التصريح الذي أدلى به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده مع المستشار الألماني أولاف شولتس حول المشروع الإسرائيلي الأميركي بترحيل أبناء قطاع غزّة إلى صحراء النّقب التي تسيطر عليها إسرائيل، بدلًا من سيناء المصرية كان لافتًا، إذ أحدث ردود فعل متفاوتة في العالم العربي، خصوصًا في فلسطين.المؤيدون لفكرة السيسي وجدوا فيها وسيلة يمكن أن تضع إسرائيل في مأزق أمنيّ وسياسي، وبالتالي تصدير أزمة إلى حكومة بنيامين نتانياهو، من منطلق تذكير العالم بأنّ هناك منطقة فلسطينية قليلة السكان تسيطر عليها إسرائيل، وهي أولى باستيعاب الغزّيين الفارين من دمار الحرب، أما المعارضون فقد رأوا في ذلك القبول والتسليم بجريمة حرب تاريخية تقترفها إسرائيل، بدلًا من المواجهة والإصرار على وقف آلة الحرب والدمار الإسرائيلية، والتهديد بمواقف مصرية مصيرية وحازمة.الأمر المؤكد أنّ هذا الاقتراح المصريّ من قبل الرئيس السيسي، وقع مثل الصاعقة على المؤسستَين العسكرية والسياسية في إسرائيل، ولربما أعطى نتائج فورية حين تراجع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن خطة التّهجير لأهالي غزة نحو سيناء المصرية، وتصريحه بأنه يعارضها، بعد أن سمع ردا مصريا قويا في هذا الصدد.إسرائيل لن تقبل بنقل أهالي غزّة نحو النقبوحول تصريح الرئيس المصري بنقل أهالي غزّة إلى النقب، قال الأكاديميّ والمحلّل السياسيّ د.أحمد رفيق عوض لمنصّة "المشهد": "كنت أتوقع وأتمنى بأن يكون تصريح السيسي ليس حول التهجير إلى سيناء أو النقب، بل عن قرارات الشرعية الدولية، قرارات مجلس الأمن، حقوق الإنسان، عن حقّ الشعب الفلسطيني في أن يقيم دولته على أرضه، من دون تهجير ومن دون ضرب للمقاومة، يجب إسقاط فكرة التهجير من مكانها أصلًا، وألا تتحوّل إلى موضوع للمقايضة والإبتزاز أو لشيء آخر".ويضيف قائلا "في هذا الوقت العصيب، يجب التحدّث عن أساسيات هذا الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني العربي، أهل غزّة معظمهم أي قرابة 80% هم لاجئون من مدن وقرى الداخل الفلسطينيّ المحتل، وأيضا النقب، فبالتالي نحن نتحدّث عن تهجيرهم من جديد، مهما كان الأمر، وبالتالي عندما يتمّ تهجيرهم من غزّة إلى النقب تتم السيطرة عليهم، على مصادر أكلهم وحركتهم ونشاطهم. أرى بأنّ هذا يعد تدميرا لمجتمعهم وللعمران الذي قاموا به في غزّة بعد التهجير عام 1948، كان من الأجدر التحدث عن الحقوق المشروعة وقرارات الشرعية الدوليّة وهذا الأهم". وخلال الحديث يقول د.عوض "أتوقّع النيّة الطيبة للرئيس المصري، هو لربما لم يقصد ذلك بالمعنى الحرفي، بل كان يوجه رسالة لإسرائيل، بأنّ النقب هي جزء من فلسطين، والأولى أن يتهجر الغزّيون نحوها بدلا من سيناء المصرية، وهي رسالة سياسية من الدرجة الأولى، حيث إنّ زيارة المستشار الألمانيّ إلى مصر جاءت بتكليف من الاتحاد الأوروبي، وربما بإيعاز من الولايات المتحدة نفسها، للتّفاوض مع مصر وتليين موقفها، لكنها ردت بأنّ تقديراتها ثابتة ولن تتغيّر مهما كانت هوية الطرف المفاوض". وحول إمكانية تهجير أهالي قطاع غزة نحو النقب فعليا وميدانيا، يشير بأنّ "إسرائيل لن تقبل مطلقا بهذا الإقتراح ولا هذا الكلام، لأنها وببساطة شديدة تريد أن تشطب الفلسطينيّين من الخريطة، تريد أن تبعدهم عنها، وأن تقلّل عددهم، وليس أن تجعلهم قنبلة موقوتة لديها، هذا الكلام لن يكون في يوم من الأيام، فإسرائيل ترفض ذلك لأسباب كثيرة، أبرزها: إبعاد الفلسطينيّ وليس تقريبه وإطعامه، وتكون مسؤولة عنهم وتعمل لهم مخيّمات لجوء". مصير أهالي غزة.. النّقب لن تستوعبهمأما عن الموقف الإسرائيلي إزاء الاقتراح المصريّ على الحكومة الإسرائيلية بنقل أهالي غزّة إلى النقب، يرى الجنرال الإسرائيليّ موشيه إلعاد، المحاضر الأكاديميّ في حديث مع منصّة "المشهد" أنّ "هذا التصريح جاء من الرئيس السيسي وهو غاضب من إسرائيل، وهذا الاقتراح المصريّ غير مقبول بتاتا لا ميدانيًا ولا فعليا، لأنّ إسرائيل لن تستوعب مليونين ونص مليون لاجئ من أهل غزّة في النقب".وذكر إلعاد أسبابا عدة لذلك قائلا:لأنهم ليسوا من سكان إسرائيل ولن يكونوا كذلك في يوم من الأيام.لأنّ الحل يجب أن يكون بين أيدي السلطة الفلسطينيّة، لأنه من النّاحية القانونيّة لها الحقّ الكامل بأن تسيطر هناك في منطقة غزة.مكان أهل غزة يجب أن يكون في نطاق السلطة الفلسطينية، فإسرائيل لم يعد لها أيّ علاقة بقطاع غزة بعد انسحابها في العام 2005.ويقترح إلعاد، خلال حديثه "بضرورة عقد اجتماع عربيّ طارئ مع السلطة الفلسطينية يضمّ دول: الإمارات، المغرب، مصر، الأردن، من أجل تقرير مصير أهالي غزة بشكل واضح وعلني"، ويؤكد أن "إسرائيل بعد الاجتياح البرّي لغزّة، أي بعد القضاء على حماس خلال الحرب الحالية، لا يوجد لها أيّ دور أو علاقة في غزّة لا من قريب ولا من بعيد".يُذكر بأنّ إسرائيل تعيش حالة من القلق والترقب بفعل الخسائر الاقتصادية التي مُنيت بها خلال عملية "طوفان الأقصى" وهجوم حماس للسياج الحدوديّ بين غزة والبلدات المحيطة بها، والذي كلف مليارات الدولارات من 80 موقعًاً، كذلك اقتحام المستوطنات وتزايد أعداد الجرحى والقتلى ووصول صواريخ حماس إلى العمق الإسرائيلي، وشلّ الحياة فيها.وبحسب المعطيات السياسية والميدانية، فإنه بات من الواضح استحالة تنفيذ الطرح الذي قدّمه الرئيس السيسي لإسرائيل، لأسباب كثيرة ذكرناها، وأخرى تتعلق بترتيباتها ومخطّطاتها التي تقولها دوما وبكل صراحة، بأنها تريد "دولة يهودية" بالكامل.(المشهد - القدس)