وجّه انهيار بنك "سيليكون فالي" ومصارف أميركية أخرى في الآونة الأخيرة، أنظار العالم نحو الفيدرالي الأميركي الذي يجتمع بعد أسبوع للنظر في قرار إمكانية رفع الفائدة وما سينبثق عن ذلك من آثار على القطاعات المصرفية في مختلف دول العالم. وأدى انهيار 3 مصارف أميركية، إلى تهاوي أسهم البنوك وتراجع أسعار الذهب وانخفاض أسعار النفط بالإضافة إلى حالة هلع بين المواطنين والمستثمرين وأصحاب الشركات. وفي حين اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن خطوات لطمأنة الأسواق ولحفظ الثقة في قطاعها المصرفي كي لا تتكرر الأزمة المالية العالمية لعام 2008، إلا أن التساؤلات باتت مطروحة حول بقاء الخطر رغم الإجراءات وهل سيؤثر هذا الانهيار على الدول العربية أم لا.رفع أم تخفيض للفائدة؟ الكاتبة الصحفية من واشنطن هديل عويس أشارت في تصريحات لمنصة "المشهد" إلى وجود حالة من الانقسام الكبير بين الاقتصاديين حول قرار الفيدرالي الذي سيُتخذ في 21 أو 22 مارس الجاري. ولفتت إلى أن هناك تساؤلات عدة حول "هل سيستمر برفع أسعار الفائدة أم هل سيثبتها أو سيخفضها"، مُبينة أن الرأي الغالب يقول بأنه سيثبت أسعار الفائدة. وقالت إن تخفيض الفائدة "أمر مستبعد بشكل تام"، مشيرة إلى أن الفيدرالي الأميركي ربما يتوقف عند هذا الحد ويبتعد عن سياسة رفع أسعارها لمكافحة التضخم لأن أسعار الفائدة المرتفعة جدا أسهمت لحد كبير بأزمة بنك "سيليكون فالي" وأزمات بنوك أخرى في الولايات المتحدة. وأضافت عويس أن التقرير الذي صدر الثلاثاء يشير إلى انخفاض معدلات التضخم ولو كان بنسبة ضئيلة في الولايات المتحدة بقيمة 6% وهي أقل نسبة تضخم على الأقل منذ سبتمبر 2021 منذ بداية التضخم وضربها للاقتصاد الأميركي وبالتالي قد يكون ذلك محفزا للبنك المركزي الأميركي ليتوقف عن رفع أسعار الفائدة. وأوضحت أن رفع أسعار الفائدة من قبل البنك الفيدرالي المركزي عام 2021 انعكست إيجابا في حل المشكلة الأولى، لافت إلى أن مشكلة التضخم لم تنتهي حاليا. وأضافت "رأيناها تنخفض تدريجيا مع ارتفاع معدلات الفائدة ومن جهة أخرى عبر أزمة البنوك والانهيارات المصرفية وقلة ثقة الأميركيين بالنظام والقطاع المصرفي والمستثمر". وقالت عويس "ربما أكبر شركات إدارة الأصول ومراقبة الأصول في العالم تتوقع أن يتوقف الاحتياط الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة وعوضا عن ذلك يقوم بمنح الثقة من جديد للمصارف لكي يعود للحياة". من جهتها، قالت مديرة مكتب صحيفة الشرق الأوسط في واشنطن الدكتورة هبه القدسي في حديثها لمنصة "المشهد" إن التداعيات تتسارع مثل لعبة الدومينو على بنوك استثمارية أخرى في الولايات المتحدة والتأثير الأكبر على البنوك الأوروبية، إضافة إلى التراجع والاضطراب في سوق "وول ستريت". وأشارت إلى أن هناك توجه في البنوك المركزية الأوروبية لرفع أسعار الفائدة كما كان هناك توجه لدى الفيدرالي الأميركي برفع ربع نقطة مئوية في اجتماعة المقبل، مضيفة "يبدو أن هناك ضغوط كبيرة علي جيروم باول لكي يتًراجع عن رفع جديد لسعر الفايدة". وحول إمكانية رفع الفائدة أو تخفيضها بعد انهيار سلسلة البنوك الأميركية، قال المحلل الاقتصادي الأردني عامر الشوبكي إن البنك الفيدرالي يعدّ أكثر المطالبين بإبقاء رفع سعر الفائدة من أجل كبح التضخم. وتوقع الشوبكي في تصريح لمنصة "المشهد" زيادة الفائدة بنسبة 0.25% خلال اجتماع البنك في 22 مارس الجاري، مضيفا أن ذلك يأتي "رغم التوقعات الخاصة بأن الفيدرالي سيقوم بتأجيل اجتماعه أو تجميد هذا الارتفاع لتتضح الصورة بالنسبة للبنوك الأميركية وتهدأ الأسواق التي فقدت نصف تريليون دولار من قيمتها السوقية". وأضاف "رفع الفائدة أو تخفيضها سيسهم في تخفيف الأزمة والأسواق تنتظر هذا الأمر. أي إجراء على رفع أسعار الفائدة سينذر بمزيد من الانهيارات في البنوك الأميركية ويفاقم الأزمة".هل زال الخطر؟ وفي هذ السياق، أشارت عويس إلى أن الخطر لم ينته بعد وأن هناك خوف من حالة العدوى التي تنتقل بين البنوك الأميركية وأخرى في أوروبا تتأثر بما حدث مع بنك "سيليكون فالي" وتستشعر التصدعات التي عانت منها خلال الفترة الماضية. وأوضحت أن الخطر ما زال قائما وهناك تحليلات سياسية واقتصادية في كل اتجاه وهناك من الجمهوريين في الولايات المتحدة من يقول "إننا على مشارف أزمة مصرفية كبيرة ستتفاقم". هناك من يرى بأن أزمة بنك "سيليكون فالي" متعلقة بسياسة البنك نفسه الذي ذهب إلى تمويل بعض المشاريع الخضراء الصديقة للبيئة بنسبة فائدة 0% وبالتالي تعرض لخسائر لا تنطبق على بنوك أخرى. ولفتت القدسي إلى أن البنوك الأميركية تبدي حاليا مقاومة كبيرة في ظل هذه الأجواء المضطربة ولديها قواعد مالية وسيولة تجعلها في مأمن نسبيا، لكن الخطر لايزال قائم وخاصة من انهيار ثقة المستثمرين والعملاء فيها. وأضافت "الاقتصاد الأميركي أكبر من أن يهتز لانهيار 3 بنوك والأزمة الحالية لا يمكن مقارنتها بالأزمة المالية عام 2008". فيما أكد الشوكبي أنه "من المبكر القول أن الأزمة أصبحت خلفنا"، مبينا أن هنالك "تحسن في قيمة البنوك السوقية بعد انخفاض التضخم من 27% والآن 26% وهذا لا يعني تخطي الأزمة". واعتبر الشوكبي أن خفوت حدة الأزمة يتوقف على تصرف المودعين والعملاء في البنوك إذا ما قاموا بالهلع لسحب ودائعهم، الأمر الذي أن تم سيفاقم الأزمة. ماذا بشأن المصارف العربية؟ وحول التأثيرات المتوقعة على الدول العربية ومصارفها، بينت القدسي أنه "سيكون التأثير محدودا على المصارف العربية التي تتمتع بقدر كبير من الرسوخ المالي والقدرة علي مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية". وقالت القدسي: "البنكين اللذين أفلسا قبل سيليكون فالي (سيغنتشر بنك، وسيلفرغيت كابيتال بنك)، هما مصرفان صغيران، وسبب إفلاسهما مرتبط بالخسائر في سوق العملات المشفرة في حين أن البنوك العربية غير مرتبطة بالعملات المشفرة، ولا مخاطر عليها من الانهيارات المتكررة لسوق العملة الرقمية، كما أنها غير مرتبطة بالقطاع التكنولوجي على عكس بنك "سيليكون فالي". فيما قال الشوبكي "لا يوجد ارتباط بين أزمة مصرفي سيلكون فالي وسيغنتشر مع البنوك العربية. هناك تأثير غير مباشر بعد انخفاض قيمة بعض الأسهم العربية". وأضاف "هذا الأمر مختلف في دول الخليج مثلا. هنالك ضبط للودائع من هذه الدول وأيضا فهي تمتلك المصرف كله أو جزء منه إلى حد كبير". ويعتقد الخبير الأردني أن الدول العربية بعيدة عن الأزمة لغاية الآن كما أن الدول الخليجية لن تتأثر بالكامل و"هذا كان واضحا في أزمة 2008 حيث كانت البنوك الخليجية الأقل تأثرا عالميا". إلا أن عويس كان لها رأي آخر، وقالت إن تداعيات هذه الأزمة قد تتأثر بها الدول الخليجية والأسواق المرتبطة إلى حد كبير بالسوق الأميركي والشركات الأميركية. وأكدت أنها ستبقى في نطاق غير بعيد لحالة الأزمة التي عانى منها "سيلكون فالي" وهي أزمة متعلقة بمشاريع موجودة في الولايات المتحدة وكل ما تأزمت أكثر فيها سنجد أثر أكبر على الدول العربية. واعتبرت أن انخفاض التضخم قد يؤثر إيجابا على الأسواق في الشرق الأوسط ولكن في بعض الدول لا قوانين ضابطة للتضخم وإن ارتفعت الأسعار فإنها لا تنخفض مرة أخرى.ما هي السيناريوهات المتوقعة؟ "هناك سيناريوهات عدة أهمها خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية كما توقعت بعض البنوك وشركات مراقبة الأصول" بحسب عويس. وأضافت الباحثة السورية "القطاع العقاري للولايات المتحدة وحركة البيع وشراء العقارات متراجعة لأقل مستوى منذ عام 1995 وجميع حركات بيع العقارات تعتمد على البنوك والقروض". وقالت عويس إن هناك سيناريوهات سياسية بيد جو بايدين حول كيف ستتعامل السياسة الأميركية مع هذه الأزمة في ظل معاناة البنوك الأخرى، خصوصا وأن المواطنين يخشون شبح أزمة عام 2008 وانهيار بعض البنوك والشركات الضخمة، والتي أدت إلى سخط كبير لدى الطبقتين المتوسطة والفقيرة. في حين قالت القدسي حول السيناريوهات المتوقعة، إن الخطوات التي اتخذتها سلطات التنظيم المصرفي في أميركا هي الاستيلاء على الأصول والقروض للبنوك الثلاثة وعرضها للاستحواذ، وبالتالي بات إفلاس هذه البنوك لا يعني أن أموال المودعين قد ذهبت، بل سيتم تنظيمها. أما بالنسبة للفيدرالي الأميركي، فهناك سيناريوهان اثنان وفق القدسي:إما أن يمضي قدما في خطته لإقرار رفع الفائدة بمعدل ربع نقطة في إصرار على كبح جماح التضخم خصوصا وأن المخاوف بدأت تهدأ مع إعلانات إدارة بايدن بالتشديد والخطوات التنظيمية للسلطات المصرفية وأيضا مع صعود نسبي لمؤشرات الأسهم الاميركية الثلاثاء والأربعاء.السيناريو الآخر وفق القدسي يدور حول "أن يعمل الفيدرالي على التهدئة ويعلن الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية من دون زيادة إلى أن تستقر وتنتهي حالة الذعر والمخاوف ثم يعلن في اجتماعه المقبل بعد شهرين رفع الفائدة بنسبة نصف نقطة مئوية".فيما اعتبر الشوبكي أن الأزمة تتوقف على تحركات "البنك المركزي في الولايات المتحدة والاحتياط الفيدرالي الأميركي الذي قام بخطوات جادة لمحاصرة الأزمة كما حصل في دور أوروبية عدة ومصارف آسيوية". وقال إن ما يمكن أن ينتهجه الفيدرالي الأميركي اتخذه بالفعل "من منح قروض ميسرة للبنوك في حال احتاجت لإمدادات مالية من ودائع العملاء". وأكد الشوبكي "أعتقد سيكون هناك ضبط آخر لتعديل تصرفات الهيئات الإدارية في البنوك إذا ما كان هناك أخطاء استراتيجية كما حدث مع مصرف سيلكون فالي".(المشهد)