عاقب الناخبون الأتراك الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية الأحد، في انتخابات محلية على مستوى البلاد، أكدت أنّ المعارضة لا تزال تمثل قوة سياسية، وعززت مكانة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، باعتباره أهم منافس للرئيس في المستقبل.وأعلن إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسيّ في تركيا، فوزه في انتخابات رئاسة البلدية في أكبر مدن تركيا، وأوضح أنه يتقدم بفارق تجاوز مليون صوت بعد إحصاء 96% من بطاقات الاقتراع.وتمثل هذه النتيجة أسوأ هزيمة لإردوغان وحزب العدالة والتنمية بعد أكثر من عقدين في السلطة، وقد تكون مؤشرًا على تغيّر في المشهد السياسيّ المنقسم في البلاد."نقطة تحوّل" وفي كلمة ألقاها بعد منتصف الليل، وصف إردوغان نتيجة الانتخابات بأنها "نقطة تحوّل".وقال إمام أوغلو في كلمة لأنصاره في وقت متأخر الأحد: "من لا يفهمون رسالة الشعب سيخسرون في نهاية المطاف"، وهتف بعض أنصاره مطالبين إردوغان بالاستقالة.كما فاز مرشح حزب الشعب الجمهوريّ بالانتخابات البلدية في أنقرة، إلى جانب فوز الحزب بـ9 مقاعد أخرى لرؤساء البلديات في مدن كبرى على مستوى البلاد.وقال محللون إنّ أداء إردوغان وحزب العدالة والتنمية، اللذين يحكمان تركيا منذ أكثر من عقدين، كان أسوأ مما توقعته استطلاعات الرأي، بسبب ارتفاع معدل التضخم وسخط الناخبين الإسلاميّين، إلى جانب القبول الذي يحظى به إمام أوغلو في إسطنبول.وأضاف إمام أوغلو (53 عامًا)، وهو رجل أعمال سابق، دخل مجال العمل السياسيّ في 2008 ويعتبره مُحلّلون الآن منافسًا رئاسيا محتملًا: "التأييد والثقة التي يضعها مواطنونا فينا ظهرت بالفعل".وفي العاصمة أنقرة، تجمّع الآلاف ليلًا وهم يلوّحون بأعلام حزب الشعب الجمهوريّ انتظارًا لخطاب سيلقيه رئيس البلدية منصور ياواش، الذي تغلب على منافسه من حزب العدالة والتنمية في ضربة أخرى لإردوغان.تغير المشهد السياسيونظّم إردوغان حملة انتخابية قوية قبل الانتخابات البلدية، التي وصفها محللون بأنها مقياس لحجم الدعم الذي يحظى به الرئيس، إلى جانب قدرة المعارضة على الاستمرار. وقد يشير الأداء المخيّب للآمال للرئيس، إلى تغيّر في المشهد السياسيّ المنقسم في البلد صاحب الاقتصاد الناشئ الكبير.وبعد ساعات من انتهاء التصويت، توجّه الرئيس إلى أنقرة قادمًا من إسطنبول لإلقاء كلمة للشعب.وتوقّعت استطلاعات رأي تقارب السباق الانتخابيّ في إسطنبول، وخسائر محتملة لحزب الشعب الجمهوريّ في أنحاء البلاد.لكنّ وكالة الأناضول التي تديرها الدولة، نشرت نتائج رسمية بعد فرز بعض صناديق الاقتراع، أظهرت خسارة حزب العدالة والتنمية وحليفه الرئيسيّ، منصب رئيس البلدية في 10 مدن كبيرة منها بورصة وبالق أسير في الشمال الغربيّ للبلاد.وأظهرت النتائج تقدم حزب الشعب الجمهوريّ على مستوى البلاد بنحو 1% من الأصوات، وهي المرة الأولى التي يحقق فيها ذلك منذ 35 عامًا.وقال أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة بوجازيجي بإسطنبول ميرت أرسلانالب، إنّ هذه "أشد هزيمة انتخابية" لإردوغان منذ وصوله إلى السلطة في 2002.وأضاف: "أظهر إمام أوغلو قدرته على تجاوز الانقسامات الاجتماعية والسياسية المتأصلة التي تميز المعارضة التركية، حتى بدون دعمهم المؤسسي".وذكر، "هذا يجعل (إمام أوغلو) المنافس الأكثر قدرة على المنافسة السياسية لنظام إردوغان على المستوى الوطني".بزوغ نجم إمام أوغلووجّه إمام أوغلو لإردوغان أكبر ضربة انتخابية منذ عقدين في السلطة، بفوزه في انتخابات 2019، لينهي بذلك حكم حزب العدالة والتنمية وأسلافه الإسلاميّين، الذي دام 25 عامًا في المدينة.وتولى إردوغان منصب رئيس بلدية إسطنبول في التسعينيات.وفي العام الماضي، تمكن الرئيس من الفوز بفترة جديدة وبأغلبية برلمانية مع حلفائه القوميّين، رغم أزمة غلاء المعيشة المستمرة منذ أعوام.وقال مُحلّلون، إنّ سبب عزوف الناخبين عن تأييد حزب العدالة والتنمية هذه المرة، يعود إلى الضغوط الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع معدل التضخم الذي وصل إلى ما يقرب من 70%، وتباطؤ النمو بسبب سياسة التشديد النقدي.وقال هاكان أكباس، وهو مستشار كبير في مجموعة أولبرايت ستونبريدغ، "كان الاقتصاد هو العامل الحاسم.. لقد طالب الشعب التركيّ بالتغيير، وأصبح إمام أوغلو الآن الغريم الأساسيّ للرئيس إردوغان".وأوضحت مجموعات مؤيدة لإمام أوغلو أمام مبنى بلدية إسطنبول، أنهم يريدون رؤيته يخوض الانتخابات الرئاسية أمام إردوغان في المستقبل.وقالت إسراء، وهي ربة منزل، "نحن سعداء للغاية. أحبه كثيرًا. ونود أن نراه رئيسًا".إضعاف حزب العدالة والتنميةوأدى تزايد الدعم الشعبيّ لحزب الرفاه الجديد الإسلامي، الذي اتخذ موقفًا أكثر تشددًا من موقف إردوغان ضد إسرائيل، بسبب الصراع في غزة، إلى إضعاف الدعم الموجه لحزب العدالة والتنمية. وانتزع الحزب الفوز في مدينة شانلي أورفا، من أحد المرشحين الحاليّين لحزب العدالة والتنمية في جنوب شرق البلاد.وأعيد انتخاب إمام أوغلو على الرغم من انهيار تحالف المعارضة الذي فشل في الإطاحة بإردوغان العام الماضي.وكان للناخبين من الحزب الرئيسيّ المؤيد للأكراد، دور حاسم في نجاح إمام أوغلو في عام 2019. وقدّم حزبهم، حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، هذه المرة مرشحه الخاص في إسطنبول. لكنّ النتائج أشارت إلى أنّ أكرادًا عدة، وضعوا الولاء للحزب جانبًا، وصوتوا لصالح إمام أوغلو مرة أخرى.وفي جنوب شرق البلاد الذي تسكنه أغلبية كردية، أكّد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب قوته وفاز بالانتخابات في 10 بلديات. وفي أعقاب الانتخابات السابقة، استبدلت الدولة رؤساء البلديات المؤيدين للأكراد، بأمناء معيّنين بسبب صلاتهم المزعومة بمسلحين.واندلعت أعمال عنف في وقت سابق من اليوم، واشتبكت مجموعات مع بعضها في جنوب شرق البلاد، ببنادق وعصيّ وحجارة، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 11. وقالت وكالة أنباء الأناضول إنّ مرشحًا قُتل وأصيب 4 في اشتباكات.وأفادت وكالة ديميرورين للأنباء، بأنّ شخصا قُتل بالرصاص وأصيب آخرون خلال الليل قبل الانتخابات في بورصة. (رويترز)