يستمر النقاش حول سعي الجزائر للانضمام إلى منظمة "بريكس"، يستحوذ على اهتمام الجزائريين، إذ تتواتر أسئلة حول شروط امتلاك البلاد، المقوّمات التي تؤهلها لأن تكون عضوًا في ذلك التكتل، ولا تخلو مناسبة اقتصادية من الإشارة إلى أهمية الولوج إلى المنظمة في ظل الإمكانات المتوافرة، خطوة ستضع بين يدي الجزائر، الفرصة الذهبية للانتقال من كونها دولة طاقوية إلى دولة صناعية، تمتلك القدرة الكافية على إنشاء مناطق حرة مع دول "البريكس"، وفق تصريحات المسؤولين الحكوميين.تسعى الجزائر إلى الانضمام لمجموعة بريكس BRICS، التي تضم دولا كبرى مثل الصين وروسيا، طموح عبّر عنه في أواخر يوليو 2022، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورحبت به كل من بكين وموسكو.وأشار الرئيس تبون، في تصريحات إعلامية، أنّ انضمام الجزائر إلى التكتل (روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا) في المرحلة الأولى، سيكون كمراقب قبل أن تنال العضوية الكاملة. مجموعة بريكس.. BRICS ما هي؟بريكس ، بحسب موقعها الرسمي على الإنترنت، منظمة تجمع 5 دول، هي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا. وكانت روسيا هي التي شرعت في إنشائها. فلاديمير بوتين، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما تقرر بحسب المصدر نفسه، خلال قمة بريكس بالبرازيل في 15-16 يوليو 2014، إنشاء بنك للتنمية وتبنّي معاهدة لوضع احتياطي طارئ للمجموعة، التي باتت تمتلك ما مجموعه 200 مليار دولار.ومقارنة مع مجموعة السبع الصناعية الكبرى، تمثّل دول "بريكس" 40% من سكان العالم، وما يزيد قليلًا على ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتستحوذ الصين على أكثر من 70% من اقتصاد المنظمة، فيما تمتلك الهند نحو 13%، وروسيا والبرازيل 7% لكل منهما، وجنوب أفريقيا نحو 3%.جاهزية الانضــمامقبل التطرق إلى المكاسب التي ستحققها الجزائر من خلال انضمامها إلى منظمة البريكس، لابد من الإشارة إلى جاهزية المناخ البيئي الاقتصادي للدخول السليم في هذا التكتل.فوفقًا للخطة الحكومية، فإنّ من المرجح، وصول صادرات الجزائر إلى 56.5 مليار دولار مع بداية سنة 2023، منها 49.5 مليار دولار صادرات النفط والغاز، ونحو 7 مليارات دولار صادرات خارج قطاع المحروقات.ومع أنّ هذه الأرقام تمثّل قفزة كبيرة في الصادرات الجزائرية، مقارنة بـ 2021، زيادة بنحو 17 مليار دولار، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والغاز، وزياد الكمية المصدرة من الغاز ومن السلع خارج المحروقات.وهو ما يوضح تأكيد الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون"، زيادة حجم الصادرات، حيث دعا إلى مضاعفة إنتاج الغاز، لبلوغ صادرات بـ 100 مليار متر مكعب سنويا في 2023.فيما وضعت الحكومة الجزائرية هدفًا، للوصول إلى 10 مليارات دولار صادرات خارج المحروقات في العام نفسه، و15 مليار دولار في الأعوام المقبلة.وبمعدل سنوي، تنتج الجزائر نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، صدّرت منه رقما قياسيّا في 2022، بلغ 56 مليار متر مكعب، بينما استهلكت نحو 50 مليار متر مكعب، وتعيد ضخّ نحو 30 مليار متر مكعب في الآبار للحفاظ على نشاطها.ومن أجل الوصول لهذا الهدف، كثفت الجزائر من استثماراتها في قطاع المحروقات، وخصصت لها نحو 40 مليار دولار، وحققت اكتشافات مهمة في 2022، من النفط والغاز، ودخلت في تعاون وشراكات مع شركات متعددة الجنسيات، على غرار "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، و"أوكسدونتال" الأميركية، لاستغلال حقول الغاز وزيادة الانتاج.كما يعدّ غار جبيلات بجنوب غرب الجـــزائر، أحد المكاسب الإستراتيجية الكبرى ، حيث إنّ هذا المنجم سيسمح بإنتاج 2 الى 3 مليون طن من خام الحديد في المرحلة الاولى (2022-2025)، ثم 40 الى 50 مليون طن سنويا ابتداء من 2026.أما المرحلة الموالية، ابتداء من 2026، فستنطلق مباشرة بعد إنجاز خط السكة الحديدية، حيث سيتم استغلال المنجم بطاقة كبرى تسمح باستخراج 40 الى 50 مليون طن سنويا .كما سرّعت الجزائر الخطى لمضاعفة إنتاجها من الطاقات النظيفة، على غرار الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، والأمونيا الخضراء، بالشراكة مع دول عدة على غرار إيطاليا وألمانيا، بهدف توفير كميات أكبر من الغاز للتصدير، وأيضا تصدير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء إلى أوروبا مستقبلا.كما سعت أيضا إلى تصدير الكهرباء لأوروبا، بالنظر إلى امتلاكها فائضا كبيرا منها قابلًا للتصدير، إذ تنتج 25 ألف ميغاواط، بينما لا تستهلك في أوقات الذروة بالصيف، سوى 17 ألف ميغاواط، ويتقلص هذا الرقم إلى 11 ألف ميغاواط في الشتاء.ويعتمد مدى قدرة الجزائر للوصول إلى هذا الهدف، على وصولها إلى الأسواق الإفريقية، من خلال تسريعها العمل على شق طريق نحو موريتانيا، للوصول إلى أسواق غرب القارة السمراء، وكذلك تسريع الخط العابر للصحراء نحو أكبر كتلة سكانية في نيجيريا ووسط القارة السمراء.ما فائدة انضمام الجزائر إلى تكتل "بريكس"؟يُجمع مختصو الاقتصاد والسياسة، على أنّ احتياطات الجزائر الطاقوية وثرواتها المعدنية والطبيعية، وموقعها الجغرافي كبوّابة لأفريقيا، ومواقفها التاريخية مع الدول الأعضاء، وعودتها الدبلوماسية القوّية خلال السنتين الأخيرتين، والتي تؤهّلها لتلعب أدوارا مهمة في الفضاء الإفريقي والعربي، وخيارها الحياد الإيجابي في الحرب الروسية الأوكرانية، كلها عوامل تخدمها لتحظى بالقبول في مجموعة “بريكس”، وهو ما شرحه بالتفصيل الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان الجزائري سابقا، الدكتور الهواري تيغرسي ، في حديثه إلى منصـــة "المشهد" .كشف تيغرسي أنّ للجزائر في المجموعة آفاقا كبيرة للتبادل بين هذا الفضاء، الذي يعادل ناتجه الخام 25٪ من الناتج الخام العالمي، بما يقارب 25 تريليون دولار، بينما تمثل مساحته 40٪ من مساحة العالم، لذلك تُعتبر علاقة الجزائر قبل الثورة التحريرية مع جنوب إفريقيا، والصين وروسيا تاريخية، متابعا قوله "إنّ الاقتصاد الجزائري يحاول ترميم الاختلالات التي حدثت في الأعوام الماضية، وذلك من خلال تهيئة الأرضية القانونية، عبر إصدار قانون مشجع على الاستثمار في البلاد، وأيضًا من خلال الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من أجل جلب الاستثمارات الاجنبية الى الجزائر" ووفق تيغرسي ، فإنّ لهذه المنظمة قوة اقتصادية، تتمثّل بالصندوق الاحتياطي الذي يحتوي على مبالغ مهمة من النقد الأجنبي، وببنك التنمية الجديد، الذي يموّل مشاريع البنية التحتية في هذه الدول المنضوية تحت مجموعة "بريكس".وبيّن الخبير الاقتصادي أنّ "الجزائر تعوّل اليوم على انطلاقة اقتصادية مهمة، بحيث تمتلك سوقًا مهمة في شمال إفريقيا، تضمّ نحو 45 مليون نسَمة، بالإضافة إلى موقع استراتيجي مهم، وبنية تحتية موجودة حاليًا، وتحتاج إلى تطوير مع أعضاء بريكس، وخصـــوصا أنها ستكون في دور العضـــو المراقب في البـــداية".المشاريع المنتـــــظَرة بحسب الخبير الاقتصادي، الهواري تيغرسي، فإنّ الجزائر:1- تحتاج إلى الخبرة الروسية في المجال الزراعي، وخصوصًا أنّ روسيا قطعت أشواطًا كبيرة في مجال الزراعة، بعد أن كانت دولة مستوردة للحبوب في التسعينيات. واليوم، تُعَدّ من أهم الدول التي تصدّر الحبوب. لذلك، تحتاج الجزائر إلى التجربة الروسية من أجل تطوير قطاع الزراعة فيها، وخصوصًا أنّ الجزائر تمتلك أراضي زراعية تقدّر بملايين الهيكتارات، ويمكن استغلالها من أجل تلبية حاجات السوق الداخلية، أو حتى التصدير إلى الخارج.2- تحتاج إلى الاستفادة من تجربة الهند وخبرتها في مجال صناعة الدواء والصناعات التكنولوجية في هذا المجال، الذي يشهد تطورًا في الهند، وقطعت فيه نيودلهي أشواطًا كبيرة.3- يمكن الاستعانة بكل دول "البريكس" خصوصا الصين، من أجل إنشاء البنى التحتية في الجزائر، أو ما يُعرَف بعقود البناء والاستغلال ("بي أُو تي")، والتي تعتمد على مصادر مالية كبيرة، كإنشاء موانئ وسكك حديدية. وهذه المشاريع تتمّ عن طريق الصندوق الاحتياطي التابع لمنظمة "بريكس".إقلاع الاقتصادفي الوقت نفسه، ستساهم هذه الخطوة، برأي متخصصين، في تطوير الاقتصاد الوطني بصفة سريعة، لما تملكه دول المجموعة من تكنولوجيا في القطاعات الاستراتيجية كالطاقة والزراعة والصناعة .من جهته، يعتقد مديــر المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتطويـــر أمين بوطالبي ، في تصريح لـ”المشـــهد”، أنّ الجـــزائر تمثّل بالنسبة لمجموعة البريكس بوابة القارة الإفريقية، وتحتل منطقة استراتيجية، وتلعب دورا مهمّا ورئيسيا بالبحر الأبيض المتوسط والوطن العربي، وبالتالي فإنّ اندماجها اقتصاديا معهم، سيفتح لهم أبواب القارة السمراء، لاسيما في ظل المنطقة الإفريقية الحرة، التي ستفتح أسواقها قريبا أمام الدول الأعضاء، هذه الأسواق التي يؤكد المتحدّث أنها باتت “فضـــاءً واســـعا تتسابق عليها الدول الكبرى”.وأكد المتحدث "على أهمية منظمة البريكس، هي في كونها تضم دولا تشهد نموّا مرتفعا وكبيرا مثل الصين والهند والبرازيل، ومن المؤكد أنها ستضيف دولا أخرى. متابعا أنّ دول هذه المجموعة مثل الهند، ستشهد ازدهارا اقتصاديا كبيرا خلال السنوات العشر المقبلة، وبالتالي فإنّ الطلب على مصادر الطاقة سيكون كبيرا جدّا. وأشار ألى أنّ للجزائر مصلحة في الانضمام إلى البريكس، وهناك تسهيلات تجارية واقتصادية يمكن أن تحصل عليها. كما أنّ هناك حاجة لنظام مالي ونقدي جديد، بعد تشتّت النظام العالمي، وهناك إمكانية لإصدار عملة رقمية جديدة خصوصا في دول البريكس. ولهذا قال المتحدث إنّ دخول الجزائر إلى هذه المجموعة، سيمكّنها من الاستفادة من الميزات التجارية المستقبلية، إذ إنّ هناك استفادة استراتيجية للتجارة والأنظمة المالية والنقدية العالمية خلال السنوات الخمسين المقبلة".ويرى بوطالبي أنّ "الجزائر ستكسب فوائد كثيرة بقبول الطلب، ومنها تحقيق التكامل الاقتصادي والدخول الى نادي الدول النامية مع الأعضاء في هذه المجموعة، كما أنّ الانضمام سيؤهلها إلى التوقيع على مشاريع اقتصادية جديدة، بحسب خصوصيات هذه الدول، وتطوير البنى التحتية، وتسهيل إنجاز المشاريع الكبرى، إضافة إلى التوقيع على اتفاقيات تفاضلية تتعلق برفع القيود الجمركية والعراقيل غير الجمركية، والاستفادة من تجارب هذه الدول الرائدة في قطاعات معينة كالصناعة والزراعة والمناجم واستغلال الثروات الباطنية". وأشــــار بوطالبي إلى أنّ هذه الخــــطوة تستطيــع الجزائر من خــــلالها الانخراط في التحول الحاصل عالميّا، وهو استعمال العملات غير الدولار على غرار اليوان والروبل في المبادلات البينية، ما يحررها من هيمنة البترودولار، وأكثر من ذلك يمكن للجزائر الاستفادة من التجربة الروسية في تحقيق الأمن الغذائي، وتطوير صناعة الأسمدة التي تعتبر عصب حرب الغذاء العالمية المقبلة.(المشهد)