شهد عام 2024 أحداثا سياسية واجتماعية غير عادية في الولايات المتحدة، تراوحت بين أحكام قضائية تاريخية، ومحاولات اغتيال، فضلًا حملات انتخابية غير تقليدية، ونتائج غير متوقعة، وصولًا إلى انتهاج سياسات خارجية غير مسبوقة تجاه بؤر صراع مشتعلة في أوروبا والشرق الأوسط، وتغيير في تركيبة حلف شمال الأطلسي.وارتبط القسم الأكبر من الأحداث اللافتة التي عاشها الأميركيون هذا العام بالرئيس المُنتخب دونالد ترامب، وحازت هذه الشخصية المثيرة للاهتمام على تغطية صحفية محلية وعالمية طوال السنة.فبعد إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة للمرة الثالثة على التوالي، جذب ترامب اهتمام الرأي العام الأميركي داخل أروقة المحاكم وهو يحاول تبرئة نفسه من تهم جنائية هددته بالسجن، إذ الذي تفاعل الأميركيون مع الحدث ما بين مؤكد ومعارض حيال قرار أصدرته المحكمة العليا، قضى بحصانة الرؤساء من المتابعات القضائية أثناء تأدية مهامهم، وهو ما اعتبره الديمقراطيون اصطفافًا لأعلى هيئة قضائية في البلاد مع ترامب، واتهموا قُضاتها بالجنوح نحو اليمين.استثنائية دونالد ترامب لم تقتصر على كونه أول رئيس أميركيّ يُتابع في 4 قضايا جنائية، فمحاولات الاغتيال التي تعرّض لها في خضم حملته الانتخابية للعودة للبيت الأبيض، بعد مغادرته عام 2020، أيضًا وضعت اسمه في سجل الرؤساء الأميركيّين الناجين من محاولات اغتيال، بعد أن فشلت محاولة اغتياله الأولى أثناء إلقائه خطابًا انتخابيًا بولاية بنسلفانيا في الـ13 يوليو، أُصيب على إثرها برصاصة في الجزء العلوي من أذنه اليمنى، من قبل عشرينيّ يُدعى توماس ماثيو كروكس، ثم فشلت محاولة اغتيال أخرى نفذها الخمسينيّ رايان روث، بملعب الغولف الخاص بترامب في منتجع مار لاغو بولاية فلوريدا. انتخابات تاريخية وبحول الـ5 نوفمبر ضجت الصحف والشاشات بتطورات الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي جعلت من دونالد ترامب مرة أخرى محورًا أساسيًا للتغطيات الإعلامية، التي نقلت نتائج مخالفة تمامًا للتوقعات والاستطلاعات التي استبعدت فوزه بالسباق. المُفارقة أنّ ترامب عاد للبيت الأبيض مرة أخرى، مُتوجًا بفوز كاسح في الولايات الحاسمة، واستحواذ على أصوات المجمع الانتخابي، ونصر شعبيّ صاحبته أغلبية حققها حزبه الجمهوريّ في مجلسي الشيوخ والنواب، ليكون نجاحه في الانتخابات كثاني رئيس أميركيّ يفوز بعهدتين غير مُتتابعتين أحد أبرز أحداث 2024. على الجانب الآخر، كتب الحزب الديمقراطيّ فصلًا ستحفظه كُتب التاريخ عن هذه السنة، بانسحاب الرئيس جو بايدن من الترشح في الـ12 يوليو 2024، واستخلافه بنائبته كامالا هاريس في وقت اُعتبر مُتأخرًا، لتعذّر عرضها لتصويت المندوبين على مستوى الولايات، عدم إتاحته فرصة تقديم مرشحين آخرين غيرها، لمنافسة المرشح الجمهوريّ دونالد ترامب.السياسة الخارجية..صداع أميركا الدائم رغم أخطاء الحزب الديمقراطيّ التي اعتبرها كثيرون إخلالًا بالعملية الديمقراطية، إلا أنّ اختيار هاريس التي تنحدر من أمّ هندية وأب من جامايكا، وقدمت نفسها كذات بشرة سوداء، يُسجل لحسابه كحدث استثنائيّ هذا العام، لكونها أول سيدة ملونة تُرشح للرئاسيات الأميركية. بالموازاة مع صخب الانسحاب والترشيح، وضجيج الحملات الانتخابية، نسجت الإدارة الأميركية بقيادة بايدن وهاريس خيوط سياسة خارجية، أثرت بشكل دراماتيكيّ على العالم بأسره. إذ قدمت واشنطن دعمًا غير مشروط للحكومة الإسرائيلية، ووفرت مساعدات عسكرية غير مسبوقة للحكومة الأوكرانية، واتخذ البيت الأبيض مواقف سيُسجل التاريخ فيها عن عام 2024، وقائع في غزة والشرق الأوسط وأوكرانيا، غيرت وجه العالم. تركيبة حلف الشمال الأطلسي أيضًا تغيرت في عام 2024، بعد انضمام السويد الذي يعتز بايدن وهاريس بتحقيقه خلال إدارتهما، فبعد التحاقها الذي يأتي بعد انتساب فنلندا عام 2023، تكون كل الدول الواقعة على بحر البلطيق باستثناء روسيا، قد أصبحت أعضاء في حلف "الناتو"، الذي يُشدد بايدن على ضرورة تقويته ودعمه، على عكس ترامب الذي يدعو كل دوله للوفاء بالتزاماتها، ويرفض تحميل واشنطن عبء دعمه.عام التحولاتتزامنًا مع ترجع مستويات تعاطف الأميركيّين تجاه أوكرانيا حيث تدور رحايا حربها مع روسيا منذ فبراير عام 2022، بسبب استمرار الدعم الأميركيّ لكييف، رغم المصاعب الإقتصادية التي يواجهونها مع ارتفاع مستويات التضخم، ازدادت حدَّة الاحتجاجات المؤيدة للقضية الفلسطينية في الجامعات الأميركية خلال أبريل 2024. وارتفعت دعوات للتحقيق في ارتكاب الجيش الإسرائيليّ جرائم حرب في غزة، كما طالب المتظاهرون في الجامعات الأميركية بسحب استثمارات المؤسسات التعليمية من إسرائيل، بسبب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، إضافه إلى المطالبة بوقف السياسات الداعمه لإسرائيل وقطع العلاقات بالمؤسسات الإسرائيلية المتورطه في الإبادة الجماعية.كانت هذه أول مرة يُعبر فيها الشباب الأميركيون عن مشاعر مناهضة للحكومة الإسرائيلية، ورفض تعاطي واشنطن معها.واعتبر البروفيسور بجامعة سان فرانسيسكو، ستيفن زونس، حراك الطلبة الجامعيّين الأميركيين كحدث فارق في 2024.وقال في حديث لمنصة "المشهد"، إنّ ما شهدته الجامعات الأميركية، يتعدى كونه احتجاجات طلابية ناقمة على وضع معين، ليُعبر عن فكر مختلف للشباب الأميركيّ المُعارض للمواقف التقليدية لمؤسسات واشنطن، والمناهض لدعم الحروب وتوفير الغطاء السياسيّ والدبلوماسيّ لارتكاب جرائم، كالتي ارتكبتها إسرائيل في غزة.ورأى زونس، أنّ إعادة انتخاب دونالد ترامب، أيضًا كحدث ذي تأثيرات بعيدة المدى، ويتوقع أن تؤثر نتائج انتخابات نوفمبر 2024، بشكل كبير على ما سيحدث خلال 2025، والسنوات المقبلة، خصوصًا وأنّ حزب دونالد استطاع تأمين الأغلبية في الكونغرس، ما يسمح له بتحقيق بعض سياساته، على الأقل قبل انتخابات التجديد النصفيّ في عام 2026. (المشهد - واشنطن)