لا تزال إسرائيل تسابق الزمن وتعكف على بذل أقصى ما تملكه من جهود حثيثة، من أجل سرعة الإفراج عن أسراها لدى الفصائل الفلسطينية المختلفة، وإنهاء هذا الملف بشكل عاجل، وذلك بعد أن بات يمثّل كابوسًا كبيرًا للقادة العسكريّين والمسؤولين السياسيّين في تل أبيب، خصوصًا مع استمرار تصاعد الضغوط الداخلية من قبل أهالي الأسرى على الحكومة الإسرائيلية. وعلى الرغم من الجهود المكثّفة والحثيثة التي تُبذل من قبل أطراف إقليميّة ودوليّة عدة، للحيلولة دون تفاقم وتيرة الصراع الجاري في قطاع غزة، بين إسرائيل وحركة "حماس"، وإنهاء ملف الأسرى، إلا أنّ القاهرة تظلّ هي البوصلة الرئيسية لتلك الجهود والمحرك المؤثّر لها، وذلك بعد أن باتت قبلة يأتي إليها طرفا الصراع الحاصل في هذه الأثناء، والقوى الفاعلة كافة سواء كانت إقليميّة أو دوليّة. فبعد أيام قليلة من زيارة وفد من حركة "حماس" برئاسة رئيس المكتب السياسيّ للحركة إسماعيل هنية القاهرة، ولقاء الوفد كبار المسؤولين الأمنيّين في مصر، للتباحث بشأن الأوضاع الراهنة في قطاع غزة، وصل إلى القاهرة رئيس الشاباك الإسرائيلي رونين بار في زيارة وصفها الكثير من المراقبين بالمهمّة، خصوصًا في ظلّ الحديث عن مفاوضات جادّة للتوصل إلى حلّ ناجع بشأن الأسرى الإسرائيليّين الذين تتحفّظ عليهم حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر الماضي على مواقع في غلاف غزّة. وفي ظلّ شحّ المعلومات الواردة حول زيارة رئيس الشاباك لأسباب قيل عنها بأنها تتعلق بسلامة المفاوضات التي جاء من أجلها رونين بار يزور إلى القاهرة، إلا أنّ منصة "المشهد" حاولت معرفة ما يجري في كواليس هذه الزيارة من خلال عدد من المراقبين المصريّين. دلالة وجود رئيس الشاباك في القاهرةالمتخصص في الشأن العربيّ محمد صلاح، أكد أنّ وجود رئيس الشاباك بنفسه في القاهرة، يدل على أنّ مفاوضات تبادل الأسرى قاربت على التنفيذ الفعلي، وذلك لأنّ العادة جرت حينما يتمّ ايفاد مسؤولين كبار بهذا الحجم في ظل صراع قائم، يفيد بأنّ المفاوضات دخلت في مراحل أكثر جدّية من أيّ وقت مضى، موضحًا في الوقت نفسه، أنّ رئيس الشاباك التقى كبار المسؤولين الأمنيّين في مصر، وعلى رأسهم مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، وارتكزت المقابلة على ملفّين مهمّين، هما الشروع في هدنة إنسانية، والتباحث حول ملف الأسرى. نتائج كواليس الزيارةوكشف صلاح عن أنّ جهود الوساطة المصرية استطاعت التوصل إلى اتفاق، فحواه أن يكون هناك إفراج متزامن عن عدد من المحتجزين بين الجانبَين الإسرائيلي وحركة "حماس"، مشيرًا إلى أنّ أعداد المفرج عنهم سيكون بالعشرات فقط، وتحديدًا ما بين 50 إلى 75 لدى حركة "حماس"، ولكن في الوقت نفسه أوضح أنّ المسؤولين في "حماس"، هم من سيقومون بتحديد الأطر التي سيتمّ من خلالها الإفراج عن المحتجزين لديهم، مرجّحًا أنّ من ستقوم "حماس" بإطلاق سراحهم لن يكون لهم علاقة بالجيش الإسرائيليّ من قريب أو من بعيد، بمعنى أنّ المفرج عنهم لن يكونوا مجنّدين أو مجنّدات. عملية تبادل الأسرى لن تتمّ إلا في ظل وقف إطلاق النارصلاح أكد أنّ عملية تبادل الأسرى لن تتمّ من دون وجود هدنة تشمل وقفًا لإطلاق النار داخل قطاع غزة، وأوضح أنّ الحديث يدور الآن حول تفعيل هدنة مدّتها لا تقلّ عن 5 أيام، يتمّ من خلالها إدخال المساعدات الإنسانية، خصوصًا الغاز والوقود والمساعدات الطبية، وربما يتمّ الإعلان عن ذلك خلال الساعات القليلة المقبلة. صفقة الأسرى ستكون خالية من أي عسكريّينومن جهتها، أوضحت المفكّرة السياسة نشوى الحوفي، أنّ الجهود المصرية تتركز على إطلاق الأسرى الفلسطينيّين من النساء والأطفال، مقابل إفراج "حماس" عن النساء اللواتي تمّ أسرهنّ خلال عملية الهجوم على المستوطنات الإسرائيلية، شرط أن تكون تلك النساء من غير المجنّدات أو المنتميات للجيش الاسرائيلي.مصر المحرك الرئيسيّ لأيّ مفاوضات بين "حماس" وإسرائيلوفي ما يخص الدور المصريّ في المفاوضات الجارية، أكدت المفكرة السياسية أنّ الوساطة المصرية هي طرف رئيسيّ وأساسيّ في حل الأزمة القائمة، وهي الجهود الفاعلة التي تقف دائمًا بشكل كبير في مواجهة مختلف تحدّيات هذه الأزمة، وما يدلّل على هذا الطرح، الاتصالات المكثّفة والعديدة التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية في القاهرة، بين طرفَي النزاع بشأن التوصل إلى اتفاق بينهما، يسهم في وضع النقاط على الحروف، في ما يخصّ تبادل الأسرى بين الطرفَين، ناهيك عن الدور الذي لعبته مصر بشكل ناجح خلال وساطات سابقة في الأعوام الماضية، بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي. التوصل لاتفاق بين "حماس" وإسرائيل لمصلحة مصروبحسب الحوفي، فإنّ "مصر في وساطتها لا تعتبر القضية الفلسطينية قضيّة عربيّة فحسب، بل تعتبرها مصرية في المقام الأول، للعديد من الاعتبارات المهمة، وفي مقدّمتها الأمن القوميّ المصريّ الذي يتعرض بطبيعة الحال للعديد من المؤامرات التي تحاك ضدّه، نتيجة للصراع القائم داخل الأراضي الفلسطينية، مشيرة إلى أنّ مصر هي حائط الصدّ الذي يقف أمام تصفية القضية الفلسطينية". وكانت مصر قد تحوّلت في الأيام القليلة الماضية، إلى ما يشبه غرفة عمليات مركزية تدار من خلالها المفاوضات الجارية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، والذين اتخذوا من العاصمة القاهرة وجهةً لهم، من أجل وضع اللمسات النهائية لصفقة تبادل الأسرى التي أوشكت على التنفيذ بحسب الكثير من المتابعين. (مصر - المشهد)