لا صوت يعلو في مصر فوق الحديث عن قضية تعريب مناهج العلوم الطبية، والتي ما لبث أن نادى بها رئيس جامعة الأزهر الدكتور داود سلامة حتى أحدثت حالة من الجدل الواسع لدى الأوساط المصرية المختلفة، خصوصا وأن المطالبة بهذه الخطوة تعد هي الأولى من نوعها داخل البلاد.وكان رئيس جامعة الأزهر الدكتور سلامة داود قد أعلن أن مجلس الجامعة ولأول مرة في تاريخه اتخذ قراراً مهماً بتشكيل لجنة لبحث تعريب العلوم في مجالات الطب والصيدلة وغيرها، لافتاً إلى أن هذه العلوم وضعت في الأصل بالعربية وترجمها الغربيون نقلًا عن علماء المسلمين، وآن الأوان أن نستعيد مكانتنا بالعودة إلى هويتنا في تلقي العلوم التي وضعنا نحن المسلمين أسسها، فابن سينا كتب الطب بالعربية وجمعه في أرجوزة طويلة تبلغ ألف بيت كألفية بن مالك في علم النحو.وعقب توجيه سلامة بتعريب العلوم في كليات الطب والأسنان والصيدلة بجامعة الأزهر، ساد تباين كبير بين المصريين، ففي الوقت الذي أثنى فيه البعض على القرار وطالب بتنفيذه، عبر آخرون عن انتقادهم الشديد له باعتبار أن العلوم الطبية على مستوى العالم يتم تدرسيها باللغة الإنجليزية ولغات أجنبية أخرى ومن ثم يجب الالتزام بها.مُجرد اقتراحوفي ظل اللغط الحاصل حول قضية تعريب مناهج العلوم الطبية في مصر، وما تبعه من انقسام في الشارع المصري، قال المتحدث الرسمي باسم جامعة الأزهر الدكتور أحمد زارع، إن تعريب مناهج العلوم الطبية داخل الجامعة كان مجرد اقتراح ليس أكثر من قبل المسؤولين عن العملية التعليمية بالجامعة، مبيناً أن هذا المقترح ما يزال في مرحلة التدقيق والمناقشة ولم يتم البت فيه بشكل نهائي، وأن كل ما كتب عنه في المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي حول تطبيقه غير صحيح، كاشفاً عدم اتخاذ أي قرار رسمي بشأنه حتى الآن.وذكر زارع في حديثه مع منصة "المشهد" أن مقترح تعريب مناهج العلوم الطبية في كليات الجامعة سيخضع أولاً إلى حوار موسع حول آلية تطبيقه، سواء داخل الجامعة أو خارجها من قبل المتخصصين، وذلك بما يتوافق مع السياسة التعليمية داخل الدولة المصرية، وبما يتماشى مع الفكر الأزهري الوسطي الذي يتمتع بانفتاحه على جميع الثقافات وكافة العلوم والمجتمعات المختلفة كافة، مؤكداً أنه سيتم اتخاذ جميع الأبعاد الأكاديمية والتقنية لضمان تحقيق أفضل معايير التعليم الطبي داخل الجامعة وتلبية احتياجات الطلاب والمجتمع على حد سواء.انعكاسات سلبية وفيما راح يؤكد المتحدث الرسمي باسم جامعة الأزهر على أهمية تعريب مناهج العلوم الطبية، انتقدت عضو لجنة التعليم في مجلس النواب المصري الدكتورة جيهان البيومي، الفكرة برمتها، مشيرةً إلى أن تعريب الطب ليس له أي أهمية، وذلك بسبب صعوبة اللغة العربية في المصطلحات الطبية، إضافة إلى أننا ننقل العلوم عن الغرب ولا نصدرها لهم، لافتةً إلى أن المراجع الحديثة المتعلقة بالطب جميعها باللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن ترجمتها قد تختلف من شخص لآخر، و الترجمة للغة العربية قد تكون مختلفة عن المقصود في الأصل الإنجليزي، كما أن أغلب الإنتاج المعرفي في الطب عالميا باللغة الإنجليزية.ولم تستبعد البرلمانية المصرية حدوث تأثير مباشر فيما يتعلق بالتصنيف الدولي للجامعة، في حال تطبيق قرار تعريب مناهج العلوم الطبية داخل كلياتها، فضلاً عن التأثير في درجة اعتمادها الدولي. وبدوره انتقد المتحدث الرسمي باسم جامعة الأزهر الدكتور أحمد زارع وبشدة كل ما كتب عن قضية تعريب مناهج العلوم الطبية خلال الساعات الماضية، لافتاً إلى أن السبب الرئيسي في حالة الجدل التي رافقت الموضوع هو التناول الخاطئ له من قبل المواقع الإخبارية، حيث إن الكثير من تلك المواقع أو حتى صفحات التواصل الاجتماعي لم تتحر الدقة المطلوبة في شرح الموضوع، وراحوا يروجون أن جامعة الأزهر ستقوم باستبدال اللغة العربية تماماً باللغة الإنجليزية في تدريس مناهج العلوم الطبية، وهذا غير صحيح على الإطلاق.وأشار زارع إلى أنه في حال حدوث توافق بين المتخصصين على هذا المقترح، سيتم إقراره وتنفيذه بشكل لا يلغي نهائياً تدريس اللغة الإنجليزية، لكن سيتم إصدار كتب تتضمن ترجمة المناهج الإنجليزية إلى اللغة العربية من أجل التيسير على الطلاب، وستظل المناهج الإنجليزية كما هي ولن يتم إلغاؤها على الإطلاق.أهداف المقترحويرى زارع أن ترجمة مناهج العلوم الطبية من الإنجليزية إلى اللغة العربية هدفه التيسير على الطلاب ودراسة هذه المناهج بعمق، حتى يستطيعوا التعرف عليها دراسة علمية متأنية، مؤكداً في ذات الوقت أنه لا حرج في ذلك الأمر.ومن جهته كشف الصحفي المتخصص في المجال التعليمي محمد الشرقاوي، أن قضية تعريب الطب في مصر ليس بالأمر الجديد، وأشار إلى أن كليات الطب داخل بلاده شهدت خوض هذه التجربة في السابق وتحديداً ما بين عام 1827 إلى 1887, حيث كان يتم تدريس الطب باللغة العربية في ذلك الوقت، ولكن حينما دخل الاحتلال الإنجليزي في مصر قام بفرض تدريس الطب باللغة الإنجليزية ومنذ ذلك الحين ويدرس طلاب الطب مناهجهم باللغة الإنجليزية.ويرى الشرقاوي في حديثه مع منصة "المشهد" أن تعريب مناهج العلوم الطبية داخل الجامعات المصرية أمر إيجابي ويجب تطبيقه والتعامل به، مؤكداً أن هذا الأمر سيساهم في الحفاظ على اللغة العربية وهويتنا العربية أمام العالم أجمع، كما أنه يعد خطوة هامة نحو تقويم اللسان العربي الذي بات يؤمن ويهتم بالتغريب أكثر من التعريب، ولفت إلى أن هذه التجربة نجحت في العديد من دول العالم ولا سيما المتقدمة في مجالات الطب مثل اليابان وروسيا وألمانيا وفرنسا، حيث إن هذه الدول تقوم بتدريس العلوم الطبية والتطبيقية باللغة المحلية الخاصة بها ونجت في ذلك الأمر.وكانت حالة من الجدل الواسع قد عمت الأوساط المصرية المختلفة مع إعلان رئيس جامعة الأزهر في مصر الدكتور داود سلامة، أن مجلس الجامعة اتخذ خطوة وصفها بالتاريخية نحو تشكيل لجنة لتعريب علوم الطب والصيدلة والهندسة، وتباينت بعدها الآراء بين من يرحب بالخطوة ومن يعارضها ويطالب بعدم تنفيذها.(المشهد - القاهرة)