يتوجه الأردنيون إلى صناديق الاقتراع الثلاثاء لانتخاب مجلس نواب جديد في ظل ظروف اقتصادية صعبة وغضب شعبي، بسبب استمرار الحرب في قطاع غزة وانعكاساتها على السياحة، إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد.وتُجرى الانتخابات وفق قانون جديد تم إقراره في يناير 2022، رفع عدد مقاعد مجلس النواب من 130 إلى 138 مقعدًا، ومقاعد النساء من 15 الى 18 مقعدًا، وخفّض الحد الأدنى لأعمار المرشحين من 30 إلى 25 عامًا.انتخاب مجلس النواب في الأردنوجرى تقسيم المملكة إلى 18 دائرة انتخابية محلية ودائرة انتخابية عامة، وخصص 41 مقعدًا لقوائم الأحزاب، و97 مقعدًا للدوائر المحلية. ويتنافس على مقاعد المجلس 1640 مرشحًا، بينهم 1258 من الذكور و382 من الإناث. ويخوض الانتخابات لمقاعد الأحزاب 36 حزبًا معظمها ذات طابع وسطيّ قريب من توجهات الحكومات المتعاقبة. ووفقًا للهيئة المستقلة للانتخابات، فإنّ عدد الناخبين المسجلين تجاوز 5.1 ملايين ناخب من أصل 11.5 مليون نسمة هو عدد سكان الأردن، بينهم نحو 2.6 مليون من الإناث، و2.4 مليون من الذكور. وجرت الانتخابات السابقة في نوفمبر 2020، وسط إجراءات استثنائية في ظل تفشي جائحة كوفيد، وبلغ عدد المقترعين حينها نحو 1.4 مليون من أصل 4,6 ملايين ناخب مسجل. وبحسب السلطات، سينتشر 54 ألف عنصر أمنيّ في 1649 مركز اقتراع في عموم البلاد. وأعلنت بعثة الاتحاد الأوروبيّ في الأردن، عن نشر 38 مراقبًا لمراقبة هذه الانتخابات. ويشارك في الانتخابات التي تجري كل 4 سنوات، حزب "جبهة العمل الاسلامي"، الذراع السياسية للإخوان المسلمين وأبرز أحزاب المعارضة في البلاد، ومرشحون يمثلون العشائر الأردنية الكبرى، ومستقلون ويساريون وعسكريون متقاعدون، بالإضافة الى عدد كبير من رجال الأعمال. ظروف اقتصادية صعبةوتأتي الانتخابات في وقت تعاني البلاد تأثير الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس"، التي دخلت السبت شهرها الـ12، خصوصًا في قطاع السياحة الذي تشكل مداخيله نحو 14% من إجماليّ الناتج المحلي. وعانى الاقتصاد الأردنيّ بشدة من جرّاء النزاعات في العراق وسوريا المجاورين، واستضافة مئات الآلاف من اللاجئين السوريّين، الذين يشكلون عبئًا اضافيًا على المملكة المحدودة الموارد، ثم أزمة كورونا. وشهد قطاع السياحة انتعاشًا قبل حرب غزة، ووصل عدد السياح العام الماضي إلى نحو 6 ملايين زائر، فيما بلغت الإيرادات نحو خمسة مليارات دينار (نحو 7 مليارات دولار). ولكنّ حرب غزة أثرت على القطاع، وأدت الى تراجع العائدات في بلد يناهز دينه العام 50 مليار دولار، ووصلت نسبة البطالة فيه الى 21% خلال الربع الاول من العام الحالي، ويعتمد اقتصاده بشكل كبير على المساعدات الخارجية، خصوصًا من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي. وقال مدير مركز "القدس للدراسات السياسية" عريب الرنتاوي لوكالة فرانس برس، إنّ "الانتخابات استحقاق دستوريّ لا يجوز العبث به، هناك دول تمر بحروب ومنخرطة بحروب وتجري الانتخابات فيها، وبالتالي لا يوجد أيّ مبرر لتأجيل هذا الاستحقاق الدستوري، حتى لو كان الظرف الإقليميّ الحاليّ متوترًا". وبموجب الدستور يجب إجراء الانتخابات، على أن ينعقد مجلس النواب الجديد خلال 4 أشهر من تاريخ حلّ المجلس السابق، والذي تم في 25 يوليو الماضي. ويشكل مجلس النواب المنتخب أحد جناحي مجلس الأمة الأردني، إلى جانب مجلس الأعيان الذي سيكون مؤلفًا من 69 عضوًا يعيّنهم الملك.حرب غزة حاضرة في الانتخاباتوعلى الرغم من أنّ معظم المرشحين اختاروا في برامجهم شعارات لها علاقة بحياة المواطن اليومية، إلا أنّ الحرب في غزة تبقى حاضرة في مجالس بعض النواب وخصوصًا "الإسلاميّين". ويقول النائب السابق والمرشح الحالي عن حزب "جبهة العمل الإسلامي" صالح العرموطي للوكالة، إنّ "حرب غزة والقضية الفلسطينية تحتلان مكانة كبيرة في الانتخابات الأردنية، فالعيون والبوصلة متجهة الى غزة وفلسطين، وما يجري هناك من مذابح بحق الشعب الفلسطينيّ الشقيق". وأضاف أنّ "الانتخابات استحقاق دستوريّ لا يجوز تأخيره، وهو يخدم القضية الفلسطينية والمنطقة، لكني أخشى أيضًا أن يكون هناك بعض العزوف عن التصويت بسبب هذه الأحداث التي تمر بها المنطقة والظروف غير المريحة". ومنذ اندلاع الحرب يشهد الأردن تظاهرات تدعو إلى إلغاء معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل عام 1994. واستدعت عمّان مطلع نوفمبر الماضي سفير المملكة لدى إسرائيل، كما أبلغت تل أبيب بعدم إعادة سفيرها الذي سبق أن غادر المملكة. مزاج الناخبينوأثرت حرب غزة كثيرا على مزاج الناخبين الأردنيّين. وعلى الرغم من انتشار الخيم البيضاء وأماكن التجمعات التي ترافق الأجواء الانتخابية، وتقدم فيها القهوة والمنسف والكنافة للناخبين، إلا أنّ المقارّ الانتخابية لم تشهد ازدحامًا كما في أعوام سابقة. في سوق في وسط عمّان المزدحم، حيث علقت صور المرشحين، تتضارب آراء الأردنيّين حول المشاركة في الانتخابات. وقال الموظف الحكوميّ عمر محمد (43 عامًا) إنّ "ما يجري في غزة من قتل يوميّ ودمار ومآسٍ تُبثّ يوميا على شاشات التلفزيون، يُشعرنا بالألم والعجز والإهانة والذل، وينسينا الانتخابات وكل ما يجري حولنا". وأضاف، "أشعر بمرارة، لست متأكدًا حتى اللحظة إن كنت سأدلي بصوتي". ورأى المحلل عريب الرنتاوي، أنّ "هناك قطاعًا من الرأي العام الأردنيّ، يعتقد أن ما يجري في غزة أولى بالمتابعة، وبالتالي تراجع اهتمامه بالانتخابات وقد يستنكف ويعزف عن المشاركة". وأضاف، "لكن هناك فئة ثانية تضم قوًى سياسية تفاعلت مع غزة منذ اليوم الأول، وحضرت في الشارع من دون غياب كالإسلاميّين وبعض القوى اليسارية والقومية، أعتقد أنها ستستفيد من تصاعد شعبيتها لكن ليس بالشكل الذي يثير مخاوف" معتبرًا أنّ "تحسن مكانة هذه القوى وتمثيلها النيابيّ سيكون طفيفًا". وأوضح الرنتاوي، أنّ "قانون الانتخاب الجديد لا يسمح سواء من حيث النظام أو توزيع الدوائر والمقاعد وعتبة الحسم، وما إلى ذلك، لأيّ حزب مهما بلغت شعبيته بالحصول على أغلبية المقاعد، أو أقلية وازنة ذات تأثير كبير". وقال المتقاعد عيسى أحمد (65 عامًا)، إنّ "الانتخابات أمر مهم وحيوي، فهي فرصتنا لنُسمع صوتنا ونختار من يمثلنا تحت قبة البرلمان، على الرغم من أننا في داخلنا نستبعد أن يكون هناك تغيير كبير"، معتبرًا أنّ "بلادنا مع شديد الأسف، محاطة بسلسلة من الأزمات والحروب التي لا تنتهي، ما يجعل وضعنا صعبًا".(أ ف ب)