يجلس الأب إياد الدباغ وعائلته لتجهيز طعام الإفطار على ركام منزلهم بمخيم جباليا، وتقول زوجته إيمان لمنصة "المشهد" إن "الأوضاع عادت لتزداد صعوبة علينا في شهر رمضان، بفعل الحصار الإسرائيلي المشدد، فالأكل قليل، وأضحى غاليا جداً، والأحوال شاقة لم تعد تحتمل".ويتشارك إياد الهم ذاته مع زوجته في كيفية توفير الطعام، قائلاً لـ"المشهد" إنه يشعر بالخوف حيال القادم على حياتهم، مضيفا "لم أعد قادرا على تحمل التكاليف المعيشية الآخذة بالتصاعد، وفي معظم الأوقات نرضى بالقليل لسد رمق صيامنا".تستأنف إسرائيل سياسة حصار وتجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، كأداة للابتزاز السياسي ضد السكان وحركة "حماس"، بإغلاق المعابر الحدودية، والحيلولة دون إدخال المواد الإغاثية والسلع والأدوية.ويترافق مع هذه السياسة المجحفة كما وصفتها المنظمات الإنسانية الدولية، التلويح بعودة الحرب واستخدام الأدوات العسكرية، من أجل إجبار "حماس" على تمديد المرحلة الأولى من مفاوضات الهدنة، دون الدخول للمرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تعد مرحلة مهمة "لحماس" نظراً لتفاصيلها، وتضمنها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.لليوم التاسع توالياً، تستمر السلطات الإسرائيلية في إغلاق كافة المعابر الواصلة مع القطاع، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، والبضائع إلى غزة، وسط تحذيرات من منظمات محلية ودولية، من مغبة عودة نذر المجاعة للقطاع المحاصر، وبالتزامن، أعلنت إسرائيل، وقف تزويد قطاع غزة بالكهرباء "فورا"، وأشارت هيئة البث الإسرائيلية أن وزير الطاقة إيلي كوهين، قرر وقف تزويد قطاع غزة بالكهرباء."ورقة ضغط"يقول علاء سالم صاحب محل تجاري لمنصة "المشهد"، "لم نعد قادرين على توفير البضائع، المخزون يتناقص، والأسعار آخذة بالغلاء، نحن نواجه نقصاً شديداً في البضائع، ولا نعلم كيف سنستمر في العمل". وأضاف: "إسرائيل تستخدم المعابر كورقة للضغط علينا".وبما يدلل على صعوبة الوضع الحالي على الأرض، أدى منع دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، لارتفاع جنوني في الأسعار، لتضاعف من معاناة السكان وصعوبة أوضاعهم المتردية أصلاً. وتقول النازحة صفاء سلامة بألم عن معاناتها لمنصة "المشهد": "أتواجد مع عائلتي في مدرسة للإيواء بالكاد نحصل على وجبات الإفطار خلال شهر رمضان"، وأضاف "لا يوجد حليب للأطفال، ولا خبر، ولا ماء، وأسعار الطعام في السوق باهة الثمن، لا نستطيع توفيرها، نعيش على المساعدات التي لم تعد متوفرة بفعل إغلاق المعابر".ووصف الشاب عامر سليم الذي فقد وظيفته بفعل الحرب، صعوبة الأحوال المعيشية لـ"المشهد": "إغلاق إسرائيل للمعابر، يعني أننا بالجوع والفقر"، وتابع "ارتفاع الأسعار جعل الحياة صعبة ومستحيلة، ليست لدي القدرة لتأمين قوت يومي، خصوصا خلال شهر رمضان، على العالم أن يتحرك لإنقاذنا من الجوع، لا يمكن أن نستمر هكذا".ويواجه الفلسطينيون أزمة متصاعدة في تأمين الخبز مع انعدام المواد الأساسية، ويقفون في طوابير مزدحمة لساعات، بهدف الحصول على ربطة خبز واحدة، تكاد تكفي الأسرة ليوم واحد. وقالت المربية هنادي قاسم لـ"المشهد" إن "قلة الإمكانيات وانعدامها تحول دون تمكننا من صنع الخبر، كل شيء أضحى مكلفا، لا أعلم كيف سنتدبر أحوالنا في مقبل الأيام".الضغط على "حماس"من جهته، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي فايز أبو شمالة أن مواصلة إغلاق المعابر ومنع إدخال السلع والمساعدات، "ينذر بكارثة إنسانية خطيرة ويفاقمها، وعواقب وخيمة على أكثر من مليوني فلسطيني يعتمدون على المساعدات كمصدر رئيسي للبقاء، في ظل انقطاع المواد الغذائية، وتدمير البنية التحتية والأراضي الزراعية". وأكد بو شمالة خلال حديثه مع منصة "المشهد" أن "تداعيات وقف دخول المساعدات، ستقود لتفاقم خطر المجاعة، وحرمان العائلات من أي مصدر غذائي، وتوقف المخابز عن العمل بسبب نقص الدقيق والوقود، بالإضافة لتهديد حياة الأطفال والمسنين بفعل الجوع والبرد، وترك آلاف العائلات بلا مأوى، بفعل تعطيل عمليات الإيواء بسبب منع دخول الخيام".تواصل الحكومة الإسرائيلية الضغط على حركة "حماس"، عبر التلويح بسلاح الصواريخ والحرب، وجددت شروطها القاضية بنزع سلاح "حماس" وخروجها من غزة، كشرط للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.وفي هذا الإطار، صرح المتحدث باسم حركة "حماس" عبد اللطيف القانوع، لمنصة "المشهد" أن "إسرائيل تسعى لتهجير أهالي قطاع غزة، عبر تشديد الحصار، وإغلاق المعابر، ومنع الإغاثة، وقطع الكهرباء مؤخراً، فهي مقطوعة أصلاً منذ اندلاع الحرب، هذه جريمة حرب مكتملة الأركان، وإمعاناً في ممارسة العقاب الجماعي، وتعتبر انتهاكاً صارخاً للاتفاقيات الموقعة، وتجاوزاً لكل الأعراف البشرية". وأكد القانوع لمنصة "المشهد" أن "التصريحات الإسرائيلية عن الخطط العسكرية والحربية لاستئناف القتال في قطاع غزة، فاشلة ولن تنجح، بل تشكل تهديداً جديداً على حياة ومصير الأسرى الإسرائيليين، فلن يتحرروا إلا بالتفاوض.وأشار إلى أن "حماس" تعاملت بمرونة مع جهود الوسطاء ومبعوث ترامب. وقال "نحن التزمنا بالمرحلة الأولى من الاتفاق، وننتظر نتائج المفاوضات المرتقبة وإلزام إسرائيل بالاتفاق والذهاب للمرحلة الثانية". وكشف المحلل السياسي الإسرائيلي إلحنان ميلير عن تفاصيل خطة "القوة والحزم" أو "الجحيم" التي تتجه حكومة تل أبيب لتطبيقها، عبر "إخلاء سكان غزة من الشمال إلى الجنوب، وقطع الكهرباء، والعودة الكاملة للقتال، والضغط على حركة حماس من خلال مراحل عدة، حيث بدأت المرحلة الأولى فعلياً على أرض الواقع، بوقف المساعدات الإنسانية وإغلاق المعابر وقطع الكهرباء".وقال ميلير في حديثه مع منصة "المشهد": "المراحل المقبلة تقوم على إبعاد سكان غزة من شمال القطاع إلى الجنوب، والمرحلة النهائية ستكون بالعودة للقتال والحرب، في حال فشل المفاوضات بين الطرفين".(المشهد)