حملّ الإسرائيليون رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو مسؤولية الهجوم الذي نفّذته حركة "حماس" قبل نحو 3 أسابيع، إذ أظهرت استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخرا أنّ 80% من المشاركين يعتقدون أنه ينبغي تحميله المسؤولية، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام عبرية. وبدا نتانياهو الذي نجح على مدار سنوات عدة في الإفلات من تهم فساد، بوجه شاحب وإجابات يسيطر عليها التردّد، حينما سمح للصحفيّين لأول مرة منذ 7 أكتوبر بتوجيه أسئلة في مؤتمر صحفي، حيث رفض تحمّل المسؤولية كاملة على ما حدث من جرّاء عملية "طوفان الأقصى"، بل راح عقب ذلك المؤتمر ليلقي المسؤولية على قادة الجيش والأجهزة الاستخباراتية، قبل أن يتراجع عن هذه التصريحات.ومنذ الأيام الأولى لعملية "طوفان الأقصى" تتداول وسائل الإعلام المحلية معلومات تفيد بوجود خلافات كبيرة بين قادة الجيش الإسرائيليّ و"بيبي" كما يحب أن يدعوه رؤساء الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي طفى على السطح خلال الأيام القليلة الماضية، إذ إنه بات لا يحظى بدعم قادة المؤسسات الأمنية، بحسب ما يؤكد خبراء تحدثوا مع منصة "المشهد".انتهاء حقبة نتانياهوويعتبر الخبراء أنّ مستقبل نتانياهو السياسي قد انتهى بالفعل حتى ما قبل 7 أكتوبر، إذ يقول المحلل السياسي الفلسطينيّ والباحث في العلاقات الدولية أشرف عكّة، خلال حديثه مع منصة "المشهد"، إنّ المجتمع اليهوديّ يحمّل نتانياهو مسؤوليته عن الانقسامات التي جرت في إسرائيل خلال الأشهر الماضية، "ما حدث من ترهّل ليس فقط في المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، بل أيضًا في كلّ المؤسسات المدنية في الدولة". ويضيف عكّة: "هناك من يتّهم نتانياهو بإفساد المؤسسات المدنية من خلال تعيين المقربين في بعض المراكز الحساسة. وهذا لم يتوقف على المناصب العسكرية. وبالتالي هم يحمّلونه كل أشكال الفشل في إسرائيل خلال الأسابيع الماضية"، مشيرًا إلى أنّ نتانياهو أظهر "ارتباكه وتناقضه مع وجهة نظر مؤسساته العسكرية المختلفة في ما يتعلق بملف إدارة هذه الحرب". ويتفق مع هذا المحلل السياسي الأردني محمد القطاطشة، والذي يقول إنّ عملية "طوفان الأقصى" جاءت لتكتب "الفصل الأخير في حقبة نتانياهو السياسية وإلى الأبد". ويضيف القطاطشة خلال حديثه مع منصة "المشهد": "الضربة التي وجهتها المقاومة الفلسطينية لن تؤثّر على مستقبل نتانياهو وحزبه فحسب، بل ستؤثر على مستقبل البلاد السياسي"، مشيرا إلى أنّ إسرائيل تستعدّ لعقد لجان تحقيق واسعة تبحث الفشل الذريع الذي مُنيت به، و"انهيار أسطورتها العسكرية والمخابراتية". فيما يقول أشرف عكة إنّ "هناك أصواتا داخل حزب الليكود تطالب بالتخلي عن نتانياهو، ليس فقط المعارضين وباقي الإسرائيليّين، لكنّ السؤال هنا هل سيتمّ ذلك في هذه الفترة أم عقب الحرب؟". وأظهر استطلاع للرأي نشرته شبكة "إن بي سي الأميركية"، أنّ جميع المشاركين تقريبًا، 94%، يعتقدون أنّ الحكومة يجب أن تتحمل بعض اللّوم عن هجوم "حماس". وطالب أكثر من نصف المشاركين (56%) بأنه يجب على نتانياهو أن يتقدم بالاستقالة بعد الحرب مباشرة. ولا يستطيع نتانياهو توجيه أيّ جزء من العملية السياسية حاليًا، لا السلام ولا الحرب أيضًا، بحسب تقرير تحليليّ نشرته مجلة الشؤون الخارجية الأميركية "فورين أفيرز"، والتي تقول إنّ "بيبي فقد ثقة قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية". هل يستقيل نتانياهو قبل نهاية الحرب؟يعمل نتانياهو في الوقت الراهن على إطالة أمد الحرب في غزّة، بحسب ما يقول مراقبون وخبراء، وذلك في محاولة منه لتحقيق بعض الانتصارات التي تجنّبه تحمّل الجزء الأكبر من الإخفاق العسكريّ الكبير في هجمات 7 أكتوبر. لهذا يقول المحلل السياسي محمد القطاطشة، إنّ استمرار الحرب يعني بقاء نتانياهو على رأس الحكومة، مشيرا إلى أنّ "بيبي" غيّر نبرته خلال الأيام القليلة الماضية بشأن القضاء على حركة "حماس" نهائيًا، مستبدلًا ذلك بـ"القضاء على قدراتها الدفاعية". وبالتزامن مع التوغلات البرية المحدودة وإعلان دخول الحرب في غزة إلى المرحلة الثانية، قال رئيس الوزراء الإسرائيليّ خلال مؤتمر صحفي السبت، إنّ بلاده تخوض حربًا طويلة بهدف القضاء على قدرات حركة "حماس" وإعادة الأسرى المحتجزين. وهو التصريح الذي اعتبره الخبراء أقلّ حدّة من تصريح سابق تعهّد فيه بالقضاء على "حماس" بشكل كامل وقتل القادة والمخطّطين. لقد أدرك نتانياهو أنه غير قادر على القضاء على حركة "حماس" في غزّة، بحسب ما يرى القطاطشة، مضيفا أنه "الآن في مأزق كبير. التردّد بدا واضحًا عليه والتخبّط الكبير في إدارته حتى في الأزمة الراهنة. لهذا لا يحاول الخروج من هذا المأزق إلا بقتل المزيد من المدنيّين في قطاع غزّة". ومنذ الهجوم الذي نفذته "حماس" وتسبّب في مقتل 1400 إسرائيلي، قتل الجيش الإسرائيليّ نحو 8525 شخصًا في قطاع غزّة من جرّاء القصف المتواصل، وفق ما أحدث حصيلة أعلنتها وزارة الصحة. بدوره، يعتبر المحلل السياسي الفلسطينيّ والباحث في العلاقات الدولية أشرف عكة، أنّ نتانياهو حتى هذه اللحظة يناور لإطالة أمد الحرب، وهي محاولة لتحقيق شكل من أشكال الإنجاز السياسيّ والعسكري تجنّبه جزءًا من اللوم. ويضيف عكة: "لأول مرة في إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 يتمّ الحديث عن إقالة رئيس وزراء أثناء حرب"، مشيرا إلى أنّ "حدوث ذلك لن يؤثر على العملية العسكرية وجوهرها، لأنّ هناك إجماعًا إسرائيليًا على المضيّ قدُما في هذه العملية". واستبعد عكة أن تتم إقالة أو استقالة نتانياهو أثناء الحرب، وهو ما يتفق معه أيضًا محمد القطاطشة، مشيرين إلى أنّ هذا يرجع إلى "الرغبة الأميركية، حيث تدير واشنطن العمليات العسكرية والسياسية في البلاد بشكل غير مباشر، نظرًا لما تقتضيه الضرورة من إرجاء المحاسبة إلى ما بعد الحرب". من يخلف نتانياهو؟ في تقريرها التحليلي، أشارت مجلة الشؤون الخارجية الأميركية "فورين أفيرز"، إلى أنّ الانتصار على "حماس" وحده لن يكون كافيًا لتضميد جراح إسرائيل، حيث إنّ الدولة العبرية سيتحتّم عليها بعد 10 سنوات الاعتماد على الخيارات السياسية التي تتخذها الآن، وليس القرارات العسكرية فقط. وتعتبر المجلة الأميركية في تقريرها الذي حمل عنوان "لماذا يجب على نتانياهو أن يرحل؟" أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي غير مؤهّل لتوجيه أيّ جزء من استراتيجية إسرائيل المستقبلية، سواء الحرب ضدّ "حماس" أو حتى الجهود الرامية إلى تأمين سلام أكثر استدامة من خلال حلّ الدولتَين، إذ تقول: "يجب على إسرائيل أن تعطي الأولوية لرؤية سياسية أكبر، ليس فقط من أجل تقليل التوترات مع الدول المجاورة وتجنّب إغراق منطقتها بالعنف، ولكن من أجل مصلحتها الخاصة المتمثلة في تأمين مستقبلها كدولة قومية ديمقراطية لليهود والحفاظ على سيادتها".وحاول "بيبي" في أعقاب الهجوم المباغت لـ "حماس" السيطرة على شتاته من خلال تشكيل حكومة حرب انضم إليها العديد من القادة الإسرائيليّين الوسطيّين، بما في ذلك وزير الدفاع السابق بيني غانتس ورئيس أركان الجيش السابق الجنرال غادي آيزنكوت، وهي المحاولة التي اعتبرها الخبراء خلال حديثهم مع منصة "المشهد"، بمثابة انتقال سلس للسلطة بعيدًا عن اليمين المتطرّف. ويرى المحلل السياسيّ محمد القطاطشة، أنّ الإسرائيليّين لن يعودوا إلى الأحزاب اليسارية، "وتوجههم الحالي نحو مسؤولين سابقين في أجهزة الأمن والاستخبارات، وذلك بهدف معالجة الخلل الذي حدث من قبل (حماس) في أعقاب عملية طوفان الأقصى".ويضيف القطاطشة: "بالتالي رئيس الحكومة القادم لن يكون مدنيًا"، مستبعدًا أن يتولى زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لابيد الحكومة عقب نهاية الحرب وإقالة أو استقالة نتانياهو. ورفض لابيد الذي يرأس حزب "هناك مستقبل" الانضمام إلى حكومة الحرب "الطوارئ" التي أعلن نتانياهو عن تشكيلها بعد ساعات من هجوم "حماس"، قائلًا "إنّ الحل لحكومة تدمر البلاد ليس الانضمام إليها. بل محاربتها". ويرى القطاطشة أنّ الأقرب لتولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية هو وزير الدفاع السابق بيني غانتس، "وهو رجل يلبّي تطلعات الإسرائيليّين الرافضة لحلّ الدولتَين ويؤيدون استمرار العمليات العسكرية في غزّة ضد الفلسطينيّين الأبرياء". وينظر الشارع الإسرائيلي إلى غانتس باعتباره "بطًلا قوميًا"، بحسب ما يقول المحلل السياسي أشرف عكة، مشيرا إلى أنه قدّم نفسه للمجتمع أكثر من مرة "كمنقذ" حتى خلال فترة الانقسامات حول التعديلات القضائية. ويضيف عكة: "حاول غانتس أكثر من مرة أن يجعل المصلحة الوطنية العليا لإسرائيل أولوية في التحالفات خلال السنوات الماضية. كما أنه جنرال سابق ومقرب من الولايات المتحدة. وتقديمه على المستويَين السياسيّ والعسكري وقت الأزمة، قد يؤشر إلى أنه أكثر القيادات الإسرائيلية المؤهّلة لأن تقود الحكومة بعد نهاية هذه الحرب". وتابع بالقول: "غانتس يتعامل مع الملفّين العسكري والسياسي بحنكة وهدوء ويحاول أن يُظهر إسرائيل موحدة أمام المجتمع الدوليّ في الوقت الراهن". وقبل أيام، كشف استطلاع أجراه معهد لازار للأبحاث لصالح صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أنّ 49% من الإسرائيليّين يعتقدون أيضًا أنّ زعيم معسكر الدولة بيني غانتس هو الشخصية الأكثر ملاءمة لقيادة حكومة البلاد، مقابل 29% فقط لصالح نتانياهو. (المشهد)