلى أنّ قرار تكليف باشاغا نائبه بتسيير مهام الحكومة، بينما تكليف البرلمان لوزير المالية، سيزيد الانقسام داخل الحكومة والمشهد السياسي في البلاد، وسنعود للمربع الأول وفكرة وجود حكومتين واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، كما كان في عهد فايز السراج.وأكد أنّ هذا الإيقاف جاء على غير رغبة رئيس البرلمان عقيلة صالح، وتم اتخاذه في غيابه، مشيرا إلى أنّ المجلس منقسم حوله، لذلك كان إيقاف وتحقيق وليس سحبًا للثقة من الحكومة.ولفت مفتاح إلى أنه قبل القرار كان من الصعب إجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام كما يطالب المجتمع الدولي، لكن بعده أصبح مستحيلا تحقيق ذلك.في المقابل، لا يعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة البريطانية ببنغازي أحمد المهداوي، أنّ هذا القرار قد يؤثر كثيرا على المشهد السياسي في البلاد، وقال إنّ الوضع معقّد منذ البداية بسبب التدخلات الخارجية، وبسبب رفض الدبيبة الانصياع لسلطه البرلمان.أسباب الإيقافوأشار المهداوي في حديثه مع منصة "المشهد"، إلى أنّ قرار إقالة باشاغا جاء بناءً على تراكمات سابقه لأداء الحكومة، وفشلها في دخول العاصمة طرابلس، وإنهاء وجود حكومة عبد الحميد الدبيبة، كما تعهدت أمام النواب.وأوضح أنّ حكومة باشاغا فشلت في نيل الاعتراف الدولي، وهو ما دفع المجلس لإعادة حساباتهم من الحكومة، وتكليف أسامة حماد بمهام رئيس الوزراء، بسبب انتصاره على الدبيبة في ساحات القضاء، وإجباره على إلغاء قرارات كان قد أصدرها.وفي تصريحات لمنصة "المشهد"، أرجع المتحدث باسم مجلس النواب أسباب الإيقاف إلى: فشل الحكومة في تحقيقها أيّ هدف من الأهداف التي أنشئت لأجلها. فشلها في إنجاز برنامج العمل الذي قدمته إلى مجلس النواب. الحكومة فشلت في الملفات السياسية والخدمية. فشلت في دخول العاصمة طرابلس وممارسة عملها من هناك.الحكومة لم تبذل الجهد المطلوب من أجل فرض نفسها، وخصوصا أنها السلطة التنفيذية التي انتُخبت من السلطة التشريعية.ولم تشهد ليبيا سلاما يُذكر منذ انتفاضة 2011 المدعومة من حلف شمال الأطلسي، والتي أطاحت بمعمر القذافي، وانقسمت البلاد في 2014 بين فصائل في الشرق متحاربة مع فصائل في الغرب، وتوقف القتال الرئيسي منذ وقف إطلاق النار عام 2020.وتشكلت حكومة الدبيبة في عملية مدعومة من الأمم المتحدة عام 2021، استهدفت إجراء الانتخابات في ذلك العام، لكنّ الانتخابات أُلغيت في غمرة خلافات حول القواعد.وتركز الدبلوماسية حاليا على دفع مجلسي النواب والدولة للاتفاق على القواعد التي تسمح بإجراء الانتخابات. حكومة مصغّرة وتركز أغلب الدعوات حاليا على إنشاء حكومة جديدة مصغّرة تتولى الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.وبعد إعلان إيقاف باشاغا، جدد رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الدعوة إلى هذه الخريطة وتشكيل حكومة موحدة مصغرة.ويقول الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط أنس القماطي، إنّ قرار إيقاف باشاغا قد يكون بداية لتشكيل حكومة انتقالية جديدة تحظى بالاعتراف من المجتمع الدولي. وأضاف القماطي في حديثه مع منصة "المشهد: "في الواقع، فإنه لا يزال جزءًا مناللعبة نفسها التي لعبتها الطبقة السياسية الليبية غير المنتخبة لسنوات عدة؛ إعادة تشكيل حكومة موقتة مع تأجيل الانتخابات التي يرغب الليبيون بشدة في الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية".ويرى المهداوي أنّ دعوة المشري لتشكيل حكومة مصغره يعطي دلاله على أنّ اللجنة المكلفة من قبل مجلسي النواب والدولة لحل الخلافات بينهما، والتي تٌعرف باسم "6+6"، قد تنتج خريطة طريق تتضمن حكومة مصغرة، عوضا عن قوانين لانتخابات وقد يكون الهدف الذهاب لمرحله انتقاليه جديدهمن جانبه، يقول الكاتب حسين مفتاح إنّ فكرة تكوين حكومة جديدة مصغرة أصبحت مطروحة بقوة بعد هذه القرار.ويتوقع أنها قد تكون مزيجا من حكومة الدبيبة وباشاغا، وإضافة وزراء جدد، تتولى المهام التنفيذية في الدولة، وتستعد لإجراء انتخابات جديدة، أو حكومة جديدة برئيس جديد يتفق عليه رئيسا مجلسي النواب والأعلى للدولة. (المشهد)