يأتي شهر رمضان هذا العام حزينا على الأردنيين، وهم الذين ما زال معظمهم منذ 7 أكتوبر، متسمّرين أمام الشاشات لمتابعة ما يجري في قطاع غزة نتيجة الحرب الإسرائيلية.وشهدت العاصمة الأردنية عمان تغيراً واضحا في الاحتفالات المعتادة لشهر رمضان المبارك، بدلاً من الزينة المعتادة التي تزين شوارع المدينة، اختفى بعضها في أماكن كانت تتزيّن بها سنويا، الأمر الذي يعكس تضامناً مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وتقول زينة الكركي التي تقطن أحد أحياء غرب عمّان "أجد شهر رمضان الحالي يحمل في طياته وجها مختلفا، ولا نشعر بالسعادة التي تغمرنا قبل هلاله عادة على الرغم من اليقين التام بضرورة تعظيم شعائر الله والابتهاج بخير الشهور". وتضيف زينة (38 عاما) والأم لطفلين "مصاب غزة وكمية الأرواح التي تُزهق هناك وحرمة الموت طغت على كل شيء" في الأردن. وتضيف "نشعر بأن الألم الذي أصاب الإنسانية يؤلمنا جميعاً وبمقدار حاجة أطفالنا للسعادة والابتهاج بالشهر الكريم إلا أننا نشعر بحزن دخيل يطغى على حاجتهم".ويركّز الكثيرون في الأردن مؤخرا، على تقديم الدعم والمساعدة والتبرّع لأهل غزة، بدلاً من الاحتفال بالزينة والموائد الرمضانية والسهرات الليلية.حركة تجارية ضعيفةوالذي يجول في عمّان ما قبل شهر رمضان، يلحظ إقبال المواطنين على شراء الزينة والفوانيس، في تقاليد تمنح أجواء الشهر الكريم روحانية. وأكد تجار أردنيون انخفاض الطلب على زينة رمضان هذا العام، وهو ما شدّد عليه عماد النمر، الذي يرى أن الحركة الشرائية فيما يخص زينة رمضان "ضعيفة جدا"، ولم تكن هكذا في الأعوم الماضية.ويقول النمر وهو بائع فوانيس رمضان، يتّخذ من طريق المطار جنوبي عمّان، مكانا لبيع بضاعته "كنت أستقبل أكثر من 50 زبونا يوميا، الآن، لا يزورني سوى 10 زبائن بالحد الأقصى". إلا أن عماد يعترف في الوقت ذاته، أن الحرب على غزة وما يعيشه الغزّيون من أوضاع صعبة، أثّرت كثيرا على نفسية الأردنيين ودفعتهم لعدم الاحتفال. ويشير "ترى الأطفال في بيوتنا ومدارسنا يفتقدون ابتهاج الكبار، يفتقدون الأضواء الرمضانية وما كنا نصنعه في كل عام لاستقبال هذا الشهر إلا أننا لا نقوى على شيء وننتظر بأن يقف العدوان على غزة قبل حلول الشهر الكريم". فيما أكد أحد الزائرين لأحد محال الزينة "تأخذنا الأفكار معهم (أهل غزة) كيف سيصومون في ظل سياسة التجويع التي أتلفت أجسادهم على مدار 5 شهور ". وتساءل أحمد الخوالدة: "كيف سيصومون مع كمية القهر والحزن والفقد؟ كيف سيجتمعون في المساجد التي دُمّرت في غزة. الأمر مؤلم والإنسانية في حالة حداد"."الروح الاجتماعية الواحدة" ويرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي أن الأردنيين متّحدون جميعا "ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة" والذي أفقد الغزيين طعم الحياة. وأضاف خزاعي في حديثه لمنصة "المشهد" أنه عندما ازدادت "الغطرسة الإسرائيلية في القطاع ومشاهد الدمار والقتل وسياسة التجويع، كلّها زادت المشاعر نحو مساندة أهالي قطاع غزة، حيث بات الأردنيون يشعرون أنه لزام عليهم عدم كشف مشاعر الفرح بالشهر الكريم". ويؤكد أن الأردنيين استخدموا "سلاح المقاطعة" للتعبير عن رفضهم لما يجري، في محاولة لإيصال الرسائل للشركات الداعمة لإسرائيل في حملتها العسكرية على قطاع غزة. وأشار خزاعي إلى نفسية المواطنين التي أصبحت "لا تتقبل فكرة الأكل والشرب والسهر في الوقت الذي يرون فيه أبناء جلدتهم في قطاع غزة يُقتلون وتُدمر منازلهم ويفقدون مصدر عيشهم ولا يجدون لقمة الخبز". وقال "الوضع زاد بشكل متسارع، عند رؤيتهم (الأردنيين) أهالي غزة يصارعون من أجل البقاء"، مضيفا أنها مشاعر طبّقت ما يسمى في علم الاجتماع بـ"الروح الاجتماعية الواحدة" مع القطاع. وأضاف الخبير الاجتماعي: "أرواح الأردنيين باتت مرتبطة مع غزة في هذه الحرب. المشاعر موحدة نحو العيش في المعاناة".إحباط من مستقبل الحرب يخضع قطاع غزة فعليا لحصار إسرائيلي منذ سيطرة "حماس" على السلطة في 2007، فيما يعاني سكانه من انعدام للغذاء والدواء منذ أشهر عدة. ويقول خزاعي "الأردني يتوفّر له الغذاء والدواء، إلا أنه بات يرى حاجة الغزيين للطعام والعلاج والدفء والمسكن، كلها أمور تطغى على حاجات الأردنيين المعيشية اليومية". واعتبر أن غياب مظاهر الاحتفال برمضان المبارك في الأردن، مردّه "الإحباط الذي يسيطر على أنفس الأردنيين في ظل قتامة المشهد ومستقبل الحرب في غزة". ويضيف "كيف نأكل وأهل غزة لا يأكلون. كيف نشرب وهم لا يجدون قطرة ماء"، معتبرا أن الروح الاجتماعية هي التي باتت تحكم حياة الأردنيين حاليا. وشدّد خزاعي على أن الأردنيين وعلى الرغم من "الحدود المصطنعة" بين الأردني وبين قطاع غزة وفلسطين بشكل عام، إلا أنهم "لا يؤمنون بها". واندلعت الحرب في 7 من أكتوبر الماضي نتيجة لهجوم غير مسبوق شنته "حماس" وأدى إلى مقتل 1160 شخصا على الأقل، معظمهم من المدنيين، في جنوب إسرائيل، حسب تعداد لوكالة فرانس برس استنادا إلى مصادر رسمية. كما خُطف نحو 250 شخصًا ونقلوا إلى غزة في ذلك اليوم، فيما لا يزال 130 أسيرا محتجزين هناك بينما تقول إسرائيل إن 31 منهم ماتوا. وتعهّدت إسرائيل بـ"القضاء" على "حماس" التي تعتبرها الدولة العبرية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "منظمة إرهابية". ولا تسمح إسرائيل بدخول شاحنات المساعدات من مصر إلا بكميات ضئيلة، حسب الأمم المتحدة التي تحذر من أن 2.2 مليون فلسطيني من أصل 2.4 مليون سكان القطاع الصغير مهددون بمجاعة مع نقص كبير في الغذاء ومياه الشرب.(المشهد)