بعد يوم على اتفاق دمشق مع "قسد"، تداول ناشطون مشاهد لرفع العلم السوري فوق محافظة السويداء، وبدأت التسريبات تتحدث عن اتفاق أبرمه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع مع وجهاء المدينة الواقعة في جنوب سوريا.ونشرت الحكومة السورية الانتقالية صورًا لاجتماع الشرع مع وجهاء السويداء وسط حديث عن اتفاق أبرم، يقضي بضم المؤسسات العسكرية والمدنية في المحافظة ذات الأغلبية الدرزية لمؤسسات الدولة. ووفقا للتسريبات، فإن الاتفاق ينص على دخول 300 عنصر من عناصر الأمن العام إلى المحافظة بشكل فوري، إضافة إلى إلحاق الأجهزة الأمنية في السويداء بوزارة الداخلية، وأن يكون عناصر الشرطة المحلية من أبناء المحافظة وتعيين محافظ وقائد للشرطة لا يُشترط أن يكون من السويداء. ونفت مصادر وجود اتفاق بين الشرع والزعيم الروحي للدروز حكمت الهجري، وبقي الحديث عن الاتفاق مبهمًا بانتظار تأكيداتٍ رسمية. وجاء الحديث عن اتفاق السويداء بعد يومو من توقيع اتفاقٍ تاريخي يقضي باندماج قوات سوريا الديموقراطية ضمن مؤسسات الدولة السورية. والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، هي خطوةٌ يراها خبراء أهم تطور منذ سقوط حكم بشار الأسد إذ يطمح السوريون إلى أن يسلم الاتفاق في منع أيّ اقتتال داخلي قد يعيد البلاد إلى الفوضى والعنف. تشكيك في السويداءومن هنا، قال الكاتب والمحلل السياسي أيمن الشوفي، إنّ لقاء الشرع مع قادة بعض الفصائل المسلحة في السويداء، جاء لبحث مجموعة من المسائل المتعلقة بالضابطة العدلية أو مسألة التجنيد في ما يسمى بالجيش الوطني. واعتبر الشوفي في حديثه لبرنامج "المشهد الليلة" مع الإعلامي مالك علاوي، أنّ هذا الاتفاق يجب أن يحظى بإجماع معظم مكونات محافظة السويداء، وطالما مقام الرئاسة الروحية لم يوافق عليه، فإنّ ذلك يشكل إشارة استفهام. وفي السؤال حول ما الذي يؤخر محافظة السويداء عن إبرام أيّ اتفاق مع الحكومة السورية الجديدة، قال الشوفي إنّ هناك تشكيكًا في الحالة السياسية الناشئة بعد سقوط نظام الأسد، و"هل هي حالة تنفيذية حقيقية لأحلام السوريين؟".وشدد على أن هناك صراع سياسي مركب في السويداء بين ثلاثة تيارات معتقدا "أنّ التيار الوسطي هو التيار السائد. نحن نريد أن تكون السويداء جزءًا من سوريا، لكن ليس مع السلطة القائمة التي جاءت بقرار دولي وأخذت مكان النظام الإجرامي السابق وهي ليست سلطة منتخبة". واعتبر الشوفي أنّ الشرع ليس رئيسًا منختبًا من السوريين، وإنما جاء ضمن توافق من فصائل "ردع العدوان"، وبالتالي هناك تشكيك أصلًا حتى في الخلفية الأديولوجية للحالة العسكرية السائدة. وشدد على أنه بالمجمل، في السويداء هناك حالة من التشكيك بسلطة المركز بأنها ليست خيار السوريين. الكونفدرالية في سوريا ولا يعتقد الرئيس السابق لمجلس محافظة درعا عصمت العبسي، أنّ الكونفدرالية ستكون نموذجًا في سوريا، مبينًا أنّ الشعب السوري هو من سيصوّت على دستور يحدد شكل الدولة السورية القادمة. وعلّل رأيه لاعتبارات منها تشكيل الدولة، وأنّ بناء مؤسساتها يحتاج إلى مركزية في القرار. وفيما يجري في السويداء، أوضح العبسي أنها مباحثات لغاية الآن ولم تصل إلى حدّ الاتفاق، لكنّ الواقع في المدينة مثل باقي المناطق السورية. وأشار إلى أنّ السلطة الموجودة في سوريا حاليًا تحاور الجميع ورفضت أن تفرض أيّ شيء بالقوة. وقال إنه لا يوجد إقصاء في سوريا، و"نريد أن نحافظ على المؤسسات. لا بد من مرحلة انتقالية ترتب فيها ملفات الانتقال السياسي. ومن ثم بعد ذلك ننتقل إلى انتخابات يتم فيها انتخاب مجلس برلماني ورئيس للجمهورية". دعم شعبي واعتبر مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل في حديثه لـ"المشهد"، أنّ الأكثر أهمية في سوريا الآن هو الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه بين "قسد" والشرع، وردود الفعل الشعبية الواسعة التي ربما هي الثانية بعد سقوط النظام السوري البائد. وأكد أنّ البنود الثمانية للاتفاق بين حكومة دمشق وقائد قوات سوريا الديمقراطية جميعها مهمة، بدءًا من البند الأول القاضي بضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة في العملية السياسية ومؤسسات الدولة كافة. وقال خليل إنه للمرة الأولى منذ تشكيل الدولة السورية سواء تحت الانتداب الفرنسي أو بعد الاستقلال، لم يجرِ أيّ لقاء بين رئيس الدولة وأيّ ممثلين للشعب الكردي. وأضاف، "الاتفاق يتحدث عن المجتمع الكردي الأصيل في الدولة السورية وتضمن الدولة حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية". وشدد على أنّهذا الاتفاق يؤسس لتهيئة الأرضية أو بناء الثقة بين المركز وبقية المناطق حتى في السويداء والساحل. تسليم سلاح "قسد" وعلق خليل عن البند الرابع من الاتفاق وهو دمج المؤسسات المدنية كافة والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز. واعتبر أنّ الحديث في هذا البند اختلف عن السابق، حيث يجري الحديث عن الإدارة الذاتية وقوات سورية الديمقراطية وقوات الأمن الداخلي، وكل ذلك سيكون مناطًا من خلال لجان مختصة تتولى الشؤون خلال الأشهر التسعة القادمة أي قبل انتهاء العام الجاري. وشدد خليل على أنّ المشجّع أكثر، هو ترحيب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي كان السبب الأساسي حتى لتأخير توقيع هذا الاتفاق. ولفت إلى أنّ الترحيب العربي والأميركي والفرنسي يعطي أساسًا قويًا مع الترحيب الشعبي الواسع، مبينًا أنّ الموقف الأهم هو من جانب الرئيس التركي الذي جاء بعد بدء عملية الحوار بين تركيا ومؤسس وقاعد حزب العمال الكردستاني. وقال خليل إنه لا يمكن أن تدار سوريا بالطريقة القديمة، عبر نظام حكم شديد المركزية، وتوزيع بعض الصلاحيات التي استولت عليها السلطة في دمشق. وأكد أنّ السوريون يبحثون عن شكل حكم جديد يعترف بخصوصياتهم، حيث للسويداء خصوصية معينة وللشعب الكردي خصوصيته. وأضاف خليل، "علينا البحث عن القضايا والقواسم المشتركة بيننا كسوريين. هذا بلدنا جميعًا. يجب أن تكون هناك حكومة وأن لا يكون هناك إقصاء".لا اتفاق مع الدروز وفي ذات السياق، انتشرت تقارير تتحدّث عن أنّ هناك اتفاق جديد مفاجئ توصلت له الحكومة السورية الانتقالية مع أهالي ووجهاء السويداء يقضي بدمج كامل محافظات الأغلبية الدرزية ضمن مؤسسات الدولة. وفي تعليقه على ذلك، نفى الصحفي السوري حازم العريضي دقة هذه المعلومات واعتبرها عارية عن الصحة. وأكد أنّ مكتب الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهجري نفى أيضا ذلك بالإضافة إلى الكثير من الشخصيات الاعتبارية والسياسية في السويداء "لا علم لهم بهذا الاتفاق".وشدد العريضي في تصريحات لبرنامج "إستراتيجيا" مع الإعلامي محمد أبوعبيد على أنّ موقف السويداء لا يختصر بموقف مجموعة من أهاليها، مبينا أن هناك تخبطا في بعض وسائل الإعلام بأن هذا الاتفاق هو شبيه بالاتفاق الذي حصل ما "قسد" وهكذا يتم تداوله. وقال إنّ "قسد" هي قوة أو كيان عسكري له ارتباطات وتفاهمات دولية بينما محافظة السويداء تضم قوى شعبية من قوات الثورة، وفيها شخصيات اعتبارية وشاركت في الثورة السورية. وشدد العريضي على أنّ السوريين جميعًا لديهم طموح للمشاركة في بناء الدولة السورية، وهناك اعتبارات أساسية لا يجب فرضها على أيّ محافظة أو أيّ تكوين سياسي إن كان ناقش بمسؤولية ما يجب أن يكون عليه هذا الاتفاق. وقال إنّ هناك استحقاقات أساسية وطنية على رأسها بالدرجة الأولى مسألة الإعلان الدستوري والمشاركة في السلطة التنفيذية، وهذه الاستحقاقات تخدم السوريين جميعًا بالإضافة إلى قضية العدالة الانتقالية. وشدد العريضي على ضرورة بناء الاستحقاق الوطني بشكل واضح يُبنى عليه، لافتًا إلى أنه بالنسبة لكل السوريين وبالدرجة الأولى أبناء الثورة إن كانوا في السويداء أو في درعا وصولًا إلى أيّ بقعة في سوريا، لا يجوز لأيّ قوى حتى إن كانت تطرح شعارات قومية أو وطنية عابرة للحدود أن تنظّر على السوريين. (المشهد)