قبل يومين أعلن نائب رئيس الوزراء الإثيوبيّ، ديميكي ميكونين، اعتزام بلاده البدء في المرحلة الرابعة من ملء سدّ النهضة، وذلك خلال شهريّ يوليو وأغسطس المقبلين .وكانت الدولة الإثيوبيّة، قد شرعت منذ العام 2011، في بناء سدّ النهضة، الواقع على النهر الأزرق وبالتحديد بالقرب من حدودها مع دولة السودان، بطاقة تقدر بـ 74 مليار مترٍ مكعب، دون الاتّفاق مع دولتيّ المصبّ وهما مصر والسودان، مُستغلّة تداعيات ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بحكم الرئيس المصريّ الأسبق محمد حسني مبارك.ويأتي هذا الإعلان، الحالي، بينما تسعى كلّ من مصر والسودان إلى التوصّل إلى اتّفاق قانونيّ مُلزم مع إثيوبيا، حول قواعد مِلء وتشغيل السدّ الإثيوبيّ، بما يضمن عدم المساس بحصتيّ بلديّ المصبّ والتي تقدّر بـ 84 مليار مترٍ مُكعب سنويًّا (55 مليار مترٍ مكعب لمصر و29 مليار مترٍ مكعب لصالح السودان) وهذه الحصّة حصلت عليها الدّولتان خلال اتّفاق الاستخدام الكامل لمياه النيل عام 1959. وخلال أكثر من 12 عامًا، تواصلت المفاوضات الماراثونية بين البلدان الثلاثة دون التوصّل إلى اتّفاق مُلزم ومُوقّع بينهم، وسط رفض وتعنّت إثيوبيّ انتهاجًا لسياسة فرض الأمر الواقع ودون الالتفات إلى الحقوق التاريخيّة لكلّ من مصر والسودان، واكتفت فقط بالتوقيع على اتّفاق المبادئ بين الدول الثلاث في العام 2015، وفقًا لخبراء.وشهدت المفاوضات مراحل كثيرة ووساطات متعدّدة تمثّلت في الاتّحاد الإفريقيّ ومجلس الأمن والولايات المتحدة الأميركيّة، ولكنّها توقّفت دون التوصّل إلى اتفاق مُلزم للأطراف الثلاثة.وبحسب خبراء، تستهدف الدولة الإثيوبيّة من عمليّة الملء الرابع تخزين قرابة 20 مليار متر مكعّب من المياه، في الوقت الذي قامت بملء قرابة 17 مليار مترٍ مكعب خلال مراحل الملء الثلاث الماضية، وهو ما سيؤثّر على حصّة بلديّ المصبّ.وفي الوقت الذي تؤكّد مصر تمسّكها وسعيها إلى الوصول إلى اتّفاق ملزم لكلّ الأطراف بما يضمن حقوقها التاريخيّة في مياه النيل التي تعتمد عليها بشكل أساسي، تأتي تصريحات الجانب الإثيوبيّ لتشير إلى أنّ السدّ لن يؤثر على حصتيّ دولتي المصبّ، وذلك دون ضمانات حقيقيّة لهذه التصريحات.ما تأثير الملء الرابع على دولتي المصبّ؟ كيف ستؤثّر عملية الملء الرابع على دولتيّ المصبّ؟.. يُجيب أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور نادر نور الدين، قائلًا:" إنّ المرحلة الرابعة بالتأكيد ستؤثّر على حصتيّ مصر والسودان خاصة أنّ كميّات المياه التي ستقوم إثيوبيا بتخزينها أكثر من المراحل الثلاث الماضية وتُقدّر بحوالي 22 مليار متر مكعب".ويوافقه الرأي خبير المياه المصري، الدكتور عباس شراقي، مُضيفًا، في تصريح للمشهد :" أنّ بدء ملء المرحلة الرابعة أمر مُتوقّع خاصّة أنّ التخزين يأتي مع موسم الأمطار في إثيوبيا ولكنّ الكميّة هذه المرّة ستكون كبيرة".وأوضح أنّ الجانب الإثيوبيّ لم يُعلن بشكل رسمي حجم المياه التي يعتزم تخزينها خلف السدّ، لافتًا إلى أنّه من المتوقّع أن تتراوح كمياّت المياه ما بين 18 مليار متر مكعب إلى 25 مليار متر وهذه المياه بالتأكيد هي من حصّة مصر والسودان .في حين، اعتبر الصحفيّ الإثيوبي، أنور إبراهيم، في تصريح لمنصة المشهد، أنّ الإعلان من جانب نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، هي بادرة لم تكن موجودة في مراحل الملء الثلاث السابقة وهي دليل على حسن النوايا من الجانب الإثيوبي، لافتًا إلى أنّ توقيت الملء هو التوقيت الأنسب لأنّ الأمطار تكون غزيرة في هذا الوقت من العام.وقال إنّ عمليّة الملء الرابع للسدّ لن تؤثّر على حصتيّ كلّ من مصر والسودان، مشيرًا إلى أنّ البيان الإثيوبي يؤكد أنّ الملء لن يضرّ بدولتي المصبّ.استئناف المفاوضاتهل تواصل إثيوبيا سياسية عدم الالتفات إلى مطالب مصر والسودان وتواصل مراحل بناء وملء السدّ بشكل منفرد؟يرى الدكتور نادر نور الدين، أنّ الجانب الإثيوبي عازم على الاستمرار في سياسة فرض الأمر الواقع من خلال الاستمرار في بناء وملء السدّ دون التوصّل لاتفاق مع دولتي المصبّ، مشيرًا إلى أنّه قبل شهرين كانت هناك تصريحات من الجانب الإثيوبي تُشير إلى أنّ الوقت غير مناسب لاستئناف المفاوضات بسبب الحرب في السودان.في الوقت الذي يرى فيه الصحفي الإثيوبي أنور إبراهيم، أنّ عملية بناء السدّ شارفت على الانتهاء وبالتالي سيكون هناك اتّفاقًا بين الدول الثلاث على الخطوات المُقبلة، موضحًا أنّ اللّقاء الذي جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في فرنسا، قبل يومين، وعلى الرّغم من أنّه كان مجرّد تبادلٍ للتحيّة، إلا أنّه قد يدفع الأمر في طريق عودة المفاوضات من جديد.من جانبه، يرى أيضًا الدكتور عباس شراقي، أنّ لقاء كلّ من "السيسي" و"آبي أحمد" في فرنسا، قد يكون نواة لحلحلة القضيّة وإعادة المفاوضات، مشيرًا إلى أنّ المشكلة الحقيقيّة ليست في عودة المفاوضات من عدمها، ولكن في وجود نيّة حقيقية من إثيوبيا لحلّ القضية.وأشار "شراقي" إلى أنّ الدول الثلاث دخلوا في مفاوضات شاقّة ومُضنية خلال السنوات الماضية من أجل الاتفاق إلى حلّ ولكن في النهاية تنتهي هذه المفاوضات إلى طريق مسدود، مؤكّدًا ضرورة أن يكون هناك ثقة في حسن نوايا الأطراف المتفاوضة من أجل الوصول لاتفاق وهذا يستوجب وجود تنازلات من الأطراف الثلاثة.وأوضح أنّ الجانب الإثيوبي منذ بداية إعلانه بناء السدّ وهو يعمل وفق سياسة فرض الأمر الواقع على دولتي المصبّ، في حين تؤكّد مصر أنّ لديها كلّ الخيارات التي تحفظ حقّها التاريخيّ في مياه النيل.ويرى أنّ السياسة المصريّة في هذا الاتّجاه سياسة رشيدة تقوم على احترام المواثيق والعهود الدوليّة، وتسعى من خلال المجتمع الدوليّ إلى التوصّل إلى اتّفاق عادل لكلّ الأطراف، فمصر في النهاية تريد للدولة الإثيوبيّة أن تقيم مشروعات تنمويّة ولكن في نفس الوقت يجب أن تُحافظ على حقّها في مياه النيل.وماذا بعد؟ما هي الخطوة القادمة في هذا الملفّ يتوّقع الصحفي الإثيوبيّ، أنور إبراهيم، استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث، من أجل التوصّل إلى حلٍّ للقضية، على الرّغم من التأثيرات السلبيّة للحرب السودانيّة على مجرى المفاوضات.فيما يرى الدكتور عباس شراقي، أنّ مرحلة الملء الرابع ستكون أكبر من المراحل الثلاث الماضية، وبالتّالي من المتوقّع أنّ الملء الخامس، بعد عام، سيكون أكبر وهذا بالتأكيد سيتسبّب في أضرار كبيرة لكلّ من مصر والسودان الأمر الذي ترفضه الدولتان.وأوضح أنّ مصر أكّدت أكثر من مرة أنّها لن تُفرّط في حصّتها من مياه النيل، وبالتالي ستلجأ مصر إلى حفظ حقوقها عبر كلّ السّبل القانونية التي يتوافق عليها المجتمع الدوليّ من أجل الحفاظ على حصّتها خاصّةً مع التعنّت الإثيوبيّ في التوّصل لاتّفاق بين البلدان الثلاثة.وأشار إلى أنّ مصر تسير في هذا الاتّجاه عبر مسارين وهما:مسار الحفاظ على توفير المياه لشعبها من خلال إنشاء محطّات لتحلية مياه الصرف الصحيّ، وانتهاج سياسة زراعيّة مختلفة لتوفير المياه.مسار ثانٍ يتعلّق باتّخاذ خطواتٍ للحفاظ على حقوقها التاريخيّة في مياه النيل والتي تقدّر بحوالي 55 مليار متر مكعّب سنويًّا.وقال إنّ مصر ستسعى إلى استئناف المفاوضات مجدّدًا من أجل التوصّل إلى اتّفاق يلزم الجانب الإثيوبيّ بوضع قواعد محدّدة بشأن ملء وتشغيل السدّ.(المشهد)