لا تعتبر هذه المرة الأولى التي تغتال فيها إسرائيل أمينا عاما لـ"حزب الله" أو قياديا رفيع المستوى في الجماعة المسلّحة المدعومة من إيران.ففي 16 فبراير 1992، قامت إسرائيل باغتيال الأمين العام الثاني لـ"حزب الله" عباس الموسوي بواسطة صاروخ أطلقته مروحية حربية إسرائيلية على طريق بلدة تفاحتا التابعة لقضاء صور جنوب لبنان. إلا أن مقتل الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بغارة شنّتها مقاتلات إسرائيلية مساء أمس الجمعة زاد الغموض بمستقبل الحزب الذي لطالما هدّد وتوعّد بتدمير إسرائيل وشبّهها ببيت العنكبوت.واليوم السبت، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن مقتل نصر الله سوف يشكل ضربة هائلة ليس فقط للجماعة التي يقودها، بل وأيضاً لداعمها الرئيسي، إيران، والشبكة الأوسع من الميليشيات المتحالفة التي بنتها طهران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط لمواجهة إسرائيل. واعتبرت أن مقتله سوف يشكل أقوى إشارة حتى الآن إلى أن "حزب الله" أصبح مخترقاً بالكامل من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. وكانت إسرائيل تأمل أن يؤدي مقتل نصر الله، إلى إضعاف الجماعة بشكل كبير وتجنب الحاجة إلى غزو بري لإسكات هجمات "حزب الله" الصاروخية والطائرات بدون طيار عبر الحدود. وقال مسؤول إسرائيلي كبير: "إن قيادته القوية مختلفة. هناك بعض الأشخاص لا يمكن تعويضهم".أشرف نصر الله على تحول "حزب الله" إلى أقوى ميليشيا غير حكومية مسلحة في العالم، وعلى اندماجه في النظام السياسي اللبناني. ووجد نصر الله نفسه معزولا بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة بسبب حملة إسرائيل المتواصلة من عمليات القتل المستهدفة لأقرب مقاتليه. وبحسب الصحيفة، فقد قتلت إسرائيل القيادي العسكري الرفيع في "حزب الله" فؤاد شكر، الذي أفلت من الولايات المتحدة لمدة 4 عقود، في غارة جوية أواخر يوليو الماضي. ضرورة التصعيد وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي الدكتور منذر الحوارات، إنه ليس أمام "حزب الله" حسب عقيدته الإيديولوجية سوى أن يصعّد الأمور. وأضاف الحوارات في حديثه مع منصة "المشهد": "فكرة أن يستسلم الحزب، ويسلّم سلاحه على الرغم من كل هذه الخسائر والحرب الواسعة، غير منطقية". واعتبر أن الحرب الشاملة "نعيشها حاليًا.. إسرائيل تستعد للدخول البري إلى لبنان وستستثمر هذه الضعضعة في "حزب الله" وتدخل إلى لبنان وتضع الخطط التي تريدها والتي كانت ترى أنها ضرورية لإقامة منطقة عازلة شرق ووسط وغرب نهر الليطاني". وأكد الحوارات أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق ذلك "وما شاهدناه من ضربات في الساعات الماضية يؤكد أن تل أبيب تحقق الكثير في هذه المرحلة وبسرعة كبرى". ونظريا، اعتبر أن "حزب الله" من المفترض أنه سيصعّد وكذا إيران لافتا إلى أن "المنطقة مقبلة على مرحلة تصعيد كبير".الحرب تحدّدها إسرائيل بدوره، قال الباحث المختص في الدراسات الأمنية والإستراتيجية الدكتور عامر السبايلة، إن مفهوم الحرب الشاملة لا يحدّده "حزب الله". وأوضح أن الحزب "لو كان يدرك في لحظة معينة بعد الخسائر الأولى لتي لحقت به، لكان التلويح بالحرب وجديته كان سيمنع هذا التطور فيه".واعتبر السبايلة في حديثه مع منصة "المشهد" أن "إسرائيل ما زالت تقوم بفكر تبديد الخطر القادم من مختلف الجبهات، كل واحدة على حدة وبالتالي إزالة كل عناصر التهديد". وشدد على أن الحرب الشاملة بمفهومها الواسع "تبددت منذ اليوم الأول عندما لم تتحرك إيران بصورة قوية وواضحة" بعد استهداف "حزب الله". وأكد السبايلة أن "هذا يعني أنه ما زلنا في فكرة أن إسرائيل هي التي تختار المواجهة وتقودها".وبعد الانتهاء من تدمير قدرات "حزب الله"، يرى أن إسرائيل ستتجه إلى أماكن وجود الميليشيات الموجودة في سوريا والجماعات المسلّحة العراقية وحتى الإيرانية. وقال السبايلة "حتما إذا ما سارت الأمور على هذا المنوال، فإن إسرائيل لن تتوانى عن استهداف طهران في داخل إيران كما جاء في خطاب نتانياهو أمس الجمعة في الأمم المتحدة".من جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد، إن إعلان إسرائيل نجاح عملية اغتيال نصرالله، يُعد نجاحا تكتيكيا لكن في نفس الوقت خسارة إستراتيجية لأجهزة استخباراتها. وعلّل أبو زيد السبب في ذلك أن إسرائيل لغاية الآن لم تحقق الهدف الذي أعلنت عنه للعملية العسكرية مع "حزب الله"، وهو إعادة مواطنيها إلى قرى الشمال. وأضاف أنه على الرغم من اغتيال نصر الله، إلا أنه يجب إدراك أن الهيكل التنظيمي للحزب هو هيكل أفقي والاتصالات بين قياداته خطية، ما يعني أن اغتيال أي قائد ضمن الهياكل التنظيمية الأفقية لا يؤثر بشكل كبير على الحزب ولا يعني انهياره كما في الهياكل العمودية. وأشار أبو زيد إلى أن القدرة على إعادة إنتاج سلسلة القرار في الهياكل التنظيمية الأفقية تكون أسرع ومرنة أكثر، متوقّعا أن الساعات القادمة قد تكون حاسمة في إمكانية تقييم قدرة الحزب على تجاوز اغتيال نصر الله وإعادة إنتاج سلسلة القرار. وبين أن عملية إطلاق الصواريخ إلى شمال إسرائيل لا تزال مستمرة لغاية الآن، متوقّعا أن يكون هناك تطور في النوع والكيف لعمليات إطلاق الصواريخ التي باتت تضرب أهدافا ذات قيمة عالية في أعماق مختلفة. وأكد أبو زيد أن "اغتيال نصر الله لم يغير في تكتيكات الحزب بل على العكس طوّر من عمليات الاستهداف". ضوء أخضر لإسرائيل بدوره، قال المختص في الشأن الإيراني الدكتور محمد عبادي، إن ما جرى هو نتيجة طبيعية لاختيار إيران ومن خلفها "حزب الله" لسيناريو التصعيد المنخفض منذ اندلاع الصراع. وأشار إلى أنّ تل أبيب فهمت الرسالة جيدا بعد ردّ "حزب الله" على اغتيال فؤاد شكر ومن ثم رأت أنه ليست هناك تبعات عليها في حال اغتيال حسن نصر الله. وأوضح عبادي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ربما لن يكتفي بقتل حسن نصر الله ولكنه سيتحين الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، لافتا إلى أن خطاب الرئيس الإيراني في نيويورك أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر للتصعيد في المنطقة.وقال عبادي إن المنطقة حاليا أمام سيناريوهين اثنين: استمرار إيران في إستراتيحية التهدئة والتفاوض مع الولايات المتحدة والتراجع عن الوعود السابقة. منح إيران الضوء الأخضر لوكلائها في المنطقة بضرب العمق الإسرائيلي سواء من اليمن أو سوريا أو العراق، وبالتالي يتم توزيع فائض القوة الإسرائيلية على أكثر من جبهة وتأجيل سحق "حزب الله" بالكامل. وعلى مرّ التاريخ، شكّلت عمليات اغتيال إسرائيل لقيادات "حزب الله"، دافعا لتشكيل إستراتيجيات الحزب المستقبلية ومؤثرا على الصراع اللبناني الإسرائيلي بشكل عام. (المشهد)