انتشرت في الأيام الماضية حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة السوريين الموجودين في مصر، فيما ذهبت بعض الحسابات إلى أبعد من المقاطعة مطالبة بترحيلهم.وللمرّة الأولى، برز وسم "مقاطعة السوريين" في لوائح الوسوم البارزة لعدد من منصّات التواصل الاجتماعي الرائجة في البلد الذي يستضيف نحو 153,756 وفقا لأرقام الأمم المتحدة، في حين تشير أرقام المنظمة الدولية للهجرة إلى أن عدد السوريين في مصر عام 2022 بلغ 1.5 مليون.تعد مصر الوجهة الإفريقية الأولى للسوريين الفارين من ويلات الحرب منذ عام 2011، دون تسجيل حالات تململ أو رفض لوجودهم، وسمحت الحكومة المصرية للسوريين بالعمل، وإقامة مشاريعهم الخاصة، في كل أنحاء البلاد، دون إقامة خيمة واحدة أو مركز للجوء، الأمر الذي أحدث تفاعلا شعبيا مميزا بين الثقافتين المصرية والسورية.كل ما سبق أحدث حالة من الاستغراب والاستفسار حول الأسباب التي دفعت بعض المصريين إلى إطلاق هذه الحملة، ومدى تأثيرها على السوريين في مصر.أسباب حملة مقاطعة السوريين في مصرأرجع البعض سبب حملة "مقاطعة السوريين" إلى الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها مصر، بحجة أن وجودهم يعمّق هذه الأزمة، ويؤثر على فرص العمل في السوق.بينما أشار آخرون إلى مشكلة نزوح عدد كبير من السودانيين إلى مصر خلال العام الماضي، على إثر الحرب التي اندلعت في البلاد، حيث قدّر عدد السودانيين في مصربـ85998 لاجئا وطالب لجوء من السودان، و24701 لاجئ وطالب لجوء من جنوب السودان، بحسب آخر إحصاء للمفوضية في 2023.في المقابل قدّرت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إجمالي عدد السودانيين المقيمين في مصر بنحو 4 ملايين.واتّفق السوريون والمصريون الذين حاورتهم منصّة "المشهد" على استبعاد توسّع هذه الدعوات لتشمل فرض قيود على السوريين أو ترحيلهم.يقول أحد مؤسسي الجالية السورية في مصر والأمين العام للصداقة المصرية – السورية محمد طه العطار، إن "المواقع التي تتحدث عن مقاطعة السوريين بمصر، هي مواقع وهمية ومفبركة، وتابعة لجهات مغرضة، أو جهات معادية لوجود السوريين في البلاد، وهم قلائل جدا في مصر".ويضيف رجل الأعمال السوري المقيم في مصر "على النقيض من ذلك، على أرض الواقع هناك تعاطف كبير من الشعب والحكومة المصرية مع السوريين، ودعم كبير لوجود السوريين في مصر، ولا يوجد أي مضايقات للسوريين في مصر".وحول ما إذا كانت الحملة يمكن أن تتطور وتتوسع يقول العطار إنه "من غير الممكن توسّع حملات كهذه، حيث إن الحكومة المصرية تعمل على عملية تنظيم وجود السوريين، وتسوية أوضاع المخالفين والذين باتت إقاماتهم منتيهة الصلاحية".وعلى عكس القوانين السائدة في تركيا، لم تقم الحكومة المصرية بإغلاق أحياء معيّنة في المدن الكبرى أمام سكن السوريين، كما أنّها لا تفرض قيوداً على تنقّلاتهم بين المحافظات المصرية.من جهته، يشرح رجل الأعمال السوري المقيم في مصر أحمد خلاصي، في حديثه إلى "المشهد" إن "الحملة هي على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، وليس لها صدى على أرض الواقع". مضيفاً "أنا موجود في مصر منذ 12 عاماً، وأُلقى معاملة طيبة سواء من الحكومة أو الشعب المصري".ووفق خلاصي فإن "الحكومة المصرية تفسح المجال للسوريين لإقامة مشاريعهم الخاصة، وتوفّر لهم كامل الدعم".ويؤكّد رجل الأعمال الشاب على أن "المحال السورية لم تتأثر بالحملة، ولم تتم مقاطعتهم، وحال السوري في مصر أفضل بكثير مما هو عليه في تركيا أو لبنان".رفض مصر لهذه الحملاتيعيش اللاجئون السوريون ظروفاً صعبة في تركيا ولبنان وسط تصاعد خطاب الكراهية ضدّهم بسبب تحوّل مسألة اللجوء إلى ملف للتجاذب بين الخصوم السياسيين في الدول المذكورة.وقد تحوّل خطاب الكراهية المتصاعد في العديد من الأحيان إلى ممارسات عنيفة تعرّض لها اللاجئون، بمن فيهم الأطفال، كانت آخرها حادثة التعدّي على الطفل السوري في مدينة عنتاب التركية نتيجة خلاف بينه وبين أصدقائه خلال لعبة لكرة القدم.فيما لم تسجّل مصر حوادث عنف بدافع الكراهية ضد لاجئين سوريين أم غيرهم.لكن، في المقابل، فإن نسبة وجود اللاجئين بشكل عام والسوريين خصوصاً في مصر إلى عدد السكّان، تعتبر أقلّ مقارنة مع تركيا ولبنان، ويعود السبب في ذلك إلى القواعد الصارمة التي تفرضها السلطات المصرية لجهة توافد السوريين إليها، إضافة إلى عدم وجود حدود برية مشتركة تسهل دخول اللاجئيين.وكجزء من هذه الحملة، ادّعت بعض الصفحات المصرية على مواقع التواصل الاجتماعي أن إجمالي عدد العرب المقيمين في مصر "نحو 16.5 ميلوناً، بينهم أكثر من 5.5 ملايين سوري".وعلّق المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري محمد الحمصاني على الحملة قائلاً "تابعنا الحملة على مواقع التواصل، وهي مرفوضة تماما وأعني هنا كافة الجنسيات وليس السوريين فقط"، لافتا إلى أن "مصر لا يمكن أن تقاطع مواطنا من أي دولة وهي تحتضن الجميع".وأقرّت مصر تعديلات على قانون تملّك الأجانب في الأراضي الصحراوية، في وقت تسعى فيه إلى دعم اقتصادها واستقدام الاستثمارات، التي تتطلب معاملة متساوية بين المواطنين والمستثمرين الوافدين.مطالبات بتسوية وضع اللاجئيين في مصروفي هذا السياق، يشرح النائب المصري السابق وعضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين طلعت خليل، في تصريح إلى منصة "المشهد" أنه "ليس هناك حملة بالمعنى الصريح، ولكن هناك توجه إعلامي الغرض منه تعليق الفشل فى إدارة البلاد اقتصاديا على بعض الشماعات مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أو الحرب في غزة، أو كثرة عدد اللاجئين".ويضيف خليل "الشعب المصري يعامل كل الأشقاء من السوريين أو السودانيين أو العراقيين معاملة جيدة جدا، ولا يوجد أي مضايقات لهم، وهناك بعض المعلومات المغلوطة والمغرضة والمشبوهة تحاول إظهار عكس ذلك".ويعتقد خليل أن الحملة "لن تتوسع أو تؤدي إلى فرض قيود على السوريين". بدورها، تقول الإعلامية المصرية سمية عسلة: "ليس هناك أي حملة في مصر تطالب بطرد السوريين أو تستهدف أي جنسية أخرى من اللاجئين أوالضيوف على حد وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي".وتابعت عسلة في حديث لمنصة "المشهد": "الهاشتاغ الذي أطلقه المصريون تحت عنوان (مش هشتري غير من المصري) هو بهدف دعم اقتصاد مصر في ظل التحديات التي نشهدها، وأهمها التحديات الاقتصاديةو السياسية والأمنية التي نواجهها على حدودنا المصرية لـ4".وطالبت الحكومة المصرية بتقنين وضع أكثر من 10 ملايين لاجئ من جنسيات مختلفه، وليست الحملة تستهدف السوريين دون غيرهم من الضيوف الموجودين في مصر.وتشير عسلة إلى أنه لا يمكن إنكار أن عدم تقنين وضع اللاجئين من مختلف الجنسيات في مصر أدى إلى وجود تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية تسعى الحكومة المصرية الآن إلى تداركها.إلى جانب وجود تخوّف لدى الشعب المصري من أن يكون هناك تغير ديموغرافي في المجتمع المصري يصبح له انعكاسات أمنية وسياسية قوية فيما بعد، وفقا للعسلة.وأنهت مصر عام 2023 بشكل إيجابي حيث شهد معدّل التضخم السنوي انخفاضاً إلى 35.9% في نوفمبر من 38.1% في أكتوبر، في ظلّ توقّعين بأن يتراجع إلى 27.4% عام 2024. كما حققت سوق الأوراق المالية المصرية أداء جيداً في خلال الشهرين الأخيرين.ورغم التحديات الاقتصادية، فإن العديد من المستثمرين الدوليين على ثقة من قدرة البلاد على تجاوزها، نظراً إلى الخطوات المتسارعة للحكومة المصرية على صعيد الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يفسّر إصرارها على الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي داخل البلاد.(المشهد)