حاول الغرب قطع الطريق على الاقتصاد الروسيّ ردًا على الهجوم على أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.وبعد مرور عامين، قامت روسيا بهندسة عملية إعادة ترتيب شاملة لعلاقاتها التجارية مع العالم، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.وفي مواجهة العقوبات القاسية، قطعت علاقاتها مع الغرب التي دامت عقودًا من الزمن وعمّقت موسكو اعتمادها على بكين وغيرها من العواصم الحليفة لها. وأبقى هذا التحول، الصناعة العسكرية الروسية والاقتصاد المدنيّ على قيد الحياة في هذه الحرب. ما الطريقة المعتمدة؟ بعد انهيار التجارة الروسية مع أوروبا، أصبحت الصين شريان الحياة الاقتصاديّ لموسكو. وبلغ حجم التبادل التجاريّ بين البلدين مستوًى قياسيًا بلغ 240 مليار دولار عام 2023، حيث باعت روسيا نفطها للصين الذي كان يذهب إلى ألمانيا وفرنسا. وكثّفت بشكل كبير مشترياتها من السلع الصينية للمستهلكين والأجزاء التي تدخل في صناعة الأسلحة. تحويل اليوان للاقتصاد الروسي تجاوز استخدام روسيا لليوان الصيني، الدولار الأميركيّ في صادراتها. لأعوام عدة، حاولت موسكو التخلص من اعتماد اقتصادها على الدولار، دون نجاح كبير، لأنّ معظم تجارة السلع العالمية تعتمد على العملة الأميركية. لكنّ العقوبات الغربية وازدهار صادرات الطاقة الروسية إلى الصين زادت من جاذبية اليوان، حيث قفزت المدفوعات بهذه العملة مقابل الصادرات الروسية إلى نحو إجماليّ الثلث. وفي الوقت نفسه، تقترض الشركات الروسية بشكل متزايد باليوان، بينما تخزن الأسر مدخراتها فيه. أساطيل الظل النفطية قبل الحرب، كان النفط والغاز الروسيان يعملان على تشغيل مصانع أوروبا وتدفئة منازلها، كما كان يوفر قدرًا كبيرًا من عائدات ميزانية موسكو. وأدى الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبيّ على معظم النفط الروسيّ وقرار موسكو، بوقف الجزء الأكبر من صادراتها من الغاز للكتلة، إلى إعادة ترتيب خريطة الطاقة العالمية. وقالت موسكو إنّ نصف صادرات روسيا من النفط والبترول في عام 2023 ذهبت إلى الصين. وبرزت الهند أيضًا كمشترٍ كبير، حيث اضطرت روسيا إلى عرض نفطها بسعر مخفّض عن الأسعار العالمية، بسبب سقف الأسعار الذي حددته مجموعة السبع. واستخدمت موسكو شبكة من الناقلات غير المملوكة للدول الغربية أو المؤمنة من قبل الشركات الغربية، للالتفاف على العقوبات، حيث يُقدّر المحللون أنّ أكثر من نصف النفط الروسيّ المنقول بحرًا، يتم نقله الآن باستخدام أسطول "الظل"."الدائري الأوراسي" ومع منعها من الحصول على العديد من السلع من الغرب، بما في ذلك الإلكترونيات الاستهلاكية والتكنولوجيات الحيوية، وجدت روسيا طريقًا عبر الجمهوريات السوفياتية السابقة. وفي ما أصبح يُعرف باسم "الدائري الأوراسي"، تمكنت موسكو من الحصول على كل شيء بدءًا من السلع ذات الاستخدام العسكريّ المحتمل، إلى الغسالات الغربية والسيارات الفاخرة، والأحذية الجلدية الإيطالية. وتُعدّ أرمينيا مثالًا على ذلك، حيث ارتفعت صادرات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيّ إلى البلاد، التي تحتفظ بروابط تجارية مع روسيا منذ بداية الحرب، بما في ذلك التجارة في السلع ذات الاستخدام المُزدوج، التي يمكن أن يكون لها استخدام عسكري. وفي المقابل، قفزت صادرات أرمينيا إلى روسيا أيضًا بالحجم نفسه. سلسلة التوريد في الحربعلى الرغم من العقوبات الغربية، حصلت موسكو على ثُلث مكونات الحرب ذات المصادر الأجنبية، من شركات مقرها في الولايات المتحدة أو أوروبا أو حلفائهم، وفقًا لتحليل أجرته كلية كييف للاقتصاد. ووفقًا للتحليل، فإنّ معظم المكونات الموجودة في الأسلحة الروسية هي في نهاية المطاف من أصل غربي. استخدمت الشركات الروسية سلسلة توريد معقدة، يتم من خلالها تصميم رقائق الكمبيوتر وغيرها من العناصر ذات الاستخدام المزدوج في الغرب، وتصنيعها في أماكن مثل الصين والفلبين، وبيعها عبر هونغ كونغ وشحنها إلى روسيا. ثم ينتهي الأمر بمثل هذه العناصر في ساحات القتال الأوكرانية بالأسلحة الروسية مثل Tornado-S، وهو قاذفة صواريخ متعددة الإطلاق، بالإضافة إلى "كينغال"، وهو صاروخ باليستيّ روسيّ أسرع من الصوت يُطلق من الجو. توجيه للسياحةغيّرت الحرب الأمور بالنسبة للمستهلكين الروس، حيث تم إعادة تصميم العلامات التجارية الغربية، مثل ماكدونالدز لتصبح علامات تجارية روسية. وانقلب السفر إلى الخارج، والذي كان أحد ركائز حياة الطبقة المتوسطة في الأعوام التي سبقت الحرب. ولكن في حين أنّ الروس يقومون برحلات أقل إلى الخارج عما كان عليه قبل جائحة كورونا، إلا أنهم ما زالوا يسافرون وما زالوا يملأون الشواطئ في أماكن مثل تايلاند ودول أخرى في الشرق.(ترجمات)