توصلت تركيا والعراق إلى اتفاق أمني تاريخي لقمع حزب "العمال الكردستاني" المتحصن في جبال شمال العراق، وهو ما يثير تساؤلات عن مستقبل العلاقات المتوترة بين البلدين في ظل هذا الاتفاق الجديد.وذكر بيان لوزارة الخارجية العراقية أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس المخابرات إبراهيم كالين، اجتمعوا مع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وكبار المسؤولين الأمنيين، لبحث القضايا الأمنية مثل الإجراءات المحتملة ضد حزب العمال الكردستاني المحظور في العراق.ويتساءل مراقبون ما إذا كانت ستشارك بغداد في العمليات العسكرية التركية على حزب العمال خصوصا بعد قرار مجلس الأمن الوطني العراقي تصنيف حزب العمال الكردستاني "منظمة محظورة في العراق"، وهو ما رحبت به أنقرة.من جانبه، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن العراق يتجنب الانخراط بشكل مباشر في الحرب الدائرة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني منذ عام 2003، واعتبرها شأنا تركيا رغم أنها تدور على الجغرافيا العراقية.وذكر الشمري في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد": "نحن أمام تحول كبير"، مشيرا إلى أن الحكومة العراقية تسعى إلى توقيع اتفاق أمني مشابه للاتفاق الذي عقدته مع إيران بخصوص ضبط الحدود وترحيل المعارضة الإيرانية.وأكد أن تركيا ضغطت في هذا الاتجاه، وتوقع أن العراق يمكن أن يقدم هذا المسار الأمني لترحيل حزب العمال أو إبعاد عناصره من الحدود من خلال ترتيبات داخلية بين بغداد وأربيل.ويقول الشمري، أستاذ السياسيات العامة في جامعة بغداد، أن هذا الاتفاق قد لا يكون مبررا لكي توقف أنقرة عملياتها العسكرية في شمال العراق، وتوقع باستمرارها بالتزامن مع هذه الترتيبات الأمنية الجديدة، وبالتنسيق بين الجيش العراقيين والتركيين."نقطة تحول"بدوره، يقول المحلل التركي إسلام أوزكان إن هذا الاتفاق إذا تحقق سيؤثر على التوازنات الإقليمية ويمكن أن يكون نقطة تحول في معركة تركيا ضد حزب العمال الكردستاني. وأوضح أوزكان في حديثه مع "المشهد" أنه "لأول مرة توافق بغداد على التنسيق مع تركيا في مجال الدفاع ضد حزب العمال الكردستاني. وهذا تطور مهم". وتابع: "مسألة التنفيذ سيتم توضيحها بعد زيارة الرئيس رجب طيب إردوغان لبغداد بعد الانتخابات المحلية في تركيا".ولفت إلى ان الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كان تنفيذ الاتفاقية ممكنا أو إلى أي مدى يمكن أن يتم. وأكد أن الاتفاق لا يعني أن الجيش العراقي سيشارك بشكل مباشر في العمليات ضد الحزب، بل يتعلق الأمر بتعزيز التعاون من خلال إنشاء لجان مشتركة تركز بشكل حصري على الكفاح ضد الإرهاب. وحمل حزب "العمال الكردستاني"، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية، السلاح ضد الدولة التركية في 1984. وسقط أكثر من 40 ألف قتيل في الصراع.وكان الصراع يدور منذ فترة طويلة بشكل رئيسي في المناطق الريفية بجنوب شرق تركيا لكنه يركز الآن بشكل أكبر على جبال منطقة كردستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق.وتنفذ تركيا منذ 2019 سلسلة من العمليات عبر الحدود في شمال العراق ضد حزب العمال الكردستاني أطلق عليها اسم "المخلب".وتوترت العلاقات بين البلدين الجارين في السنوات الماضية إذ كثفت أنقرة عملياتها عبر الحدود ضد مقاتلي الحزب المتمركزين في المناطق الجبلية بشمال العراق. وقال العراق إن العمليات تنتهك سيادته، لكن أنقرة تقول إن عليها حماية نفسها وحذرت من توغلات جديدة.وتتطلع تركيا إلى توسيع عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في العراق. وبحسب وكالة "بلومبرغ"، تهدف تركيا في نهاية المطاف إلى إنشاء ممر أمني يصل عمقه إلى 40 كيلومترًا (25 ميلًا) على طول الحدود المشتركة.تنازلات في ملف المياهكما تناول الاجتماع قضايا الطاقة والمياه. وتوقع محللون أن تستخدم بغداد الملف الأمني الهام لأنقرة في الضغط عليها في ملفات أخرى.ويتهم العراق تركيا ببناء سدود تسبب بانخفاض منسوب نهري دجلة والفرات في وقت تعاني فيه البلاد من جفاف حاد. ويرى الشمري أنه يمكن لبغداد استخدام مثل هذه الاتفاقات والترتيبات الأمنية للضغط على تركيا للتوصل إلى اتفاق رسمي بشأن إطلاق المياه، وهو ما امتنعت عنه أنقرة لعقود طويلة.وقال لـ"المشهد": "من دون استخدام الملف الأمني للتوصل لهذا الاتفاق في المياه والطاقة، سيكون اتفاقا أحادي الجانب يخدم مصلحة تركيا فقط، ويظهر ضعف المفاوض العراقي".بينما يرى أوزكان أنه يتعين على أنقرة أن تعطي أو تتخلى عن شيء ما لبغداد مقابل مساهمة العراق في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. ويعتقد أن بغداد انتزعت تنازلات من أنقرة فيما يتعلق بقضية المياه وخط أنابيب تصدير النفط بين بغداد وأربيل.يعدّ ملف النفط ملفاً شائكاً بين البلدين، إذ لم تستأنف بعد عمليات تصدير نفط إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي منذ أغلقت تركيا خط الأنابيب قبل عام، بعدما أمرت محكمة تحكيم أنقرة بدفع نحو 1,5 مليار دولار تعويضات لبغداد بسبب نقل النفط من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية."تغيير جذري"وقال وزير الخارجي العراقي فؤاد حسين، في منشور على موقع "إكس": "في لقاء مثمر ببغداد.. تناولنا مجموعة واسعة من القضايا الثنائية والإقليمية، والزيارة المرتقبة للرئيس طيب رجب إردوغان". وأضاف "أكدنا على ضرورة تعزيز التعاون في المجالات الأمنية، التجارية، الطاقة، المياه، التعليم، وفي كل ما فيه مصلحة لبلدينا". وشهدت العلاقات بين أنقرة وبغداد توتراً في السنوات الأخيرة على خلفية ملفات عدة، خصوصا المياه والطاقة والعمليات العسكرية التركية في شمال العراق.ويرى الشمري أن هذا الاتفاق وهذه الزيارة ستعيد صياغة العلاقات بين الطرفين، وخصوصا أن أنقرة ستدرك أن حكومة محمد شياع السوادني تقدم تنازلات كبيرة لها في هذا الملف الأمني، مما يشجعها على الانخراط في ملفات أخرى مثل التنمية، والتي قد يعيد شكل العلاقة بين البلدين.لكن في المقابل، يقول أوزكان إنه على الرغم من أن العلاقات العراقية التركية توترت في بعض الأحيان، إلا أن هذا الاتفاق لن يؤدي إلى تغيير جذري في العلاقات. وتابع: "يعد الاتفاق مهمًا، لكن العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل خاص كانت أقل تأثرًا نسبيًا بالتوترات السياسية واستمرت حتى يومنا هذا". (المشهد)