بعد أسابيع من بداية الحرب على القطاع، ونزوح أكثر من 1.5 مليون فلسطيني من الشمال إلى الجنوب، وتعرّض أكثر من ثلثه للتدمير الكلي بفعل القصف غير المسبوق، ظهرت في الساعات الأخيرة تصريحات إسرائيلية رسمية تقدّم مقترحًا جديدًا أثار الجدل وزاد المخاوف بشأن مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيّين من أرضهم.ومنذ أيام قدّم نائبان بالكنيسيت مقترحًا جديدًا لتوطين الفلسطينيّين خارج غزة، ونشرت مجلة "وول ستريت جورنال" الأميركية قبل أيّام، عمودًا دعا فيه نائبان بالكنيست الدول الغربية للترحيب بمن يرغب في الهجرة وإعادة التوطين من سكّان القطاع، زاعمان أنّ أسباب دعوتهما "إنسانية".وقال النائبان داني دانون العضو البارز في حزب الليكود في الكنيست، والذي شغل منصب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة في الفترة من 2015-2020، وبن باراك عضو الكنيست عن حزب يش عتيد (حزب يائير لابيد)، وشغل منصب نائب مدير الموساد، من 2009 إلى 2011، إنّ أوروبا والولايات المتحدة قبلت من قبل بإعادة توطين الملايين الذين فرّوا من الحروب السابقة في العالم. واعتبرا أنه "بالنظر إلى التاريخ الطويل لأوروبا وأميركا وغيرهما في مساعدة اللّاجئين الفارين من الصراعات، يجب على البلدان في جميع أنحاء العالم أن توفر ملاذًا لسكان غزة الباحثين عن إعادة التوطين". ومضيا مقترحَين "حتّى ولو استقبلت البلدان ما لا يقلّ عن 10 آلاف شخص لكل منها، فإنّ ذلك سيساعد في تخفيف الأزمة". ترحيب إسرائيلي ولاقى الاقتراح ترحيبًا داخليًا إسرائيليًا، والثلاثاء قال وزير المالية الإسرائيلي المثير للجدل، بتسلئيل سموتريتش تعليقًا على ما كتبه نائبا الكنيست، إنّ "الهجرة الطوعية واستيعاب عرب غزة في دول العالم، هو حلّ إنسانيّ يُنهي معاناة اليهود والعرب على حدّ سواء". وقال سموتريتش في تدوينة بموقع "فيسبوك": "أرحب بمبادرة عضوَي الكنيست للهجرة الطوعية لعرب غزة إلى دول العالم"، معتبرًا أنّ "هذا هو الحلّ الإنسانيّ الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها، بعد 75 عامًا من اللجوء والفقر والمخاطر". وأوضح الوزير، زعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، "معظم سكان غزة هم الجيل الرابع والخامس من لاجئي (عام) 48، الذين بدلًا من إعادة تأهيلهم منذ فترة طويلة على أساس إنسانيّ مثل مئات الملايين من اللاجئين في جميع أنحاء العالم، تمّ احتجازهم كرهائن بغزة في ظلّ الفقر". وأيّد وزير الأمن القوميّ الإسرائيليّ إيتمار بن غفير، وزعيم حزب "القوة اليهودية" اليمينيّ المتطرف والذي لطالما دعا إلى تهجير الفلسطينيّين دعوة النائبَين، وكتب على منصّة "إكس" (توتير سابقًا): "في لحظة الحقيقة، يتحدث الجميع بلسان القوّة اليهودية". رفض فلسطيني عربي يأتي المقترح الإسرائيلي الجديد في وقت تتمسك فيه مصر برفض تهجير الفلسطينيّين وإجبارها على استقبالهم موازاة مع توسّع المعارضة الدولية لهذا المخطط. وتعليقًا على هذه الدعوة أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية تصريحات سموتريتش، معتبرة أنّها تمثّل "استخفافًا" بالمواقف الدولية الرافضة لهذا التحرك وجزء من "خطّة استعمارية عنصرية". وفي السياق أيضا أكّد وزير الخارجية المصرية سامح شكري، أنّ تصريحات وزير المالية الإسرائيلي "غير مسؤولة وتخالف القانون الدوليّ، ومرفوضة جملةً وتفصيلًا".وقال في تصريحات صحفية، إنه "قد لوحظ على مدار الفترة الماضية سيولة في التصريحات غير المسؤولة المنسوبة لمسؤولين بالحكومة الإسرائيلية، تخالف في مجملها قواعد وأحكام القانون الدوليّ والقانون الدوليّ الإنساني"، مؤكدا أنّ هذا التصريح "يُعدّ تعبيرًا عن سياسة الحكومة الإسرائيلية المخالفة للقوانين الدولية، وأنّ "أيّ محاولة لتبرير وتشجيع تهجير الفلسطينيّين خارج قطاع غزة، هي أمر مرفوض مصريًّا ودوليًّا جُملةً وتفصيلًا". فشل خطّة إسرائيل الأولى يأتي تقديم مقترح توطين الفلسطينيّين في الدول الغربية بعد أكثر من شهر من بداية الحرب في غزة، وإجبار سكّان الشمال على الهجرة نحو الجنوب، مقابل خفوت الحديث عن الهجرة إلى سيناء المصرية، المقترح الذي عارضته مصر ومعها الأردن بشدّة. ومنذ الأيّام الأولى للحرب، حذّرت الدول العربية وعلى رأسها مصر والأردن، من التهجير القسريّ للفلسطينيّين من غزة. وفيما قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي "إنهم مستعدون للتضحية بآلاف الأرواح مقابل الحفاظ على حبّة رمل في سيناء"، قال رئيس الوزراء الأردنيّ بشر الخصاونة، إنّ أيّ عملية تهجير قسرية للفلسطينيّين في الضفّة الغربية أو في قطاع غزة، سيتعامل الأردن معها باعتبارها "إعلان حرب". وتعود المخاوف العربية من خطط تهجير الفلسطينيّين من قطاع غزة خصوصا إلى سنوات مضت، حيث تعود للأذهان الأخبار والتقارير التي انتشرت عن مخططات إسرائيلية تهدف لتهجير السكان والتوسع في المنطقة ضمن ما يُعرف بمشروع إقامة "دولة غزة الكبرى"، القائم على اقتطاع مساحة من غزة وضم مساحة من سيناء لغزة، تسمح بزيادة مساحة إسرائيل ثلاثة أضعاف. ويقول مدير عام معهد فلسطين لابحاث الأمن القومي اللواء حابس الشروف، إنّ اسرائيل فشلت في تنفيذ مخططها الأوّل بتهجير الفلسطينيّين نحو دول الجوار، موضحًا "من جهة تمسكت مصر والأردن بالرفض وكان موقفهما قويًا وواضحًا في هذا الصدد، ومن جهة ثانية عبّرت السلطة الفلسطينية بوضوح عن أنه لا مجال لأن يغادر الفلسطينيون أرضهم تحت أيّ عنوان". ويرى الشروف في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ إسرائيل تسعى للتغطية على فشلها في تحقيق أهدافها من الحرب على غزة، بما في ذلك تهجير السكان من القطاع من خلال تقديم خطة بديلة لخطّتها الأولى. ويصف المقترح الإسرائيلي الجديد بـ"دسّ السمّ في العسل"، إذ تعتقد إسرائيل وفق شرحه أنّها "قادرة بعد تحطيم البنية التحية لغزة وتدمير القطاع على إغراء الأسر الفلسطينية بمثل هذه العروض". وعن واقعية هذا المقترح وإمكانية تحقيقه، يرى أنّ للدول الغرب سيادتها ولا يمكن أن تفرض عليها إسرائيل استقبال المهجرين من فلسطين، موضّحا أنّ "سياسات الهجرة الدولية تقوم على استقبال الأفراد بناءً على ملفات تُدرس بحسب الوضعيات وتقديم مقترح مثل هذا، يقضي باستقبال آلاف الأسر دفعةً واحدةً هو مقترح عنصريّ يحاول الاحتلال أن يغلّفه بغطاء الإنسانية وحقوق الانسان". استجداء الغرب منذ بداية حربها قبل 41 يومًا على غزة، حظيت إسرائيل بدعم غربيّ قال قادة دوله إنه "دعم لا مشروط". لكنّ هذا الدعم اللّامشروط لم يمكّنها من تحقيق أهدافها التي أعلنتها منذ البداية ومن بينها إفراغ غزة من سكانها. ووفق المحلل السياسيّ الفلسطيني باسل الترجمان، فانّ العجز الإسرائيليّ عن تحقيق تقدم على أرض الواقع أجبرها على تقديم هذا المقترح. ويوضح ترجمان في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ إسرائيل على عكس كل الحروب التي خاضتها سابقًا، تجد نفسها لأول مرة رغم كل عتادها وكل الدعم الغربي السياسي والعسكري لها، عاجزة عن التقدم في غزة وتحقيق أهدافها التي أعلنتها منذ البداية. ويعتبر أنّ مقترح توطين الفلسطينيّين في الدول الغربية، هو محاولة إسرائيلية لاستجاد الغرب بعد تأكدها من الهزيمة. ويضيف "منذ عام 1952 كان هناك طرح إسرائيليّ قائم على ترحيل سكّان غزة بناءً على فكرة شعب بلا أرض وأرض بلا شعب". ويتابع "أعلنت إسرائيل في بداية الحرب نيّتها تهجير الفلسطينيّين إلى مصر، لكنّ هذه الأخيرة رفضت ذلك، فيما رفض الفلسطينيون أنفسهم ذلك لأنّهم لا يرغبون في تكرار نكبة 48". وختم ترجمان مشدّدا على أنّ "إسرائيل وأمام هزيمة فكرتها واحساسها باليأس والعجز، تطلب اليوم من حلفائها الغربيّين أن يجدوا حلًاً لها وتطالبهم باستقبال المرحّلين". (المشهد)