شكّلت مدينة جنين بمخيّمها وقراها، أحدَ الأهداف الرئيسيّة لعمليّة "كاسر الأمواج" التي أطلقتها إسرائيل مع بداية أبريل عام 2022، والتي تلقّب بعشّ الدبابير، حيث تزعم إسرائيل بأنّ عددًا من منفّذي العمليّات ضدّ إسرائيليّين خلال هذه الفترة، خرجوا من منطقة جنين الواقعة على امتداد الخطّ الأخضر لعام 1948.ووفقًا لإحصاءات الأمم المتّحدة، فإنّ العمليّات العسكريّة التي تنفّذها القوات الإسرائيليّة في جنين، هي الأكثر حصدًا لأرواح الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة، ومُنيت جنين ومخيّمها بخسائر فادحة في البنية التحتيّة والشوارع والمنازل، فيما الحركة التجاريّة والاقتصاديّة فيها شبه معدومة.وقدّر نضال عبيدي رئيس بلدية جنين لمنصّة "المشهد"، بأنّ الخسائر في المدينة وصلت إلى 24 مليون دولار، تشمل البنية التحتيّة والممتلكات، وتعطيل المصالح التجاريّة والاقتصاديّة، مشيرًا إلى أنّ القوات الإسرائيليّة دمّرت معظم النُصُب التذكاريّة وأقواس المدينة.وتركّز إسرائيل على مناطق شمال الضفّة الغربيّة، باعتبارها معقلًا لنشاط وحركة المسلّحين الفلسطينيّين، ولأنّ معظم منفّذي العمليّات خرجوا منها، وتعتبر إسرائيل بأنّ السلطة الفلسطينيّة فقدت سيطرتها عليها، ولا يستبعد كبار المسؤولين في المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة، اندلاع انتفاضة فلسطينيّة ثالثة، تنطلق من الضفّة الغربيّة وتحديدًا جنين، فيما يتّهم مسؤولون فلسطينيون إسرائيل، بأنها تجرّ المنطقة إلى دوّامة عنف.إسرائيل تحوّل جنين إلى منطقة عسكريّة مُغلقةويشرح الأكاديميّ والمحلّل السياسيّ د.أيمن يوسف لمنصّة "المشهد"، إعلان إسرائيل الأخير بتحويل مدينة جنين منطقة عسكريّة، قائلًا:هذا يعني أنّ مدينة جنين باتت منطقة عمليّات عسكريّة، وعمل عسكريّ للجيش الإسرائيليّ والمخابرات، وإشتباكات وملاحقات ومداهمات واغتيالات واعتقالات، وقطع المدينة تمامًا عن الرّيف والمدن الفلسطينيّة الأخرى.هي شكل من أشكال حالة الطوارىء والمناورة العسكريّة، وفعلُا أمس كان هناك ضحايا تم؟ استهدافهم بشكل مباشر في مخيّم جنين، وهذا يعني بأنّ إسرائيل لم تحقّق كلّ الأهداف المرتبطة في المدينة.هذا يؤشر إلى خصوصيّة مدينة جنين، حيث تتصدّر المشهد الوطنيّ والنضاليّ منذ أكثر من عامَين خلال الهبّة الأخيرة التي تعيشها الضفّة الغربيّة.وحول حالة الاشتباك والمواجهات الدائمة بين الجيش الإسرائيليّ والفلسطينيّين في مدينة جنين، يرى د.يوسف، بأنّ ذلك يعود إلى عوامل كثيرة:منها ما هو مرتبط بالأبعاد الوطنيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، فالمدينة لها تاريخ طويل في مواجهة إسرائيل منذ ثورة العام 1936، ومرورًا بنشوء حركات المقاومة المنضوية تحت منظّمة التحرير.وجنين كانت في المقدّمة خلال الانتفاضة الأولى والثانية، ومعركة مخيّم جنين في عام 2002، ووجود مخيّم جنين في قلب المدينة وعلى أطرافها، ورمزيّة التمسّك بحقّ العودة، ووجود تنظيمات داخل المخيّم.إضافة إلى طبيعة مخيّم جنين الذي يقطنه 30 ألف فلسطينيّ، ويقع على مساحة أقلّ من كيلو متر مربع، كل ذلك ربّما جمع كلّ العوامل الديمغرافيّة لتظهر هذه الحالة النضاليّة التي تطالب بحقّها المشروع الذي أقرّته المواثيق الدوليّة.أبرز الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة في جنينويتابع د.يوسف "مدينة جنين تتميّز بأنها أول منطقة بالضفّة الغربيّة تتأسّست فيها غرفة للعمليّات المشتركة للفصائل الفلسطينيّة الثلاث: فتح، والجهاد الإسلاميّ، و"حماس"، وحالات فرديّة لمقاتلين ليس لهم اتجاهات سياسيّة معيّنة، وبالتالي هم يوجدون داخل المخيّم، ويقومون بحماية من قاموا بتنفيذ هجمات ضدّ مواقع إسرائيليّة".معروف تاريخيُا أنّ مدينة جنين كانت تميل إلى حركة فتح، وفيها وجود قويّ لكتائب الأقصى، لكن في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة كتيبة جنين، وأغلبها من "الجهاد الإسلامي"، و"سرايا القدس"، لكن "ما يميّز الكتيبة بأنّ فيها أعضاءً من حركتَي فتح و"حماس"، وتكاد تكون هذه التنظيمات الرئيسيّة الثلاثة في جنين".جنين ومخيّمها.. مصدر قلق لإسرائيلوتشير الإعلاميّة والمحلّلة السياسيّة عناب حلبي في حديث خاص لمنصة "المشهد"، إلى أنّ "إسرائيل تعمل على القضاء على كل خليّة أو تنظيم، أو حتى أفرادا تعمل على المسّ بأمن الدولة، خصوصًا في هذه الظروف، التي تعمل فيها "حماس" على تجنيد كل المناطق وتوحيد الساحات من أجل محاربة إسرائيل".وتضيف حلبي، "إسرائيل ومن الناحية الأمنيّة، لن تقبل أيّ تهديد يأتي من التنظيمات التي تدّعي بأنها داعمة لـ"حماس"، وتعمل لصالحها، لهذا تقوم إسرائيل باغتيال أو اعتقال أيّ فرد يشكّل عليها خطرًا من هذا النوع".وتتابع حلبي، "جنين ونابلس وغيرها من البلدات الفلسطينيّة، تشكّل رأس الحركة في اجتثاث هذه الظواهر، لهذا ستقوم الأجهزة الأمنيّة بتكثيف عملها في هذه المناطق".(المشهد)