رغم أنه تشكل لخدمة متطلبات حقبة الحرب الباردة إلا أنه استمر حتى بعد خفوت حدة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي، بل اتسعت عضويته لتشمل دول الاتحاد السوفياتي سابقا: حلف شمال الأطلسي (ناتو).فما هي أبرز مهام حلف الناتو في المنطقة العربية والعالم؟ هل يتفكك بسبب الخلافات والانقسامات بين دوله الأعضاء؟ ما أسباب صراعه مع روسيا؟ وهل تنجح السويد وفنلندا في الانضمام إلى حلف الناتو؟ما هو حلف الناتو؟منظمة حلف شمال الأطلسي North Atlantic Treaty Organization (NATO)، هو تحالف عسكري دفاعي، تأسس عام 1949 من قبل 12 دولة، من ضمنهم الولايات المتحدة وكندا وفرنسا، توافق الدول الأعضاء على مساعدة بعضهم البعض إذا تعرضوا لهجوم مسلح.لحلف شمال الأطلسي مسؤول عام يسمى الأمين العام لحلف الناتو، يشغل المنصب الآن رئيس الوزراء النرويجي السابق ينس ستولتنبرغ، انضمت في البداية بلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وأيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ثم: اليونان وتركيا عام 1952.ألمانيا الغربية عام 1955. جمهورية التشيك والمجر وبولندا عام 1999.بلغاريا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا عام 2004.ألبانيا وكرواتيا عام 2009، الجبل الأسود في 2017، ومقدونيا عام 2020.انسحبت فرنسا من القيادة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي عام 1966، لكنها ظلت عضوا في الحلف، ثم استأنفت موقعها من جديد عام 2009.عام 2022، دُعيت فنلندا والسويد إلى الانضمام، وهما دولتان محايدتان منذ فترة طويلة.تاريخ حلف الناتوعقب الحرب العالمية الثانية، عانت أوروبا الغربية من تراجع قوتها اقتصاديا وعسكريا، فيما خرج الاتحاد السوفياتي قويا. وبالتزامن، عزز الشيوعيون بدعم من موسكو سيطرتهم على دول أوروبا الوسطى والشرقية.عام 1948، أطلقت الولايات المتحدة خطة مارشال، التي ضخت كميات هائلة من المساعدات الاقتصادية لدول غرب أوروبا وجنوبها، بشرط أن تتعاون لتسريع تعافيها الاقتصادي بعد الحرب. أما بالنسبة للتعافي العسكري، فوقعت معاهدة بروكسيل بين المملكة المتحدة وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، ولوكسمبورغ. بموجب هذه الاتفاقية يحق للدول الدفاع بشكل جماعي عن أي خطر يهدد منطقة في أوروبا الغربية.معاهدة بروكسيل لم تكن كافية لتجابه القوة العسكرية للسوفيات، لذا أجرت بريطانيا وكندا والولايات المتحدة محادثات حول سبل تعزيز أمن الغرب، خصوصا أن الأمم المتحدة كانت مشلولة في أعقاب الحرب الباردة. في مارس 1948، بعد الانقلاب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا، بدأت الحكومات الثلاث في مناقضة خطة دفاع جماعي من شأنها تعزيز الأمن وقيم الديموقراطية.في أبريل 1949، ستنضم فرنسا وإيطاليا وأيسلندا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ والبرتغال والنرويج إلى هذه المحادثات التي أسفرت عن توقيع معاهدة شمال الأطلسي. بموجب المعاهدة، يعتبر الهجوم ضد إحدى الدول الموقعة هجوما على الجميع.عام 1950، اندلعت الحرب بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، لتدفع الدول الأعضاء في حلف الناتو إلى تنسيق قواتها ضد ما اعتبروه التوسع السوفياتي في العالم.عام 1952، وافق أعضاء حلف شمال الأطلسي على قبول اليونان وتركيا في الناتو، ثم جمهورية ألمانيا الفيدرالية في عام 1955. أدى انضمام ألمانيا الغربية إلى الحلف إلى إنشاء حلف سوفياتي يضم دول أوروبا الشرقية من خلال معاهدة وارسو.الحلف السوفياتي عقب الحرب العالمية الثانية، عانت أوروبا الغربية من تراجع قوتها اقتصاديا وعسكريا، فيما خرج الاتحاد السوفياتي قويا. بالتزامن، عزز الشيوعيون بدعم من موسكو سيطرتهم على دول أوروبا الوسطى والشرقية.الحلف السوفياتي أو حلف وارسو هو منظمة دفاعية أنشأت عام 1955 وانتهى دورها عام 1991. تتألف من الاتحاد السوفياتي وألبانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية، والمجر وبولندا ورومانيا. انسحبت ألبانيا عام 1968، ثم ألمانيا الشرقية عام 1990.الهدف الأساسي من معاهدة وارسو هو التصدي لحلف الناتو وتعزيز النفوذ السوفياتية في أراضي الدول الأعضاء. نصت المعاهدة على أنها ستنتهي حين يدخل اتفاق الأمن الجماعي بين المعسكرين الشرقي والغربي حيز التنفيذ.أهداف الناتوركّزت استراتيجية حلف الناتو الأخيرة على أن الهدف الرئيسي لحلف الناتو هو ضمان الدفاع الجماعي لأعضائه، ويتمثل في 3 مهام أساسية: الردع والدفاع. منع حدوث أزمات وإدارتها دبلوماسيا.تطوير التعاون الأمني بين الدول.وتشير استراتيجية الحلف إلى أن روسيا تشكل أكبر تهديد لأمن الحلفاء، إضافة إلى التنظيمات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم. وتشمل التهديدات التي وردت في استراتيجية الناتو أيضا طموحات الصين وسياساتها، والآثار الأمنية لتغير المناخ.وتنص استراتيجية حلف شمال الأطلسي على أن للحلفاء منظورا عالميا موحدا حول السلام والأمن، ويؤكدون أنه لا غنى عن الأمن الأوروبي الأطلسي، باعتبارها ضامنا للسلام والحرية والازدهار.مهام حلف الناتوحين يفشل حل النزاعات سلميا في دولة أو منطقة، يقود حلف الناتو عمليات عسكرية لإدارة الأزمات مع دول أخرى ومنظمات دولية. وأجرى الحلف عمليات أمنية في مختلف أنحاء العالم، من بينها أفغانستان، والعراق، وليبيا، والصومال، وإقليم دارفور في السودان.حرب الخليجبعد غزو القوات العراقية للكويت عام 1990، انتشرت طائرات حلف شمال الأطلسي الناتو، في قونية التركية لمراقبة الأزمة وتوفير حماية لشرق تركيا من التهديد العراقي.أفغانستانعقب هجمات 11 من سبتمبر في الولايات المتحدة، أنشأت قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) بناء على طلب من السلطات الأفغانية وتفويض من الأمم المتحدة في عام 2001. وتتمثل مهمة إيساف في تطوير قوات أمن أفغانية، وتمكين السلطات من توفير الأمن في جميع أنحاء البلاد وخلق بيئة ديمقراطية، وإرساء مبدأ سيادة القانون بهدف التصدي إلى الإرهاب.ليبيافي أعقاب الحراك الشعبي ضد معمر القذافي عام 2011، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارات لدعم الشعب الليبي، التي تضمنت منطقة حظر طيران وحظر أسلحة وتفويض للدول الأعضاء لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين.تولى حلف الناتو قيادة جميع العمليات العسكرية في ليبيا، وتضمنت مهامه حظر الأسلحة في البحر الأبيض المتوسط لمنع نقل الأسلحة إلى المرتزقة في ليبيا، وفرض منطقة حظر طيران لمنع أي طائرة من قصف مدنيين.العراقأجرى حلف الناتو عملية دعم في العراق من عام 2004 إلى عام 2011، شملت المهمة تدريب وتوجيه قوات الأمن العراقية، وساهمت جميع الدول الأعضاء في جهود التدريب سواء داخل العراق أو علاجه.السودانهدفت بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان لإنهاء الصراع في إقليم دارفور المندلع منذ عام 2003، حلف الناتو قدّم مساعدات لوجستية لأفراد بعثة الاتحاد الأفريقي.كوسوفويعمل حوالي 3700 جندي من الدول الأعضاء في حلف الناتو والدول الشريكة في كوسوفو منذ اندلاع الحرب عام 1998، عقب إعلان كوسوفو استقلالها في فبراير 2008، قرر حلف شمال الأطلسي الحفاظ على وجوده بناء على قرار لمجلس الأمن الدولي. ويدعم الناتو الحوار بين بلغراد وبريشتينا للتغلب على الأزمة السياسية حول المناطق الشمالية من كوسوفو.البوسنة والهرسكوبعد تفكك يوغوسلافيا، اندلعت حرب بين البوسنة والهرسك في أبريل عام 1992، تدخلت قوات حلف الناتو لمراقبة قرار الأمم المتحدة القاضي بفرض حظر طيران على البحر الأدرياتيكي وهو أحد فروح البحر المتوسط. أسقط حينها الناتو 4 طائرات مقاتلة.وعام 1995، دعت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حلف شمال الأطلسي إلى شنّ غارات جوية على قوات صرب البوسنة لإيقاف الصراع، لم تمتثل البوسنة لمطالب الأمم المتحدة والناتو، فأطلق الأخير عمليات "القوة المتعمدة"، استهدفت منشآت عسكرية لصرب البوسنة ومخازن الذخيرة.نجحت حملة حلف شمال الأطلسي الناتو في جلب الطرفين المتنازعين إلى طاولة المفاوضات، وتم توقيع اتفاقية "دايتون" للسلام. وبموجب تفويض من الأمم المتحدة، نشر الناتو على الفور قوة تنفيذية تتضمن 60 ألف جندي. بعد تحسن الوضع الأمني، أنهى الناتو عمليات دعم السلام في عام 2004.باكستانفي أكتوبر عام 2005، ضرب زلزال مدمر باكستان مخلفا 53 ألف قتيل و75 ألف جريح وما لا يقل عن 4 ملايين مشرد. استجابة لطلب من الحكومة الباكستانية، ساهم الناتو في إيصال مساعدات إنسانية جوا إلى المتضررين. وتُعدّ عملية إغاثة باكستان من أكبر المبادرات الإنسانية التي نظمها حلف شمال الأطلسي.شروط الانضمام إلى الناتووتنص المادة 10 من معاهدة حلف شمال الأطلسي على سياسة الباب المفتوح لأي دولة أوروبية من المحتمل أن تساهم في تطوير مبادئ المعاهدة وتعزز أمن منطقة شمال الأطلسي، وهي منطقة جغرافية تمتد من القارة الأوروبية إلى أميركا الشمالية.ليوافق على طلب عضوية دول معينة يجب عليها أن تستوفي المعايير التالية:نظام سياسي ديمقراطي قائم على اقتصاد السوق.احترام حقوق الأقليات ومعاملتهم بشكل عادل.الالتزام بحل النزاعات بطرق سلمية.الاستعداد لتقديم مساعدات عسكرية لعمليات حلف الناتو.بمجرد أن تتوفر دولة على هذه الشروط، تصوّت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بالإجماع ليقبل طلب الانضمام. بعد الإجماع يطلب الحلف من الدولة الجديدة تأكيدا رسميا لرغبتها وقدرتها على قبول الالتزامات السياسية والقانونية والعسكرية للحلف. والخطوة التالية هي تقديم الحلف للدولة المنضمة إصلاحات ضرورية مثل زيادة الاستثمارات العسكرية أو تعزيز قوانين لمكافحة الفساد.والمرحلة الأخيرة هي تبني الدولة الجديدة لقانون يصادق على معاهدة حلف شمال الأطلسي، والذي يمكن إجراؤه عن طريق استفتاء أو تصويت البرلمان، حسب قوانين كل دولة.انضمام أوكرانياالنقاش حول إمكانية انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، بدأ منذ عام 1994 ضمن برنامج الشراكة من أجل السلام بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي. عام 1997 عُززت العلاقات أكثر بين الطرفين من خلال إنشاء لجنة الناتو وأوكرانيا (NUC).ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، عزز من دعم حلف الناتو لأوكرانيا لأنه اعتبر الإجراء الروسي مزعزعا للاستقرار في البحر الأسود. عام 2016، حدد الحلف حزمة مساعدات لأوكرانيا، وبعد سنة اعتمد البرلمان الأوكراني تشريعا يعيد العضوية في الناتو كهدف استراتيجي للسياسة الخارجية.في سبتمبر 2020، وافق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على استراتيجية الأمن الغذائي القومي الجديدة لأوكرانيا، التي تنص على تطوير شراكة مميزة مع الناتو بهدف العضوية في الحلف.منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية أدان الناتو ما وصفه بـ"تهديد موسكو للاستقرار والأمن الدوليين"، ودعم وحدة الأراضي الأوكرانية وسيادتها داخل حدودها المعترف بها دوليا.في مارس الماضي، أوضح زيلينسكي أن بلاده لا يمكنها أن تكون عضوا في حلف شمال الأطلسي، "بذريعة مفادها أن الحرب العالمية الثالثة يمكن أن تبدأ إذا أغلق الناتو المجال الجوي أمام المقاتلات الروسية".من جانب آخر، فحلف الناتو ليس مضطرا للدفاع على أوكرانيا لأنها ليست عضوا في الحلف.الصراع مع روسياوعرض حلف شمال الأطلسي على أوكرانيا طريقا نحو العضوية عام 2008، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم جعلت أوكرانيا الانضمام أولوية. لكن هذا لم يحدث بسبب معارضة روسيا والصين لتوسع الناتو.وعام 1997، تم توقيع اتفاقية بين الناتو وروسيا لإحلال السلام في العالم، كان من المفترض أن تدخل روسيا والغرب إلى حقبة جديدة بعد نصف قرن من العلاقات المتضاربة، لكن بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تم التشكيك في مدى نجاعة هذا الاتفاق.انضمام فنلندا والسويدويؤيد أغلبية أعضاء حلف شمال الأطلسي انضمام فنلندا والسويد. في البداية عارضت تركيا عضويتهما قائلة إن "البلدين يحميان أعضاء من حزب العمال الكردستاني التي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية". لكن الدول الثلاث توصلت إلى توافق من خلال توقيع اتفاق أمني يبدد مخاوف الدولة المعارضة.وتمتلك كل من فنلندا والسويد جيوشا قوية، حيث وافق أعضاء الناتو على إنفاق 2% من ناتجهم المحلي على الدفاعات العسكرية.فنلندا حققت هذا الهدف، فيما أكدت السويد على أنها ستستوفي هذا الشرط في أقرب وقت ممكن.انقسامات بين الدول الأعضاءلاختلاف مصالح دول حلف شمال الأطلسي وتغير أولوياتهم، يعاني الحلف خلافات بين أعضائه، هذه أبرزها:اقترحت ألمانيا وفرنسا إنشاء جيش أوروبي موحد، الأمر الذي يجعل استمرار حلف شمال الأطلسي من دون معنى.تسببت تركيا في خلافات في الناتو بسبب سياساتها الخارجية المتمثلة في الهجوم على شمال روسيا وشراء منظومات دفاعية من روسيا.تختلف أولويات أعضاء الناتو، فدول شرق أوروبا مثلا ترى أن التصدي لروسيا أولوية فيما ترى دول جنوب أوروبا أن غياب الاستقرار في بعض دول الشرق الأوسط وأفريقيا هو ما يهدد أمنها بشكل رئيسي.تستمر روسيا في تطوير صناعاتها في الفضاء مما يزيد من تخوف الناتو ويضاعف خلافات داخلية خاصة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة.ولحوالى 6 عقود، ظلّ حلف الناتو ذراعا للأمن في أوروبا وشكل دعما للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لكن قدرة الحلف على الاستمرار في دوره غير واضحة، خاصة في ظل تنامي الخلافات بين أعضائه.(المشهد)