تخشى إسرائيل من انخفاض منسوب الهجرة اليهودية إليها من مختلف أنحاء العالم، وكذلك الهجرة المعاكسة التي عصفت بها منذ اندلاع الحرب، فهي تعتبر جلب اليهود هو الاستثمار الأكثر جدوى، لضمان قوتها و ازدهارها، وديمومة حياتها، وتعزيز فكرة المكوث تحت "المظلة العرقية الصهيونيةتقديرات إسرائيلية أشارت بتراجع معدلات هجرة اليهود إلى إسرائيل، حيث وصلها أكثر من 45 ألف مهاجر خلال العام 2023، ما يدل على انخفاض شديد مقارنة بالعام المنصرم، حيث استُقدِم أكثر من 76 ألف مهاجر. هذا الوضع دفع بوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الهجرة والاستيعاب أوفير سوفير، إلى الإعلان عن خطة خاصة لمضاعفة موجهات الهجرة اليهودية لإسرائيل، وتوطينهم في المناطق الحدودية في الجليل الأعلى، وغلاف غزة، والضفة الغربية، ومنحهم امتيازات معيشية ومكافآت مالية. وعلى الرغم من أن بيانات وزارة الشتات أظهرت باستقدام ما يقرب من 7 آلاف مهاجر جديد إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي، معظمهم من فئة الشباب وتجندوا في الجيش الإسرائيلي وشاركوا في الحرب على غزة، لم تخف الوكالة اليهودية المسؤولة عن الهجرة، توجسها من استمرار تراجع أعداد المهاجرين إلى إسرائيل خلال العام 2024."سفينة اللاجئين""سفينة اللاجئين"، هي الخطة التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية للتحفيز الفعلي ليهود العالم للقدوم إلى إسرائيل، وتشجيع حملات هجرة كبيرة، من أجل توطينهم والعيش في المناطق الحدودية بالجليل الأعلى، وغلاف غزة، والضفة الغربية، ورصدت ميزانية وصلت إلى 46 مليون دولار. وحيال تدني معطيات الهجرة التي أقلقت إسرائيل، سارعت بطرح خطة "سفينة اللاجئين" وأرفقتها بمحفزات للجذب المعيشي، مع إعطاء أولوية لمن يوافق من المهاجرين على الاستيطان في الضفة الغربية، والنقب، والجليل الأعلى. فخصصت للمهاجرين الجدد مكافآت مالية شهرية، وامتيازات متنوعة، وستقدم كل الدعم لهم ولعائلاتهم في توفير فرص العمل، ومساعدتهم على الإيجار، وكذلك في المجالات التعليمية والأكاديمية وكل سبل الحياة اليومية. تفاصيل الخطة الإسرائيليةلفت الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت لمنصة "المشهد" إلى أن "الدوافع خلف الخطة الإسرائيلية لجلب اليهود وتوطينهم دليل دامغ على أن إسرائيل أعدتها لمواجهة الهجرة العكسية، قبيل الحرب غادر معظم اليهود الليبراليين، حيث باتوا يشعرون بأن الدولة تسير نحو الاستبداد، بفعل خطة نتانياهو للانقلاب على الجهاز القضائي، وما بعد الحرب شهدت إسرائيل موجة هجرة واسعة، بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتبعات الحرب". وتابع قائلاً: "المسألة الديمغرافية إستراتيجية في السياسة الإسرائيلية، فشعارها أرض أكثر وعرب أقل، للحفاظ على طابع الدولة اليهودية، الخطة تستهدف مناطق معينة لتسكين اليهود لأغراضها الاستيطانية، فتسعى لرفع أعداد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون، ومنطقتي الجليل والنقب هي ذات أغلبية عربية تحاول زيادة عدد المستوطنين مقابلهم، وأما عن غلاف غزة فهو تسمين للمستوطنات القائمة لخدمة مخططاتها المستقبلية لليوم الذي يلي الحرب". وتأتي هذه الخطة، في وقت فشلت فيه الحكومة الإسرائيلية بإعادة الأمن الشخصي للإسرائيليين، تحديداً في المناطق الحدودية خصوصا مع لبنان وجبهات القتال في غلاف غزة، والمواجهات والاشتباكات في الضفة الغربية التي تشهد تدهوراً أمنياً. انعكاسات الهجرة على إسرائيلعلى المقلب الثاني، اعتبر المحلل السياسي يوآف شتيرن في حديثه لمنصة "المشهد" أنه "على الرغم من أن إسرائيل غير مهيأة لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين، بفعل تبعات الحرب الحالية، وتصاعد التوتر الأمني، وتفاقم الأزمات الداخلية على خلفية التعديلات في الجهاز القضائي، فإن هذه الخطة إستراتيجية ومهمة، لتوفير الحلول لسوق العمل الإسرائيلي، ولضمان مستقبل إسرائيل التي تعاني نقصا حادا في العمالة في مختلف المجالات، خصوصا في التكنولوجيا والصناعات الأساسية". ولفت بأن "التجربة تدل على أن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، ساهمت في زيادة الناتج القومي، ولعبت دوراً مركزياً وهاماً، في تعزيز قوة الردع الإسرائيلية على الصعيد العسكري، وبفعل موجات الهجرة اليهودية، تحولت إسرائيل إلى ثاني أكبر دولة منتجة للتقنيات المتقدمة في العالم". وختم شتيرن قائلا إن "هجرة اليهود إلى إسرائيل، تستحوذ على اهتمام الوكالة اليهودية وكذلك الحكومة، لحث يهود المهجر القدوم إلى إسرائيل، وإعطائهم مزايا اقتصادية واجتماعية، ومنحهم الجنسية الإسرائيلية بشكل فوري، كذلك توفير السكن، وفرص العمل، والتعليم المجاني". وفي ظل الأحوال الاستثنائية التي تعيشها إسرائيل في خضم الحرب وما تلاها من تبعات إقتصادية وأمنية، هل تتمكن إسرائيل من جلب المهاجرين اليهود من أنحاء العالم للسكن فيها، خصوصا في هذه المناطق الحساسة التي لم تعد آمنة وفي مهب عاصفة المواجهة، حيث شهدت معظم مناطق الجليل وغلاف غزة نزوحا ضم الآلاف من سكانها. هل سيتمكن المهاجرون الجدد العيش والتأقلم في ظل هذه الظروف الأمنية، أم أن المنح والهبات التي سوف يحصلون عليها ستجعلهم يقبلون في هذا الواقع؟(القدس - المشهد)