أثارت وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية الانتقالية التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" حالة من الجدل والغضب، بعد الإعلان عن التعديلات الجديدة للمناهج الدراسية.وشملت التعديلات عددًا من المواد الدراسية منها التربية الإسلامية والعلوم، والتاريخ واللغة العربية والوطنية. تعديلات في المنهاج السوري واجتذب التعميم انتقادات شديدة من متابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن حذف نظرية التطور من كتاب العلوم يعد تراجعًا علميًا، كما تم انتقاد استبدال كلمة "قانون" بـ"الشرع أو شرع الله". بالإضافة إلى ذلك، تم حذف بعض الفقرات المتعلقة بالنشيد الوطني السوري، مما اعتبره البعض محاولة لإرضاء تركيا من خلال طمس ذكر "شهداء السادس من أيار 1916".غرس إيديولوجيا جديدة؟ ووصف نشطاء ومحللون التعديلات الأخيرة بأنها بمثابة إعلان الهيئة الحرب على العلوم والفلسفة، مما يثير الكثير من المخاوف بشأن مستقبل سوريا.في هذا السياق، يقول الخبير التربوي زياد.أ في تصريح لـ"المشهد" إنه "لم يتم إبلاغنا حتى الآن بشكل رسمي عن التعديلات التي باتت منشورة في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وعود وزير التربية في الحكومة الانتقالية كانت حول اجتثاث المفردات الخاصة بالنظام السابق، دون المساس بجوهر المنهاج التربوي، لكن أرى أن الأمر بات على نحو آخر".ويرى زياد.أ، الذي رفض الإفصاح عن اسمه وكنيته حرصًا على سلامته، أنه في حال صحّت هذه الأخبار أعتقد بأن الحكومة ترتكب خطأ فادحاً من عدة نواحي:تعديل المنهاج عملية علمية تراكمية طويلة لا تخضع لرؤى وأهواء فئة سياسية أو حزبية أو حكومة، فكيف وأن هذه الحكومة في الأصل مؤقتة ولم تحصل بعد على الشرعية التي تخوّلها للقيام بمثل هذه الخطوة الكبيرة والخطيرة.هناك استعجال غير مبرر خصوصاً بالتعديلات المتعلّقة بالمواد العلمية والفلسفية والدينية. أفهم رغبة الحكومة الجديدة في محو كل ما يمت النظام السابق بصلة، ولكن الموضوع تجاوز الحدّ المنطقي بشكل كبير وبات يهدد الأسس التاريخية والتربوية للمجتمع والجيل الناشئ. فما المبرر في إلغاء زنوبيا مثلاً؟ أو إلغاء نظرية تطور الحياة؟ أو المفاهيم العلمية المؤيدة من قبل كل دول المعمورة؟لا يحق لأيّ جهة فرض إيديولوجيّتها الدينية. من المعلوم أن المنهاج التربوي وطني، وبالتالي يجب التقيّد بأعلى مستويات الوسطية فيه ليكون مقبولاً من قبل كافة أطياف وشرائح المجتمع. ما أراه في التعديلات المحتملة ليس فقط إقصاء لتيار واسع من المجتمع فقط، بل إهانة للعديد من الفئات والعرقية والطائفية للمجتمع السوري.ويعتقد الخبير التربوي أن "الحكومة الحالية تقوم بهندسة المجتمع وفقاً لإيديولوجيّتها الدينية ونهجها السياسي بدلاً من التفكير في العملية التربوية كعلم و أخلاق مجتمعية، وهذا رأيناه أيضاً بما يتعلق بالنظرة إلى الدولة العثمانية مثلاً. شخصياً أعتبر ما يحدث اندفاعاً غير منطقي وبشكل مستعجل، ويجب النظر بالتعديلات".القانون السوري لا يسمح بذلك وبعد عاصفة من الجدل تداول نشطاء منشورات مفادها: "إلغاء جميع التعديلات الواردة في المناهج السورية، باستثناء أقوال القائد البائد وأفكار البعث ونهج الأسد، التي ستحذف فوراً، وترك إقرار التعديلات اللازمة للمختصين في الأشهر القادمة". يقول المحامي والناشط السوري رامي الخير في حديث إلى منصة "المشهد" إن "حكومة تصريف الأعمال تقنيًا هي حكومة منقوصة الصلاحيات، هدفها تسهيل الخدمات وتذليل العقبات، ولا يحق لها اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية". ويرى الخير أن "الإدارة الجديدة لم تستفيد من دروس الدول المجاورة، والتعديلات والأمور التي تحصل لا تليق بتاريخ أو شعب سوريا". ومن هذه التعديلات تفسير الفاتحة في كتاب التربية الدينية اعتبار "المسيحيين واليهود هم المغضوب عليهم والضالين"، بعد أن كان النص القديم يحددهم بالذين ابتعدوا عن طريق الخير. مع التأكيد على تعديل النص السابق بأن الصراط المستقيم هو "صراط الخير إلى تفسيره بأنه هو فقط طريق الإسلام". وحول ذلك يبين الخير أن "القانون السوي واضح حيال المكونات التي يتألف منها المجتمع السوري، وبهذه الطريقة التي تمت فيها الإساءة إلى النصارى والقانون تمت مخالفة القانون، وعدم احتواء لكل المكونات السورية". ويضيف الخير أن "هناك غاية من هذه التفاسير وهي الإقصاء، هذا المبدأ هو الأساس الذي تقوم عليه التعديلات من قبل الحكومة الحالية، من ضمنها التعديلات على المناهج الدراسية". الجدير بالذكر أن الدستور السوري يعترف بالأديان الرئيسية مثل الإسلام، المسيحية (بجميع طوائفها) و اليهودية، وتتمتع هذه الأديان بحماية قانونية. هناك العديد من الطوائف المسيحية في سوريا (مثل الأرثوذكس، الكاثوليك، والإنجيليين)، وكذلك طوائف إسلامية متعددة (السنة، الشيعة، العلويين، الدروز، والإسماعيليين). الديانة اليهودية معترف بها قانونًا، رغم أن وجود اليهود في سوريا أصبح محدودًا جدًا.تعديلات "بدون توضيح" وتعليقًا على التعديلات، قال وزير التربية والتعليم في إدارة سوريا الجديدة نذير القادري إن "المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ما زالت على وضعها حتى تُشَكِّل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها". وأضاف القادري "وجهنا فقط بحذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد البائد واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية، وما تم الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، فاعتمدنا شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير للمراحل الدراسية كافة". ولم يتطرق توضيح الوزير للحذف أو التعديل الذي طال بقية المواد فيما يخص مثلا ذكرى "6 أيار"، وما يتعلق بتطور القانون وفق شريعة حامورابي، وبحث تطور الدماغ، علمًا أن كل هذه التعديلات نشرت على الصفحة الرسمية للوزارة في بوست سابق.(المشهد )