بعد توقف دام لـ3 سنوات بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا في المغرب والعالم، عاد مهرجان موازين للظهور من جديد في الرباط، حيث انطلق نهاية الأسبوع الماضي بمشاركة عشرات الفنانين المغاربة والعرب والأجانب، وسط دعوات لمقاطعة هذه النسخة بالنظر للأوضاع التي يعيشها قطاع غزة الذي يشهد حربًا دامية منذ شهر أكتوبر الماضي، وتدهور الأوضاع المعيشية بالبلاد.إلا أنّ دورة عام 2024 واجهت دعوات واسعة لمقاطعتها، خلّفت جدلًا واسعًا تجاوز حدود الفن، ليتشابك مع قضايا إنسانية وسياسية، وبين جدل مقاطعة المهرجان وحضوره انقسمت آراء المغاربة الذي يرون أن الفن يجب أن يظل بعيداً عن السياسية، فيما ينادي البعض الآخر بتحويل الأموال المرصودة لهذا المهرجان لدعم المشاريع التنموية. فكرة مهرجان موازين ظهرت فكرة تنظيم مهرجان عالمي بالمغرب قبل أزيد من عقدين من الزمن، وبات للمغرب مهرجان سنوي تحت مسمى موازين إيقاعات العالم، كحدث ثقافي وفني ضخم يجذب فنانين من مختلف أنحاء العالم، ويُساهم في تنشيط السياحة وتبادل الثقافات. ويُعد مهرجان موازين إيقاعات العالم أحد أهم وأعرق المهرجانات الموسيقية في المغرب والعالم العربي، حيث يُقام سنويًا في العاصمة الرباط تحت رعاية الملك محمد السادس، وتشرف على تنظيمه جمعية مغرب الثقافات، ويهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي وتقديم عروض موسيقية متنوعة من مختلف أنحاء العالم. انطلق مهرجان موازين إيقاعات العالم لأول مرة في عام 2001، بمشاركة 10 فنانين من 6 دول. وقد شهد المهرجان منذ ذلك الحين تطورًا ملحوظًا، حيث أصبح يُعد من أكبر وأهم المهرجانات الموسيقية في المنطقة العربية والعالم، ويشارك فيه سنويًا فنانون من مختلف أنحاء العالم. وبعد أزيد من عقد على تنظيمه بالمغرب، حقّق المهرجان نسبة حضور جماهيري قياسية عام 2013 حيث حضر المهرجان أزيد من مليونين و400 ألف متفرج وحققت السهرات المنقولة عبر مختلف وسائل الإعلام أزيد من 30 مليون مشاهدة على القنوات العالمية في مختلف أنحاء العالم، كما صنفته شبكة "إم تي في" الأميركية العالمية عبر موقعها الإلكتروني ثاني أكبر وأضخم مهرجان في العالم. يضم برنامج مهرجان موازين إيقاعات العالم مجموعة متنوعة من العروض الموسيقية، تشمل موسيقى عربية وغربية وكلاسيكية وجاز وفولكلور. كما يُقام على هامش المهرجان العديد من الفعاليات الثقافية الأخرى، مثل المعارض الفنية وورش العمل والندوات. لكنه قوبل برفض من طرف بعض التيارات المحافظة بالبلاد بدعوى عدم الحاجة لصرف ملايين الدراهم من أجل استقدام فنانين للرقص والغناء لسويعات فقط، وتوجيه تلك الأموال للبنية التحتية الصحية والتعليمية بالبلاد."لا ترقصوا على جراحهم" منذ إطلاق العروض الترويجية لمهرجان موازين إيقاعات العالم في المغرب، قوبل المهرجان بالدعوة لحملة، تنوعت دواعيها وأسبابها، بين الاعتراض على الإنفاق الضخم على المهرجان بدلاً من توجيه هذه الأموال إلى مشاريع تخفف من البطالة وتحسن الظروف الاجتماعية في البلاد، والتضامن مع أهالي قطاع غزة خلال الحرب.وتم تداول وسم "لا ترقصوا على جراحهم" على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن هذه المقاطعة، لكن الأخيرة قسمت المغاربة بين مؤيد لإقامة هذا المهرجان وبين رافض له. وتعرضت دورة عام 2024 من مهرجان موازين إيقاعات العالم لحملة واسعة من دعوات المقاطعة، وذلك بسبب الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، حيث اندلعت مواجهات عسكرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية من أكتوبر الماضي مخلفة عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين. ويرى الداعون لمقاطعة المهرجان أنه من غير اللائق إقامة فعاليات موسيقية وثقافية في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من ويلات الحرب.كما يرون أن إقامة المهرجان في هذا التوقيت يعد رقصًا على جراع الشعب الفلسطيني الذي يعاني إلى جانب أوضاع العالم العربي التي لا تسر ولا تفرح. وفي السياق ذاته، يرى سليمان الصادقي، وهو باحث في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن إقامة مهرجان موازين في هذا التوقيت الذي يشهد أوضاعًا صعبة داخل البلاد وخارجها يعتبر "رقصًا على جراح الأمة والشعب".ويُضيف: "الغلاء وصل لمستويات لم يعرفها من قبل، كما ارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير، ناهيك عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعي بسبب الجفاف وقلة فرص التشغيل، وهو ما يجعل صرف الأموال في مهرجانات لا تقدم أيّ إضافة للبلاد مجرد تبذير وجب إيقافه". واعتبر الصادقي في حديث لمنصة "المشهد" أن إقامة المهرجان في هذا التوقيت يعتبر "عيبًا وعارًا" في جبين المغاربة، مشيرًا إلى أن الوقت غير مناسب للاحتفالات في ظل الأحداث الجارية في قطاع غزة التي يموت فيها الأطفال والنساء قتلاً وجوعاً وسط صمت دولي وعربي مطبق، من دون الحديث عن الأوضاع في شتى بقاع العالم العربي من السودان واليمن وغيره. من جانبه يرى سليم الحياني، وهو طالب باحث في العلوم القانونية أنه ضد المبالغ الخيالية التي تصرف على الفنانين مقابل سويعات معدودة من الرقص والغناء، بل يجب استثمارها فيما يخص النفع العام.الفن رسالة وفي الوقت الذي يؤيد فيه بعض المغاربة إلغاء المهرجان أو مقاطعته هذا العام، ترى فئة أخرى أن الفن لا علاقة له بالسياسة، بل وسيلة للترويح عن النفس والترويج للسياحة ولصورة المغرب كبلد منفتح على الفن وتعايش الثقافات. وفي هذا الصدد، تقول مروى أيت اعميرة أن الدعوة لمقاطعة موازين ليست واقعية وتعبر فقط عن إيديولوجيات تحارب الفن، مشيرة إلى أن الدفاع عن القضايا السياسية والاجتماعية يكون أيضا عبر الفن. وتضيف مروى وهي طالبة في شعبة الفنون الجميلة، بأن هذا المهرجان: يعتبر واحدا من أبرز الفعاليات الثقافية والفنية في المغرب والعالم.يساهم في تعزيز التواصل الثقافي والحضاري، وبالتالي يجب تشجيع الفن والموسيقى كوسيلة للتعبير والتواصل بين الثقافات المختلفة.على الرغم من الجدل الذي أحيانًا يحيط بالمهرجان، إلا أنني أرى أنه يمثل فرصة للتعبير الفني والتواصل الثقافي، ويجب أن يظل مكانًا للتجمع والاحتفال بالفن والموسيقى.من يموّل موازين؟ من جهة أخرى، يعتبر عصام الأشعري، وهو فنان وكاتب سيناريو، أن مهرجان موازين يعتبر فرصة تعزيز السياحة والثقافة والاستثمار في الغرب، والدعوة لمقاطعته أو إلغائه لا تستند على أيّ أساس منطقي وواقعي، حيث إن المغاربة بحاجة لساعات من الفرح عوض التباكي على الأوضاع المحلية والدولية. ويضيف الأشعري في حديث لـ"المشهد" أن من يروجون للمقاطعة، هم الأشخاص نفسهم الذين دعوا لمقاطعته منذ دوراته الأولى، حينما لم تكن هناك حرب غزة ولا أوضاع صعبة، وهم من يعتبرون أن المهرجان يتم تمويله من جيوب دافعي الضرائب، والحال أن مبرراتهم واهية ولا تستند على أيّ أساس، حيث إن تمويل المهرجان يأتي من مصادر تمويل لا تعتمد على القطاع العام. وبحسب الموقع الرسمي للمهرجان، فتمثل حاليا العائدات المتغيرة بما في ذلك التذاكر والجوازات والفضاءات والإشهار وغيرها 68% من إجمالي ميزانية مهرجان موازين الذي قلص بشكل كبير من اعتماده على الممولين الخواص. ويضيف المصدر إلى أنه منذ عام 2012، اتخذ مهرجان موازين خطوة جريئة بوقف مجموع الممولين من القطاع العام وشبه العام الذين كانوا يساندون المهرجان حتى ذلك الحين. وحاليا، يعتمد النموذج الاقتصادي لموازين على ميزانية واردة بنسبة 32% من الممولين الخواص وبنسبة 68% من عائدات متغيرة. ويشير الموقع الرسمي للمهرجان أن نجاحه في التخلي عن التمويل العام يعتبر ثمرة تطور بدأ منذ سنة 2008 التي قلص خلالها المهرجان من حصة الميزانية التي تأتي من المساعدات العمومية، حيث انتقلت نسبة هذه الأخيرة من 6% إلى 0% من الميزانية العامة للمهرجان، وهو ما مكن من رفع العائدات المتغيرة التي يعمد عليها، ويصبح أكثر من أي وقت مضى مهرجانا حضريا، ذا استقلالية اقتصادية مضمونة.موازين يدعم فلسطين ويقول الناشط الجمعوي محمد أمين البرنوسي إن التضامن مع القضية الفلسطينية ليس مبررًا للدعوة لمقاطعة مهرجان موازين أو إلغائه، فيمكن أن يكون المهرجان منصة لإشهار التضامن مع القضية بشكل عالمي، وبالتالي ستستفيد منه بشكل أكثر على اعتبار أن من يصعد منصات المهرجان وهم فنانون عالميون، يحظون بمتابعة وشعبية عالمية كبيرة، قد يكونون سببا في تسليط الضوء على ما يقع هناك، وبالتالي حشد الدعم العالمي. ويضيف البرنوسي في حديث لـ"المشهد" أنّ المهرجان يُعد حدثًا ثقافيًا يهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي والسلام بين الشعوب، وأن المقاطعة لا تُخدم القضية الفلسطينية، فالفن والثقافة لا يجب أن يُخلطا بالسياسة، وأنّ المهرجان يُعدّ حدثًا ثقافيًا يهدف إلى نشر السلام والتفاهم بين الشعوب، مشيرا إلى أنّ الفن لا يُفرّق بين الناس، وأنّ المهرجان يُساهم في تعزيز التسامح والاحترام بين الثقافات. هل نجحت المقاطعة؟ تداول رواد منصات التواصل الاجتماعي في المغرب على نطاق واسع، صورًا ومقاطع فيديو لأولى حفلات مهرجان موازين التي انطلقت رسميًا مساء الجمعة الماضي والتي تصادفت مع عطلة عيد الأضحية، حيث أظهرت الصور والمقاطع المأخوذة من منصات عدة في الرباط وسلا المجاورة حضور جماهير قليلة أمام المنصات، وهو ما اعتبره تيار المقاطعة نجاحًا لدعواتهم. فيما اعتبر آخرون أنه لا يمكن الحكم على نجاح مقاطعة المهرجان بصور اليوم الأول، حيث المدينة شبه خالية بسبب سفر الكثير من السكان إلى مناطق أخرى لقضاء إجازة العيد، كما أن اليوم الأول من المهرجان غالبا ما يكون الحضور الجماهيري فيه قليل مقارنة بباقي الأيام الأخرى التي يعرف الناس أن المهرجان قد بدأ فعلا ويتوافدون بكثرة لمشاهدة عروضه.وتداول نشطاء منصات التواصل الاجتماعي صورا مأخوذة من الأماكن التي تقام فيها سهرات المهرجان، في كل من منصة النهضة والسويس وأبي رقراق وسلا خلال اليوم الأول وتظهر حضورا جماهيريا قليلا مقارنة مع الدورات السابقة التي كانت تشهد حضورا كثيفا.حضور جماهيري قويعلى الرغم من دعوات المقاطعة، إلا أنّ مهرجان موازين 2024 انطلق في موعده المُحدّد، ويشهد حضورًا جماهيريًا كبيرًا، حيث نشرت صفحات المهرجان على منصات التواصل الاجتماعي صورة تظهر حضورا كبيرًا للجمهور في مختلف الحفلات.كما أظهر البث التلفزيوني لبعض السهرات التي تم نقلها على شاشة قنوات القطب العمومي حضورا جماهيريًا كبيرًا خصوصًا تلك التي كان أبطال المنصات فيها فنانون عرب ومغاربة.(المشهد)