ما زالت تبعات هجوم 7 أكتوبر وصدمة عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة "حماس" ترتد على الإسرائيليين، حيث أحدثت حالة قلق ونزع للتوازن اجتاحت العمق الإسرائيلي وأصابت المستويات كافة.واقع وخيارات صعبة ألمت بالحكومة الإسرائيلية وزعزعت المنظومة الأمنية والعسكرية برمتها، حيث بلغ عدد المواطنين الإسرائيليين الذين نزحوا من أماكن سكنهم إلى مناطق أخرى داخل إسرائيل نحو مليون شخص، وأضحت كل التجمعات السكنية الواقعة حول غزة أو ما يسمى ببلدات غلاف غزة خالية من سكانها، كذلك هو الحال مع أكثر من 25 تجمعاً سكنياً في شمال إسرائيل.هذه التطورات أظهرت تصوراً جديداً أتثبته الأرقام، لمغادرة ونزوح مئات آلاف الإسرائيليين إلى خارج إسرائيل، إذ عمدت المؤسسة الإسرائيلية لسنوات إلى التكتم على البيانات بشأن هجرة اليهود وهربهم من الواقع والسياسيات الإسرائيلية، بيد أن ويلات الحرب التي عطلت حياتهم، وكبدتهم خسائر بشرية ومادية، وتفاقم أزمة الحكم وتراجع الأوضاع الاقتصادية، وتصاعد التوتر الأمني مع الفلسطينيين في غزة والضفة، أظهر واقعاً جديداً بات يسمى بالهجرة اليهودية العكسية، وهو ما تخشاه إسرائيل، التي تسعى لجذب يهود العالم للهجرة إليها."لنغادر البلاد معاً" تجتاح إسرائيلفي ظل الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة رداً على عملية "طوفان الأقصى"، وتصاعد التوتر في القدس والضفة الغربية، وعند الجبهة الشمالية مع لبنان، انطلقت حملة واسعة في إسرائيل تحت مسمى "لنغادر البلاد معاً"، حيث دعت هذه الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي العائلات الإسرائيلية إلى البحث عن وجهة معيشية حول العالم، للاستقرار أو الإقامة المؤقتة، مع توفير فرص عمل والاستثمار بمشروعات تجارية.الحملة كانت قد انطلقت بالتزامن مع صعود اليمين المتطرف والأحزاب الدينية، وتولي بنيامين نتانياهو رئاسة الحكومة، التي شرعت بالتعديلات على الجهاز القضائي الإسرائيلي، فيما عاودت بتوسعة نشاطها مع تصاعد الحرب والتوتر الأمني في إسرائيل مع عدم وجود أفق لإنهاء الحرب، حيث تروج الحملة عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى مغادرة إسرائيل، وتعرض مساعدتها على كل من يحمل الجواز الإسرائيلي، وليس على من يمتلك جنسية مزدوجة وبحوزته جواز سفر أجنبي فقط .. أي للجميع.القائم على الحملة ينيف غورليك يوضح لمنصة "المشهد": "في حقيقة الأمر، نحن نسعى من خلال هذه الحملة إلى حماية أنفسنا وتأمين مستقبل أفضل مما آلت إليه الأمور السياسية والاقتصادية في إسرائيل، أغلب استفسارات الإسرائيليين تتمحور حول المغادرة، والسفر إلى خارج إسرائيل، ولو كان هذا السفر بشكل مؤقت حتى تنتهي الحرب، ومنهم أيضاً من يستفسر عن فرص استصدار تأشيرة عمل في الدول الأوروبية للعمل والاستقرار هناك".يتابع غورليك "نحن نعمل على تنظيم مجموعة لنغادر البلاد، على أن يصل عدد المجموعة الأولى إلى 10 آلاف إسرائيلي، ومستقبلاً سنقوم بتوسيع الأعداد من أجل مغادرة إسرائيل والاستقرار في الخارج، وهذه الحملة توفر للإسرائيليين خدمات استصدار التأشيرة، وتوفير فرص العمل والمسكن وكذلك الاستثمار الاقتصادي، والمغادرة إلى 48 دولة في أرجاء العالم".هجرة الإسرائيليينأكثر من 230 ألف إسرائيلي غادروا إسرائيل منذ 7 أكتوبر، بحسب المعطيات الرسمية لدائرة الهجرة والسكان في وزارة الداخلية الإسرائيلية، حيث تضم هذه المجموعات المغادرة، رجال وسيدات أعمال من أصحاب الجنسية المزدوجة، ومن يملكون جوازات سفر أجنبية، وعائلات إسرائيلية كاملة.في سياق متصل، كل التصريحات التي رصدتها منصة "المشهد" من قبل السلطات الإسرائيلية تؤكد أن أعداد المغادرين في المستقبل القريب سوف ترتفع مع استمرار الحرب على غزة، وفي حال توسعها إلى جبهات أخرى. وكانت قد دعت الحكومة الإسرائيلية عبر مجلس الأمن القومي المواطنين الإسرائيليين كافة إلى إعادة النظر بالسفر إلى خارج البلاد والتفكير جيداً قبل الهجرة، وحثتهم على تجنب إبراز الرموز الإسرائيلية، والهوية الدينية اليهودية خلال مكوثهم في الخارج.وحول هذا التخويف الحكومي من قبل الحكومة الإسرائيلية للإسرائيليين يقول الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور لمنصة "المشهد": "هذه الدعوة الصريحة والواضحة من قبل حكومة نتانياهو تأتي لتخويف الإسرائيليين ولتظهر لهم أنه لم يعد في العالم مكان آمن لهم ولأسرهم سوى إسرائيل، وأنها ستبقى الأكثر أمناً وأماناً رغم الحرب المشتعلة فيها، والتوترات الأمنية على طول البلاد وعرضها "، ويرى منصور أن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قد سوغ هذا التحذير للإسرائيليين من السفر للخارج، بسبب ما اعتبروه ارتفاع حوادث العنف والقتل ضد الإسرائيليين، ومظاهر معاداة السامية التي تأتي بسبب الحرب على غزة "وفي هذا السياق يستدرك منصور قائلاً " مئات الآلاف من اليهود يريدون في المستقبل الهجرة من إسرائيل، وبات من المعروف بأن معظم العائلات اليهودية تسدي النصائح لأولادها بالهجرة، واستصدار جوزات أجنبية أو حتى القيام بخطوات فعلية من أجل الهجرة، وهذا بسبب الأوضاع الأمنية والحروب وحالة المواجهة التي تشهدها إسرائيل دائماً، ومؤخراً تداعيات إصلاح جهاز القضاء وتأثيره على الديمقراطية في إسرائيل، والتحولات الديموغرافية والأيديولوجية في المجتمع اليهودي الذي يتجه نحو اليمين والتدين المتطرف".إحصائيات "الهجرة المتصاعدة"كما رصدت منصة "المشهد" نتائج استطلاع للرأي أجرته الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان"، حيث يفيد هذا الإستطلاع بأن أكثر من 25% من اليهود البالغين فوق سن الـ 18 عاماً يفكرون بالهجرة من إسرائيل في وقت شرع فيه 6% بإجراءات عملية للهجرة، كما لوحظ ارتفاع بلغت نسبته 20% في عدد طلبات الإسرائيليين للحصول على جنسيات أجنبية خاصة من أوروبا وأميركا، وارتفاع بنسبة 15% في طلبات اليهود للهجرة من إسرائيل إلى دول الاتحاد الأوروبي وخاصة البرتغال، وذلك بسبب حالة المواجهة والحرب التي تعيشها إسرائيل بشكل دائم، وتغلغل نفوذ الأحزاب الحريدية والتيار اليميني الديني لمفاصل الحكم، والإصلاحات بالجهاز القضائي التي يراها معظم الشعب الإسرائيلي انقلاباً على الديمقراطية ونظام الحكم.من جهته، أرجع المحاضر في كلية التاريخ في الجامعة العبرية، البروفيسور يوفال هراري، تصاعد ظاهرة الهجرة اليهودية العكسية، "إلى الصراعات الداخلية بين اليهود حول هوية إسرائيل، وكذلك الشعور بالخوف وعدم الأمان مع احتدام الصراع مع الفلسطينيين وانسداد الأفق لأي تسوية سياسية مستقبلية".ويشير هراري "في السابق كانت الهجرة العكسية لأسباب ارتفاع معدلات البطالة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الصعبة إذا ما قورنت بالعيش في البلدان الأخرى، لكن اليوم وفي ظل الظروف الراهنة هذه الهجرة المتصاعدة هي آخذة بالتوسع في صفوف الجيل الشاب، والأكاديميين وأصحاب رؤوس الأموال والأدمغة والمؤهلات العلمية بسبب انسداد الأفق السياسي مع الفلسطينيين وصعود اليمين الديني المتطرف بالحكم، وتقويض أسس الديمقراطية واستبدالها بإجراءات دكتاتورية ظالمة".(المشهد)