عزلت السلطات الإسرائيلية مدينة القدس عن امتدادها العربيّ الفلسطيني، وطوقتها بالجدار والحواجز والمستوطنات، وأغرقتها بمئات المشاريع الاستيطانية التي تحرم الفلسطينيّين فيها من التوسع أو البناء، وباتت تتحكم بمن يدخل إليها من خلال إصدار تصاريح دخول وخروج موقّتة، بحسب أهوائها وحساباتها السياسية، وفقًا لمراقبين.وتتجرّأ الحكومة الإسرائيلية، على حرمان المؤمنين من دخول مدينة القدس، وتقوم بالاعتداء سنويًا، على المسيحيّين المحتفلين بسبت النور وعيد الفصح بالضرب والسحل، فيما اشتكى المسيحيون بالقدس من تزايد وتيرة العنف ضد كنائسهم ومقابرهم ومواقعهم الدينية، حيث تتعرض بشكل شبه يوميّ لهجمات المستوطنين، وبات المجتمع المسيحيّ يواجه أشرس الضغوط الإسرائيلية، عنوانها "اضطهاد المسيحيّين"، كما يصفها البعض.ويُعتبر المسجد الأقصى المبارك في قلب الاستهداف الإسرائيلي، الذي جرّ في العديد من المرات لشرارة مواجهة مع الفلسطينيّين، بفعل سياسة فرض القيود التي توضع على المصلين المسلمين في كل الأوقات والمناسبات، واستمرار الاقتحامات اليومية لرحابه، واعتقال المرابطين ومنع المرابطات من دخوله، وتطويقه بالكنس والبؤر الاستيطانية والحفريات، وليس أخيرًا منع أهالي الضفة الغربية من الوصول إليه في شهر رمضان، سوى كبار السن يوم الجمعة. التضييق على المسيحيّين في أحد الشعانينحرمت السلطات الإسرائيلية آلاف المسيحيّين الفلسطينيّين من أبناء الضفة الغربية، من دخول مدينة القدس لإحياء أحد الشعانين بحسب التقويم الغربي، كذلك الجمعة العظيمة وعيد الفصح، ورفضت إصدار تصاريح دخول خاصة للمدينة طوال فترة الأعياد.وشدّدت قبضتها العسكرية، ونشرت عشرات الحواجز وضيقت على المؤمنين المسيحيّين، إلا أنهم تمكنوا من الصعود على جبل الزيتون من بين أعقاب بنادق الجنود الإسرائيليّين، حاملين أغصان الزيتون وسعف النخيل احتفاءً بدخول السيد المسيح إلى القدس في بداية أسبوع الآلام، في أجواء سادها الحزن بفعل الإجراءات الإسرائيلية ضدّهم، والألم مع استمرار الحرب على غزة. بدوره، أشار منسق الشبيبة المسيحية في فلسطين للشرق الأوسط رافي غطاس لمنصة "المشهد"، من تبعات ودلالات المنع الإسرائيليّ تجاه المسيحيّين، "أن تمنع إسرائيل كل مسيحيي الضفة الغربية من دخول مدينة القدس في أحد الشعانين، هذه سياسة مبيّتة ومقصودة، بل سابقة خطيرة، وإجراء تعسفيّ يهدّد وجودنا وهويّتنا ومكانتنا، نحن نشعر بخطر مُحدق أكثر من أيّ وقت مضى، مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية ضدنا، السلطات الإسرائيلية تسعى إلى إفراغ القدس من المسيحيّين للتفرّد بها، وهذا ما أثبتته الانتهاكات المتتالية على رجال الدين والكنائس والأديرة مؤخرًا، حيث لم يسلم موقع مسيحيّ من شر المستوطنين والقوات الإسرائيلية". من جانبه، قال المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس لمنصة "المشهد"، "هناك تآمر إسرائيليّ على الأوقاف المسيحية، المسيحيون في القدس اليوم وهي من أهم المدن المسيحية، وبسبب سياسات إسرائيل، عددهم لا يتجاوز الـ10 آلاف، نحن نناشد ونطالب المرجعيات الدينية بضرورة أن نتكاتف ونعمل معًا دفاعًا عن القدس وهويتنا وحقنا الأبدي فيها". وأكد المطران حنا بأنّ "سياسة إسرائيل مستمرة، ولم تتوقف لا في عيد الفصح ولا غيره من المناسبات، في أعيادنا ومناسباتنا نؤكد بأننا ننتمي للقدس وجذورنا عميقة فيها، ونرفض جلّ الإجراءات الإسرائيلية الهادفة لاستئصالنا، نعيش الألم والحزن على أهلنا في غزة، كل الفلسطينيين يعانون، نحن نستقبل الأعياد ولكن تبقى في القلب غصة على شعبنا المظلوم". وختم المطران حنا بالقول "الممارسات الظالمة العنصرية التي تستهدف المسيحيّين لم تتوقف منذ سنوات طويلة، لكنها ازدادت مع الحكومة الإسرائيلية الحالية المكونة من مستوطنين متطرفين معادين للفلسطينيّين، تسعى إلى تهميش وإضعاف الحضور المسيحيّ والإسلامي، عبر حملات عنصرية غير مسبوقة، لسنا غرباء ولا عابري سبيل .. وسنبقى".مسّ متعمّد بالأقصى على مدار يومين، شهدت ساحات المسجد الأقصى المبارك اقتحامات كبيرة، ومتتالية لجماعات المستوطنين في عيد المساخر اليهودي، بعد أن قامت الشرطة والقوات الإسرائيلية من طرد المصّلين والمعتكِفين في المسجد الأقصى، ووُجدت بكثافة في الساحات التي لم تخلُ من الضباط أيضًا.وشهدت البوابات المؤدية للأقصى تشديدات أمنية وتفتيشات دقيقة، ومنعت مئات المصلين من دخوله، فيما قامت مجموعات المستوطنين بالغناء والرقص في طرقات القدس العتيقة، استفزازًا لمشاعر الفلسطينيّين ونكاية بهم. من جانبه، قال الشيخ عكرمة صبري إمام وخطيب المسجد الأقصى المبارك لمنصة "المشهد":منذ اندلاع الحرب على غزة تحوّل الأقصى إلى ثكنة عسكرية مغلقة على يد القوات الإسرائيلية، التي فرضت إجراءات وتشديدات وتضييقات على المصلين.هذا يعكس سياسة تضييق الخناق على المسلمين بالقدس، وهذه مساعي الحكومة الإسرائيلية لتطبيق أجندتها على المسجد الأقصى، تمهيدًا لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا.الإجراءات والتي يرافقها منع وقمع إسرائيليّ ضد الفلسطينيّين، تهدف إلى فرض السيادة والسيطرة والهيمنة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، خصوصًا مع الأعياد الدينية اليهودية المتعددة، وتستغلها للانقضاض على الأقصى سواء في عيد المساخر أو غيره. بالتزامن مع ذلك تشدد إسرائيل على أهالي القدس العتيقة، وتمنع المقدسيّين الذين يسكنون خارج البلدة القديمة من الدخول إليها. أحوال أدت لوقوع شلل في الحركة التجارية وضرب الإقتصاد لأهل بيت المقدس.وختم الشيخ عكرمة حديثه لـ"المشهد" قائلًا: "كثرة الضغط يولّد الانفجار، والإجراءات التعسفية التي قامت وتقوم بها إسرائيل، وآخذة بالتصاعد خصوصًا ما يتعلق بحرية العبادة لدى المسلمين والمسيحيّين، تؤشر بأنّ احتمال المواجهة بالقدس قد اقترب، كلما تفردت القوات الإسرائيلية بالمدينة وزادت من جبروتها وصلَفها، فالوضع لم يعُد يُحتمل".(المشهد)