تحت وطأة العملية العسكرية الإسرائيلية "السور الحديدي" تئن الضفة الغربية ومخيماتها التي أفرغت من سكانها وتشردوا عنوة، وأضحت مرتعاً للقوات الإسرائيلية التي تهدم بيوتها، وتخرب بنيتها التحتية، وتنكل بممتلكات الأهالي الخاصة والعامة، فأكثر من 90% من الأهالي نزحوا من مخيمات جنين وطولكرم وطوباس صوب المدن والبلدات والقرى المحاذية، وتفيد التقارير الرسمية بأن الحملة العسكرية تسببت بمقتل أكثر من 60 فلسطينياً، وجرح واعتقال المئات، ونزوح أكثر من 40 ألفاً، بالإضافة لخسائر مادية واقتصادية باهظة، وتعطل مناحي الحياة منذ أكثر من 4 أسابيع.إخلاء مخيمات الضفةوعلى الأرض، وسع الجيش الإسرائيلي عملياته في منطقة شمال الضفة، وعزز القوات بوحدات مدرعة إضافية، حيث ستبقى القوات الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية طوال العام الجاري "لمنع عودة سكانها" جاء القرار على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أعلن بأن الجيش الإسرائيلي قام بـ"إخلاء" ثلاث مخيمات للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أصدر أوامر للجيش بتنفيذ عملية "مكثفة" في الضفة الغربية، وفي ذات السياق نشر الجيش الإسرائيلي دبابات في مدينة جنين، كأول مرة منذ 20 عاماً. ونددت الرئاسة الفلسطينية بالإجراءات والقرار الإسرائيلي بنشر دبابات في شمال الضفة الغربية قائلة:هذا إجراء إسرائيلي خطير لن يؤدي إلى استقرار أو تهدئة ونحن نحذر من هذا التصعيد الخطير، ومقدمة لتعميق العدوان، وتوسيع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.تهجير قسريورصدت منصة "المشهد" أحوال النازحين الذين هجرتهم القوات الإسرائيلية من بيوتهم، وباتوا بلا مأوى، يصارعون صعوبة البقاء وخطر الموت بفعل العملية العسكرية المستمرة. أبو أحمد الهندي نزح مع أسرته المكونة من 7 أفراد من مخيم جنين وسط وابل من القصف والرصاص، يقول لـ"المشهد" إن:القوات الإسرائيلية أجبرتنا على الخروج في منتصف الليل بعد تفتيش ملابسنا وهوياتنا الشخصية، بعد أن قامت بمحاصرة المخيم لأكثر من أسبوع، وانقطاع الماء والكهرباء ونفاذ الطعام، هذه نكبة جديدة تحل علينا، شعور سيء أن تخرج من بيتك، ومصيرك مجهول، في ظل القرارات الإسرائيلية بحق مخيم جنين، أبحث اليوم عن منزل جديد لعائلتي بعد أن هدموا بيتي بدون سبب. من جهتها، وصفت النازحة نادين شحادة أن ما يحدث في مخيم نور شمس في طولكرم أشبه بالمجزرة:عشنا أيام وليالي عصيبة بفعل الحصار الإسرائيلي وعمليات التخويف وإطلاق النار صوب المنازل والأهالي من أجل يخرجوا من منازلهم، والأصعب هو وضع أطفالي الصغار الذين لم يستوعبوا ما يحدث، صمدنا حتى الرمق الأخير، إلا أن القوات الإسرائيلية أجبرتنا على النزوح الجماعي، لا أدري أنا وزوجي ماذا سنفعل وكيف ستكون الأيام القادمة في ظل الأحداث القائمة. حرب وجود على مخيمات الضفة في المقابل، صرح د. أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لمنصة "المشهد" أن "إعلان إسرائيل توسيع العملية العسكرية على شمال الضفة الغربية، والبقاء لمدة عام، بالتزامن مع إدخال الدبابات للمرة الأولى منذ عام 2002، عبارة عن عملية إعادة احتلال تخالف كل الاتفاقيات، بهدف تقويض السلطة الفلسطينية، والتهجير القسري والتطهير العرقي بحق سكان المخيمات اللاجئين وانتزاع حقوقهم المشروعة، وتدمير المقومات كافة على الأرض، وهذا يمثل تصعيداً خطيراً للأوضاع الميدانية في الضفة".وأكد القيادي الفلسطيني أن "القيادة الفلسطينية ستتصدى لكل هذه المخططات المنافية لكل الأعراف الإنسانية، والحقوق التي كفلتها الإتفاقيات الدولية للشعب الفلسطيني بكل السبل المتاحة، لذلك يجب على المجتمع الدولي التدخل السريع والعاجل للجم العدوان الإسرائيلي المنفلت من القانون والاتفاقيات الموقعة، وإجباره على وقف ممارساته ومخططاته الخطيرة، وفرض العقوبات على إسرائيل التي تتعامل وكأنها فوق القانون، ودون رادع". مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وأوضح وكيل دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية أنور حمام بأن ما يحدث شمالي الضفة الغربية، "تصعيد خطير أدى وسيؤدي لتهجير عشرات الآلاف من سكان المخيمات، بالإضافة لعمليات التدمير الكبيرة للمنازل والممتلكات والبنى التحتية، كلها عمليات غير مسبوقة منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، وسيترتب نتائج كارثية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وارتفاع أعداد الضحايا والجرحى، فعشرات الآلاف الذين نزحوا من المخيمات، يعانون من أوضاع إنسانية مأساوية، ويحرمون من الصحة والتعليم وفقدوا مصادر رزقهم". واستكمل حديثه لـ"المشهد" قائلاً: "تزامن العملية العسكرية الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية والتركيز على تدمير المخيمات، وتهجير سكانها، مع حظر عمل وكالة الأونروا، لم يكن محض الصدفة، بل مخطط إسرائيلي معد مسبقاً، وهو استهداف القضية الوطنية الفلسطينية من بوابة اللاجئين، من خلال استهداف المخيمات بالتدمير الممنهج باعتبارها الشواهد على النكبة، ومنع عمل وكالة الأونروا كونها تمثل الاعتراف الدولي بقضية اللاجئين". وأشار حمام إلى أن "إسرائيل شرعت فعلياً بإعادة هندسة شكل ومكانة وفكرة المخيم، وتحويل المخيمات بعد تدمير منازلها وتجريفها، وفتح شوارع كبيرة داخلها، لأحياء قريبة من المدن ودمجها بها، وبالتالي القضاء على هوية المخيم ومكانتة التاريخية المرتبطة بالنكبة وحق العودة، فالعمليات العسكرية الأخيرة تسببت بتهجير أكثر من 40 ألف لاجئ فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة"، مؤكدا:نحن نقوم بتوفير مراكز إيواء واحتياجات النازحين في شمال الضفة الغربية، مع التركيز على مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وقمنا بتسيير عشرات شاحنات الإغاثة وتخصيص ميزانية لتأمين مراكز الإيواء، ودعم الأسر النازحة والمتضررة عبر الطرود الغذائية والصحية، ونعمل على تحضير الخطط والموارد، لإعادة إعمار ما دمرته القوات الإسرائيلية من أجل تعزيز صمود الفلسطينيين.ضم الضفة الغربية لإسرائيل؟وفي هذا الصدد، قال الخبير السياسي والمحلل بالشأن الإسرائيلي د. محمد هلسة لمنصة "المشهد" إن "إسرائيل في حربها التدميرية شمالي الضفة الغربية تسعى لأن تصل لنقطة تصبح فيها المخيمات غير قابلة للحياة محروقة، وعودة السكان لا معنى لها، وتمهيد الطريق للمزيد من المد والتوسع الاستيطاني، والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، وفي الهدف الأبعد ضم الضفة الغربية لإسرائيل، بأرض أكثر وسكان فلسطينيين أقل، ودفع سكان المخيمات للمدن وإبعادهم، لخدمة الأجندة السياسية الإسرائيلية، وادخال الدبابات الحربية فزاعة إسرائيلية للتهجير والتوظيف لتبرير الإنقضاض على المخيمات". وشدد الخبير بالشأن الإسرائيلي د.هلسة قائلاً بأن "إسرائيل تريد تصفية الوجود الفلسطيني برمته، وتكرار نكبة 1948 بشكل أوسع، وترغب بالانتقال في صراعها مع الفلسطينيين من مرحلة الفصل العنصري إلى التطهير العرقي".يعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن لمنصة "المشهد" بأن "المحاولات التي خرجت من الضفة الغربية لاستهداف إسرائيليين، استغلتها حكومة نتانياهو من أجل تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق بالضفة الغربية، عبر تشديد الحصار على المخيمات، ورأينا إجراءات جديدة تتعلق بالعملية العسكرية المستمرة، التي هي بالأساس تخدم مصالح وأجندات الحكومة الإسرائيلية الحالية، معتبرين العملية كهدف من أهداف الحرب، للقول إن الحكومة تواجه الإرهاب وفرض المزيد من الخطوات المشابهة لما حدث في قطاع غزة، كحرمان سكان من العودة لبيوتهم بعد تهجيرهم، وتدمير الشوارع والبيوت".وكشف المحلل السياسي شتيرن لـ"المشهد" بأن هناك "تحذيرات أمنية إسرائيلية تفيد بأن الوضع قابل للتفجير في أي لحظة بالضفة الغربية، بسبب الحرب على قطاع غزة والوضع الاقتصادي المأزوم أصلاً، وقرصنة أموال السلطة الفلسطينية وغيرها الكثير من العوامل التي تؤدي للانفجار الميداني، وفي هذا السياق أتوقع بأن المزيد من الضغط على شمال الضفة الغربية، ونشر الحواجز العسكرية الإسرائيلية في كل أنحاء الضفة، سيزيد من التوتر والإحتقان في الشارع الفلسطيني، ويصبح احتمال أن تتدهور الأمور أكثر فأكثر". (المشهد)